English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 31 - كانون الأول/ ديسمبر 2024 الرئيسسة
تطورات اقليمية

تصورات بشأن إعادة إعمار غزة

تناول العدد السابق من نشرة  أحوال الأرضLand Times ، الجهود المبذولة للتحديد الكمي للخسائر التي قامت بها إسرائيل في غزة مع مرور الوقت، والتركيز على فترة الإبادة الجماعية المستمرة. وفي حين أن التكاليف البشرية والمادية والبيئية لاستعمار إسرائيل لفلسطين قد تتحدى التقييم الكمي، إلا أن فهم السياق التاريخي الحديث، يظل أمرا ضروريا لهذه المهمة. ومع ذلك، وكما هو الحال مع جميع عمليات الاستعمار، فهي قصة مروعة من الخسائر التي لا تُحصى ضد الشعب الأصلي.

ومن الأمور المروعة أيضاً، هو مستقبل إعادة بناء غزة، ومشهد الأنقاض وكأنه صورة من سطح القمر. فحين أنشئت دولة إسرائيل بالقوة والعنف، في عام 1948،  تقلصت محافظة غزة، وحولته إلى قطاع غزة، حيث تعرض لهجمات متكررة من قبل قواتها الاستعمارية ــــ ولا سيما الوحدة 101 سيئة السمعة التي كانت تابعة لآرييل شارون ــــ وقبل احتلالها العسكري للقطاع عام 1967. بعد ذلك، أدى زرع المستعمرات الاستيطانية الزراعية إلى تجفيف منسوب المياه العذبة، من خلال الزراعة المكثفة بحلول عام 2006، ومع خنق الإمدادات الطبيعية للمياه، من خلال سحب منسوب المياه بالخزان الجوفي وسد قدرته على إعادة التغذية. ثم توالت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جميع أنحاء قطاع غزة، بتدمير وقصف كافة المباني والمنشآت، والبيئة العمرانية، على مدار الفترات التالية، 2000–2004، 2008–2009، 2012، 2014، 2021، 2022، ثم مايو/آيار 2023، وبشكل مستمر منذ أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى إلى تدمير البيئة العمرانية، من منازل، ومباني سكنية، ومصانع، ومرافق عامة، وطرقات، ومباني مكتبية، ومرافق تعليمية، والبنية التحتية الزراعية، والمرافق الترفيهية، بالاضافة الى تدمير المدن بالكامل.  

كما تدعو الكثير من المنشورات المتعلقة بإعادة إعمار غزة فعلياً، أو تفترض وجود ظروف سياسية مواتية للتنمية، في إيجاد سيناريو لإعادة الإعمار. ومع ذلك، فمع وجود دولة فصل عنصري، تمارس إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني الأصلي، في جميع أنحاء المنطقة يشكل العقبة الرئيسية ــــ والظلم المتمركز ــــ الذي يجب إنهائه، لكي يتم التفكير في أي رؤية للمستقبل.

وإذا كان هناك تنبأ عن كيفية تنفيذ عملية إعادة الإعمار تلك، فيجب أن تستخلص الخطة الشاملة اللازمة العبرة من الماضي. فمن عجيب المفارقات، أن الجهات الفاعلة المفترضة في خطة التعافي وإعادة الإعمار، تشمل نفس المؤسسات المسئولة عن سلسلة الجرائم المرتكبة هناك: الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمقاولون الدوليون، وإسرائيل. وكما تعلمنا كذلك، من دروس الماضي، كيف لعبت كذلك السلطة الفلسطينية، دوراً سلبياً في محاولات إعادة الإعمار السابقة.

بعد حرب إسرائيل على غزة في 2014، منحت الآلية المؤقتة لإعادة إعمار غزة (GRM)، لإسرائيل السيطرة الكاملة على عملية البناء وإعادة الإعمار لغزة بموجب الاتفاق المؤقت مع الحكومة الفلسطينية، وبوساطة للأمم المتحدة. وكما كان متوقعاً فقد فشلت تلك الترتيبات في إعادة إعمار غزة، بل أدى الى تكريس الحصار الإسرائيلي وإضفاء الطابع المؤسسي على الحصار الاسرائيلي وتفاقم معاناة الناس.

بالتوازي مع الآلية المؤقتة لإعادة إعمار غزة (GRM)، فقد شكلت حكومة الوفاق الفلسطيني، الفريق الوطني لإعادة إعمار قطاع غزة (NORG)، للتواصل مع الوزارات المختلفة ومتابعة ومراقبة أعمال إعادة الإعمار. وقد تم إنشاء (NORG)، من أجل: (i) تحديد الأولويات والتخطيط، (ii) التوجيه السياسي، (iii) دعم التنفيذ، (iv) إدارة الأداء، (v) التنسيق، (vi) التمويل، و(vii) الاتصالات. ومع ذلك، لم تولى السلطة الفلسطينية الأولوية للفريق الوطني لإعادة الإعمار، مما أدى إلى تفكك تلك الآلية.

ومع استمرار الإبادة الجماعية، لم تعلن السلطة الفلسطينية حتى الآن، عن تقديم هيكل ما لإعادة الإعمار والحوكمة، والذي عادة ما يتبع إجراء مشاورات مع الجهات المانحة بعد انتهاء الحرب. ومع ذلك، تجري العديد من الحوارات بينما تقوم جهات فاعلة متنوعة، و الفلسطينييون الأكثر صلة بينهم، بالاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب.

وبالاعتماد على القدرات المحلية المتوقعة، فإن مجرد إزالة 42 ألف طن من الركام، المليء بالقنابل غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطرة والبقايا البشرية، لتمهيد الطريق لإعادة الإعمار، سيستغرق هذه المرة على الأقل 15 عاما، وسيكلف ما يصل إلى 700 مليون دولار أمريكي. بينما تُقدر تكلفة إعادة الإعمار بعشرات المليارات.

وينصح د. سلطان بركات، وكذلك بول بورتيوس، الخبراء بمجال إعادة الإعمار والمجتمعات ما بعد الصراع، بأن منهجيات إعادة الإعمار، تتطلب إيجاد قيادة لديها القدرة على التكيف بشكل إبداعي مع طبيعة الصراع، التي طمست التمييز بين مراحل التخطيط والتنفيذ، في ظل سيناريو انتقالي تنتهي فيه مرحلة الاحتلال وتبدأ السيادة، وتقوى المجتمعات، وتحقيق العدالة والمصالحة. وقد تستطيع الحماية الدولية، ربما من خلال سلطة انتقالية تابعة للأمم المتحدة في غزة، أن تتغلب على المنافسة والصراع بين الوكالات، وتزيل الحواجز البيروقراطية، وتشرك الجهات المانحة، وتخلق البيئة اللازمة لإعادة الإعمار المحلي الذي يتجاوز البنية التحتية، ويشمل الهوية، والتماسك الاجتماعي، والمصالحة السياسية، والسيادة، والعدالة، والتنمية الاقتصادية، والنهضة الثقافية.

وقد تتطلب مكونات المرحلة الانتقالية ما يلي:

  • وقف فوري لإطلاق النار تحت مراقبة القوات الدولية وفريق حماية، وانسحاب إسرائيل، وإقامة منطقة حظر جوي، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمعتقلين.
  • توفير المساعدات الإنسانية والتي تشارك فيها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
  • قطاع مزدوج للقانون والنظام يضم شرطة فلسطينية محلية إلى جانب قوة شرطة دولية.
  • دعم تقرير المصير من خلال تنفيذ حل الدولتين مع الحفاظ على سلامة أراضي الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
  • إنشاء حكومة فلسطينية مؤقتة.
  • توفير تمويل من الجهات المانحة وجبر الضرر.
  • دعم المصالحة الوطنية.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجلس إعادة إعمار غزة، وعمليات أصحاب المصلحة، والصندوق الائتماني لإعادة إعمار غزة الذي من شأنه بناء القدرات المحلية لتحقيق العدالة، والمساءلة، والشفافية، والنزاهة، بالإضافة إلى التخطيط الاستراتيجي طويل المدى.

كما يتصور مؤمن بسيسو بشأن حوكمة إعادة الإعمار، أن تكون في إطار حل سياسي مستدام وسط وحدة فلسطينية، والتي بدونها ستكون جهود إعادة الإعمار عديمة الجدوى. كما يجب أن تتولى مؤسسة وطنية غير مسيسة، ومستقلة، أن تقود وتدير الاستجابة للكوارث وإعادة الإعمار، وبمشاركة فعالة من المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، لتحل محل آلية إعادة إعمار غزة الفاشلة.

في جميع الحالات، تشير دروس المستفاردة من التاريخ، إلى ضرورة الإجماع على إيجاد عملية يملكها الفلسطينيون، من خلال التوافق مع التخطيط الوطني، واتباع نهج يرتكز إلى الناس ــــ مما يضمن مشاركة المجتمعات المحلية والمجتمع المدني والاستماع إليهم. و هذا ما يتوافق مع إعلان باريس بشأن فعالية المعونة، الذي ينص المبدأ الأول منه على الملكية وتقرير المصير. فيما تظل إسرائيل هي العقبة الرئيسية أمام إحراز التقدم.

الصورة: فلسطينيون يسيرون أمام منازل مدمرة، وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس، في مخيم جباليا لللاجئين، شمال قطاع غزة، 22 فبراير 2024. المصدر: محمود عيسى/رويترز.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN