English عن التحالف اتصل بنا العدد 19 - نيسان / ابريل 2020 الرئيسسة
تطورات اقليمية

تقييم مشورة منظمة الفاو بشأن السياسات

منذ عام 2017، هناك دراستان رئيسيتان لمنظمة الأغذية والزراعة قدمت فيهما المشورة في مجال السياسات، بشكل خاص تجاه الحكومات في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وقد وجه لكل منهما انتقادات لمنهجيتهما، وتفسير الحقائق، والتوقعات باعتبارها منظمة متخصصة قائمة على ميثاق الأمم المتحدة. وقد تم تلخيص النقاط الرئيسية هنا، فيما يتعلق بدراسة عام 2017 حول الزراعة الأسرية الصغيرة النطاق (SSFF) وأخرى، في عام 2019، عن الاستثمار في المياه الزراعية (IAW).

الزراعة الأسرية صغيرة النطاق في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا

في المشاوة التي جرت بين الدورتين لمنظمات المجتمع المدني في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في العاصمة بيروت، تحت رعاية لجنة التخطيط الدولية لسيادة الغذاء (IPC)، خضعت دراسة الفاو عن الزراعة الأسرية صغيرة النطاق، للمراجعة التفصيلية. ويشير التقرير إلى أن نتائجه، تهدف بصفتها توجيه للسياسات، إلى تعزيز الكفاءة الفنية والاجتماعية لاستراتيجية الأسر صغيرة النطاق، واعتماد ممارسات صديقة للبيئة. وبالإضافة إلى الدراسة الإقليمية الشاملة، نشرت منظمة الأغذية والزراعة ست دراسات حالة قطرية إضافية من استراتيجية الأسر الزراعية صغيرة النطاق، في كل من مصر، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب، والسودان، وتونس.

وقد رحبت منظمات المجتمع المدني بهذه الدراسة، باعتبارها الأولى من نوعها من قبل منظمة الأغذية والزراعة حول الزراعة الأسرية صغيرة النطاق، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتتمثل إحدى السمات البارزة في تلك الدراسة، التزامها بأمن حيازة الأراضي لصغار المزارعين، وهو ما شجعته منظمات المجتمع المدني كميزة متسقة لسياسة المنظمة، وممارستها وهي تمضي قدماً.

بعد وثيقة مراجعة السياسات، التي طورتها شبكة حقوق الأرض والسكن، والتي تحدد القضايا والقيم الرئيسية التي على المحك في الدراسة، هناك العديد من القضايا والقيم الأخرى تثير القلق، إلا أنها ليست وفق ترتيب معين:

أولاً، تأخذ الدراسة منحى اتجاه التحول الريفي والتحضر، بدلاً من تحدي الظاهرة أو التخفيف منها.

ثانياً، إن إطار أهداف التنمية المستدامة (SDG)، الذي تلتزم به المنظمة، وهو مذكور في المقدمة، ولكنه لا يرتبط بأي حال من الأحوال ببقية الدراسة. فلم يتم ذكر أهداف التنمية المستدامة، ولا مؤشراتها مرة أخرى، لا سيما تلك المعنية بأمن الحيازة (المؤشر 1.4.2)، الزراعة وإدارة الأراضي (الأهداف 1.4، 2.3، 15.1-4، 15.ب)، وصول المرأة إلى الموارد الإنتاجية (الهدف 5. أ)، الحوكمة التشاركية (الأهداف 16.5-7)، أو السعي لتحقيق التماسك أو الإنسجام بين السياسات (الأهداف 17.1 و 13 -14).

القضية ثالثاً: تتعلق بتقييم مشاركة المزارعين والمجتمع المدني في الدراسة. فقد ذكرت الدراسة إحاطات وطنية وورش عمل نقاشية، لكنها لم تشر إلى من تمت دعوته للمشاركة، أو كيف تم اختيار هؤلاء الأفراد، أو كيف تم التعبير عن الآراء المعرب عنها في الدراسة. وذكر ممثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أن الدراسات القطرية الستة، تضمنت اجتماعات، كل منها نظمت بمنهجية خاصة بها. فيما أن الدراسة الشاملة لا تعكس أي من هذه المشاركة، و لا تشير إلى وجهات نظر، أو أولويات المزارعين أو المجتمع المدني.

رابعاً، بالنظر إلى التركيز المعلن للدراسة على قضية الاستدامة كأولوية، فإن قضية الزراعة الإيكولوجية، غائبة بشكل ملحوظ كنموذج للاستدامة. في حين أبلغ ممثل منظمة الأغذية والزراعة، أن الزراعة الإيكولوجية، لم تأخذ زخماً إلا في الآونة الأخيرة في قمة جدول أعمال المنظمة، ومدرجة بالفعل في سياسات الفاو منذ عام 2012، بشأن المبادئ التوجيهية لمنظمة الأغذية والزراعة، بشأن الحيازة، وأثارت توقعاً بأن الزراعة الإيكولوجية يجب مناقشتها بجدية في الدراسات المستقبلية.

خامساً، يفتقر التقرير إلى أي لغة أومعايير لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بصياغة السياسات وتنفيذها. فبصفتها منظمة تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة مثل منظمة الأغذية والزراعة، يتجاهل هذا الإغفال أحد ركائز عمل الأمم المتحدة، ويتخلى عن إحدى القيم المضافة الأساسية لمنظمة الفاو، بما يتجاوز ما يمكن أن تقدمه المساعدة من القطاع الخاص المهتم بالمساعدة الثنائية على المستوى الوطني، أو المهتم بمصلحته الذاتية.

أما بالنسبة للشاغل السادس، والمتعلق بنقص دعم المشورة في مجال السياسات لسبل المعيشة الزراعية. تتبع الدراسة بشكل متكرر، الاتجاه في الأنشطة المتعددة - أي العمل بالإضافة إلى الزراعة - دون الاعتراف بهذا المفهوم كآلية تصدي غير طوعية، لتعويض الأسر الزراعية صغيرة النطاق، لعدم توافر أجر للمعيشة. وتدعم الدراسة هذا التحول إلى الأنشطة المتعدد، دون الاعتراف بالعقبات الأساسية والهيكلية التي تعوق سبل العيش الزراعية الصغيرة النطاق، أو العبء الساحق لديون صغار المزارعين. بل على العكس من ذلك، تشجع الدراسة على المزيد من القروض والمديونية.

وأخيراً، وبحلول عام 2020، لا تتوفر الدراسة الإقليمية ولا الحالات القطرية باللغة العربية. وفي حين يبدو أن العملية  تستبعد مواضيع الدراسات، وكذلك المخرجات. لذلك، في الوقت الحاضر، يمكن فقط لقراء اللغة الإنجليزية أو الفرنسية (في حالة دراسات تونس والمغرب) الوصول إليهم.

نحو جيل جديد من السياسات والاستثمارات في المياه الزراعية في المنطقة العربية

مرة أخرى، تعكس توجيهات السياسات الإقليمية لمنظمة الفاو لعام 2019 بشأن الاستثمار في المياه الزراعية، العديد من نفس المخاوف في المنهجية، والمحتوى مثل سلفها. ولكن على الجانب الإيجابي، تعترف سياسة 2019، بأن دور المرأة غير معترف به رسميًا في النشاط الزراعي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في حين أن دراسة الاستثمار في المياه الزراعية، تعالج بإيجاز آثار النزاع على موارد المياه والزراعة في الإقليم - وهي قضية تفتقر إليها دراسة استراتيجية دعم الأسر الزراعية صغيرة النطاق - فلا يوجد فهم لمظاهرها وتأثيراتها. الإشارة الوحيدة هي لفلسطين، على سبيل المثال، حول موضوع تحلية المياه للاستخدام. فالقضية الأساسية والجوهرية، للمياه في فلسطين هي نهب الموارد الطبيعية الحيوية للشعب، ومن بينها المياه، في ظل الاستعمار والاحتلال المستمر للبلاد. هذا الإغفال أيضًا يشمل تجاهل التعهدات السياسية لأهداف التنمية المستدامة بـ اتخاذ تدابير وإجراءات فعالة ... لإزالة العوائق التي تحول دون الإعمال الكامل لحق تقرير المصير للشعوب التي تعيش تحت الاحتلال الاستعماري والأجنبي (الفقرة 35).

كما تسلط الدراسة الضوء، على تناول أمثلة أفضل الممارسات، من الصومال المتضررة من النزاع (صـ 110)، وتمويل إعادة تأهيل قنوات الري الحالية، وترميم أحواض استجماع المياه، ومكافحة تآكل التربة (بتمويل مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة، والبنك الدولي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر). ومع ذلك، كان هذا المثال المختار استجابة في معالجة الجفاف، وليس الصراع.

ويقدم كذلك، تقرير 2019،  أداء جيد جداً، في التوافق مع أهداف التنمية المستدامة. على الرغم من أنه اختزل أهداف التنمية المستدامة في قسم واحد منفصل، كان من المفيد بدلاً من ذلك، استخدامها في الدراسة بأكملها. وسيمكن وضع أهداف التنمية المستدامة، في سياق وثيقة السياسات، القراء بتقدير مدى ارتباط توصيات تلك الدراسة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الأمر الأكثر إشكالية هو تحديد أولويات المحاصيل عالية القيمة والموجهة نحو التصدير: وهذا يترافق مع مجموعة متنوعة من المخاطر، ومن بينها، ضعف الوضع الاقتصادي للمزارعين، أمام الأسواق الدولية المتقلبة، والتكاليف والتحديات الأخرى في تلبية شروط التصدير، وربما الأهم من ذلك، عدم التركيز على تلبية الاحتياجات الغذائية والتغذوية، للسكان المحليين، من خلال الأطعمة الطازجة، والمزروعة محليًا والملائمة ثقافيا، لتحقيق السيادة الغذائية.

وفي المشاروة الإقليمية التي عُقدت في الدار البيضاء، في فبراير/شباط 2020، قبيل المؤتمر الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة، تساءل المشاركون من منظمات المجتمع المدني لماذا، تطلب منظمة الفاو من المزارعين تصدير المياه الافتراضية في صادراتهم الغذائية (أي المياه المستخدمة في الإنتاج والواردة في الفواكه والخضروات النضرة). نظرًا لندرة المياه المعترف بها في هذه المنطقة، في ظل أزمة ندرة المياه المعترف بها في الإقليم.

وتحاول كذلك، الدراسة تقديم مبررات للقطاع الخاص، لاستخراج المياه الزراعية. وتروج دراسة منظمة الفاو، إلى اقتباس عن مدير مركز الاستثمار التابع لها، والذي أكد أن مشاركة القطاع الخاص هو المفتاح لجعل القطاع الزراعي في المنطقة العربية أكثر خضرة وأكثر كفاءة في استخدام الموارد والإنتاجية، وتدعو الدراسة الحكومات إلى التحول نحو الأعمال التجارية الزراعية الخاصة، واستثمار رأس المال المساهم ( صـ 43)؛ ومع ذلك، يستند الأساس المنطقي لهذا التأكيد يعتمد فقط على الأموال التي لديهم لتقديمها، وليس على المخاطر المصاحبة.

ويبدو أن منتجي الأغذية الصغار، غائبون عن هذه الدراسة أيضًا. وقد تم ذكرهم مرة واحدة فقط، فيما يتعلق بأنواع التكنولوجيا الجديدة المتوقع تغييرها لتقنيات الزراعة، ولكن تلك التكنولوجيا المقترحة هي: (أ) باهظة الثمن، (ب) مستوردة إلى حد كبير، (ج) تتطلب مستوى من الشعور بالإرتياح مع التكنولوجيا الجديدة والتي يبدوا ظاهرياً بأن المزارعون في هذا الإقليم، لا يتمتعون بها.

كما أن دراسة الاستثمار في المياه الزراعية لم تتناول. فإذا كانت أي سياسة تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية، مثل المياه من خلال الأساليب الزراعية المستدامة، فيجب أن تناقش قضية الزراعة الإيكولوجية. وقد نُشرت تلك الدراسة في نهاية عام 2019، عندما كانت قضية الزراعة الإيكولوجية، تحتل مكانة عالية بالفعل على جدول أعمال المنظمة.

وأخيراً، غابت بشكل مؤسف، معايير ونهج والتزامات حقوق الإنسان في هذا التقرير. فالأسوأ من الإغفال، هو أن التقرير يستخدم مصطلح الحقوق بدون توضوح، وغالبًا ما يشير ضمنيًا إلى حيازة الملكية، عند الحديث عن الحقوق في المياه. وباعتبارها منظمة متخصصة قائمة على ميثاق الأمم المتحدة، تحتاج منظمة الفاو، إلى أن تعكس فهمًا لحق الإنسان في المياه، والطريقة التي تتفاعل بها المياه مع حقوق الإنسان الأخرى، خارج التركيزعلى حقوق الملكية.

الاستنتاج

تعد منصة معارف الزراعة الأسرية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمات المجتمع المدني من خلال لجنة التخطيط الدولية من أجل السيادة على الغذاء، هي منتديات قائمة، حيث يمكن لمنتجي الأغذية والمجتمع المدني، تبادل الأفكار وتقديم معلومات عن السياسات المسؤولة. ومع ذلك، فإن وثائق السياسات لمنظمة الفاو، التي تمت مراجعتها هنا، تجسد رفض تلك الأصول، التي لا غنى عنها، والقيمة المضافة المحتملة لمنظمة الفاو في مجال الأغذية والزراعة.

و تذكّر منظمات المجتمع المدني في الإقليم منظمة الفاو، بنتائج مشاورة منظمات المجتمع المدني لعام 2016، وتوصيتها للمؤتمر الإقليمي في نفس العام، لتمكين المنصة الإقليمية لصغار المنتجين (SSP)، كقناة مباشرة لتقديم ما يلزم من المشورة، لحل أوجه القصور في عمليات المنظمة و أدائها. وتعزز انتاجات السياسات اللاحقة تلك الرسالة، لضمان مشاركة حقيقية، وإصلاح الأضرار المحتملة، الناتجة عن هذه الأساليب التقنية دون إطارها المعياري.

لتحميل الزراعة الأسرية صغيرة النطاق في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا (ملخص)

لتحميل نحو جيل جديد من السياسات والاستثمارات في المياه الزراعية في المنطقة العربية


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN