English عن التحالف اتصل بنا العدد 16- تشرين الأول / اكتوبر 2018 الرئيسسة
تطورات اقليمية

المياه والأرز، والنزوح الداخلي

العراق يقع ضمن تأثير مدار السرطان، إذ يسود فيه إرتفاع درجات الحرارة العالية والجفاف، وإنعدام سقوط الأمطار في فصل الصيف، مما يفسر أن الزراعة تعتمد بالدرجة الأولى على المياه السطحية، اللازمة لإستقرار الزراعة، واستدامتها، وبالأخص بالمنطقة الوسطى والجنوبية من البلاد. و يأتي العراق بالمرتبة الأولى من الدول العربية من ناحية إعتماده على الري السيحي. وتعد الموارد المائية من العوامل المحددة، والمهمة للتنمية الزراعية في العراق، إذ تعد الأكثر تحديدا للإنتاج الزراعي، وهي بذلك، تعد من العناصر الهامة في التوسع في المساحات المزروعة، فضلا عن تأثيرها على الطبيعة، وكمية الإنتاج الزراعي، وتوزيع السكان.

كما يواجه العراق، منذ فترة، مشكلة كبيرة ومعقدة، متمثلة بالمياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما، إذ يعاني العراق في فصلي الصيف والخريف، من شح كبير في المياه، بسبب إنخفاض مناسيب المياه، الواردة في هذين النهرين. إن مشكلة المياه حاليا تختلف كليا عن مشكلة القرن الماضي، إذ لوحظ إنخفاض كبير في كميات المياه الواردة للعراق، والتي إنخفضت من 79 مليار م3 سنويا قبل عشرين سنة، إلى حدود 15 مليار م3 سنويا خلال العشر سنوات الأخيرة، لذا فإن الإتجاه في التوسع الزراعي، سواء كان عموديا أو أفقيا،يتطلب توفير مياه ري كافية، وبنوعيات ملائمة للإنتاج الزراعي.

ومن جهة أخرى تتزايد الاحتياجات المدنية والصناعية للمياه بمرور الوقت بسبب الزيادة السكانية، في حين يعاني العراق من نقص حاد في الوارد المائي في السنوات الحالية، وربما القادمة، ويعود السبب في ذلك الى إنشاء السدود، والمشاريع في تركيا، وسوريا، فضلا عن التغيرات المناخية، لذلك لابد من إتخاذ الوسائل والإجراءات الكفيلة، بالاستعمال الأمثل والكفء للمياه وإيجاد الإستراتيجيات التي تؤدي الى زيادة كفاءة استعمالها.

ويعد شح المياه  أحد العوامل الرئيسة المحددة، للإنتاج الزراعي، وتطوره، في المناطق الجافة وشبة الجافة، ويعد القطاع الزراعي، المستهلك الرئيسي، للمياه، وخاصة محصول الأرز، لذا، أصبح الماء عاملاً محدداً لإنتاجية المحصول، ولاسيما في ظل تناقص الموارد المائية، في نهري دجلة والفرات، ومن جهه أخرى، فإن الأرز هو المستهلك الأكبر للمياه، و من محاصيل الحبوب الأساسية في العالم العراق بشكل خاص، إذ يأتي بالدرجة الثانية بعد الحنطة والشعير، من حيث المساحة، والإنتاج، لما له من مكانة واضحة في الإنتاج الزراعي.

ويزرع محصول الرز بمساحات واسعة بطريقة الري التقليدية، والتي  تتطلب كميات كبيرة من المياه، قد تصل الى أكثر من 3000 مم. فحقول الأرز التقليدية الحالية يتم فيها غمر التربة بالماء، خلال دورة نمو المحصول، والتي وقدرت بما يقارب 70 ألف متر مكعب / هكتار لطول موسم نمو المحصول، طبقاً للخبير الياباني كاسومي أيتو (Kasumi Ito) الذي زار العراق عام 1963. فطريقة الغمر أو الري المستمر للحقول تؤثر سلباً في البيئة كونها تسهم في الطرح الهائل من المياه الملوثة إلى المبازل، التي تحتوي في معظمها على الكيمياويات كالأسمدة والمبيدات، التي سببت تلوث المياه والتربة، وأن مثل هذه الكميات الكبيرة من المياه يصعب توفيرها في موسم زراعة الأرز، في وقت شح المياه، في فصل الصيف، مما سبب تذبذب المساحات المزروعة، بين عام وآخر، الأمر الذي يتطلب التفكير، والبحث، في استراتيجيات عن كيفية تغيير الطرائق التقليدية في زراعة الأرز.

في السنوات الأخيرة حصل إنخفاضاً في مستوى الأمطار الموسمية، ليبقى الاعتماد على الري من الأنهار، العامل الأهم في نجاح زراعة الأرز في العراق، وهذا ما يمثل نقطة ضعف في الأمن الغذائي للبلاد. في عام 2018 حظر على المزارعين زراعة الأرز وبعض المحاصيل الأخرى، الكثيفة الاستهلاك للمياه، بسبب الجفاف وتقلص تدفقات المياه العذبة الى انهاره وروافده، مما تسبب بنزوح الكثيرين من الريف إلى المدن القريبة أو بهجرة الزراعة كلياً، والبحث عن مصادر عيش أخرى غير الزراعة، وقد عرف النازحون داخلياً، بأنهم أشخاص أجبروا على النزوح من ديارهم، مع بقائهم داخل حدود بلدهم. وقد تفاوتت نسبة النزوح من منطقة زراعية لأخرى، فقد قدرت نسب النزوح بين 40-70% ، وإذا علمنا أن عدد العوائل التي تمتهن زراعة الأرز بالعراق يصل الى 100 ألف عائلة، فإن 40-70 ألف عائلة، تعد رقم كبير يضاف الى الكم الهائل من العاطلين عن العمل في المدن.

ولأجل استدامة زراعة الأرز وبأقل مياه أقترح: 1) تطبيق الأنظمة الزراعية الحديثة، ومنها نظام التكثيف للأرز (SRI) وإحدى مباديء هذا النظام هو تطبيق الري المتناوب، وعدم غمر التربة بالماء، خلال موسم نمو المحصول؛ 2) إستخدام المادة العضوية، ومن مخلفات المحصول السابق، لإعادة خصوبة التربة، وزيادة سعة إحتفاظها بالماء. 3)  تفعيل جمعيات مستخدمي المياه في المنطقة الشلبية، وتأهيلهم، ودعمهم قانونياً، وإجتماعياً، لغرض تنظيم الحصص المائية، فيما بين المزارعين، وبالتعاون مع دوائر الموارد المائية، في منطقتهم؛ 4) إستخدام الأصناف قصيرة العمر، والمتحملة العطش، ودعم أسعارها، لتشجيع المزارعين بزراعتها؛ 5) تبطين قنوات السقي والبزل الحقلية، لتقليل هدر المياه في أراضيهم؛ 6) تطبيق التسوية الليزرية لضمان سقي متجانس؛ 7) إستخدام تقنية مغنطة المياه، بشكل واسع لتحسين نوعية مياه السقي وتقليل نسبة الملوحة.

الصورة على الصفحة الرئيسية: مزارع عراقي يزرع أرز ياسمين في منطقة المشخاب، وسط العراق، على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من النجف، 6 حزيران/يونيو 2018. كان محصول العراق من الأرز العنبر الذي دمره الجفاف. المصدر: AFP. صورة على هذه الصفحة: مع واحد من كل خمسة عراقيين يعملون كمزارعين ، دفع نقص المياه المعطّل الكثيرين للعثور على عمل بديل. المصدر: Eplanetnews.com.

 

 


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN