أوضاع المهمشين في اليمن: صراع على الحقوق الأساسية في ظل النزوح والصراع
في ظل الصراع المستمر في اليمن، تعاني الفئات المهمشة من أوضاع هشة تفاقمت بفعل النزوح القسري والانهيار الشامل في البنية التحتية والخدمات الأساسية. فالعيش في فقر مدقع حتى قبل الحرب الأهلية الدائرة الآن، والتدخلات من قبل أطراف ثالثة لتغذية ذلك الصراع المسلح، تعاني بشكل أكثر تضرراً، مجتمعات المهمشين، والمعروفون تقليدياً بإسم (الأخدام)، وهم ينحدرون من أصول إفريقية، حين تم استعبادهم، منذ القرن السادس، حين كانوا جنودا في مملكة أكسوم. وتعاني مجتمعات المهمشين، من حرمانهم من حقوقهم في الأرض والسكن، وتتفاقم مع صعوبة الوصول إلى المياه والغذاء، وتعرضهم للتمييز داخل مخيمات النزوح.
ونتيجة احتدام الصراع الأهلي، على مدى السنوات الأخيرة، وخاصة في العقد الذي تلى حملة القصف التي قادتها السعودية، في مارس/آذار 2015، كانت المدن المتضررة بشكل أكبر من الصراع، مثل عدن وتعز والحديدة، هي التي تضم التجمعات الكبيرة من المهمشين. فقد أصابت الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية، أحياء المهمشين، كأول أهداف للتحالف، ومانوا من أوائل النازحين داخلياً. فيما شهدت مدينة صعدة الشمالية، موجة نزوح للمهمشين إلى محافظات أخرى، مثل عمران، حين تعرضت مدينة صعدة للقصف المكثف، من قبل التحالف في إبريل/نيسان 2015. مما جعل محنتهم من أكثر القضايا إلحاحاً على أجندة حقوق الإنسان والعمل الإنساني. ويقدر عدد المهمشين وبشكل متباين، مابين 500,000، إلى 3.5 مليون شخص.
حرمان مزدوج في مخيمات النزوح
تشكل مخيمات النزوح في اليمن مأوى مؤقتًا لعشرات الآلاف من المهمشين، الذين أجبروا على ترك منازلهم وأراضيهم. ومع ذلك، فإن هذه المخيمات، التي يُفترض أن توفر الحماية والمساعدة، تعاني من نقص حاد في الموارد والخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة والغذاء الكافي. وتُظهر التقارير الميدانية، أن توزيع هذه الموارد غالبًا ما يتم بطرق غير عادلة، حيث تتعرض الفئات المهمشة للتمييز على أساس الانتماء الطبقي أو العرقي، مما يزيد من استبعادهم داخل هذه المساحات المكتظة والضعيفة أصلًا. كما يفتقر العديد من المهمشين، الذين لايزالون لأجيال من عديمي الجنسية، إلى الحصول على الوثائق اللازمة لإثبات هويتهم.
أزمة المياه والغذاء: بُعد جديد للتمييز
في ظل ندرة الموارد المائية في اليمن، تعاني مخيمات النزوح من أوضاع مأساوية نتيجة ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط الإنساني الشامل. ويتمثل التحدي الأكبر في حصول المهمشين على المياه، حيث يُضطر الكثيرون إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مصادر غير آمنة، ما يعرضهم للمخاطر الصحية والاجتماعية.
أما فيما يتعلق بالغذاء، فالمهمشون غالبًا ما يقعون في أسفل سلم الأولويات، أثناء توزيع المساعدات الإنسانية. وتشير الشهادات إلى أن بعض الفئات في مخيمات النزوح، تُحرم من الحصص الغذائية، أو تُمنح كميات غير كافية، مما يعمق معاناتهم ويهدد أمنهم الغذائي، لا سيما مع ارتفاع معدلات سوء التغذية في البلاد بشكل عام.
الحق في الأرض والسكن: جذور الأزمة
يمثل فقدان الأرض والسكن، واحدًا من أبرز جوانب معاناة المهمشين في اليمن، حيث أن الكثيرين منهم لا يمتلكون وثائق قانونية تثبت حقهم في الأرض التي يعيشون عليها. ويُستخدم هذا الوضع كذريعة لإقصائهم من برامج إعادة التوطين أو التعويض. كما تشير التقارير، أن المهمشين النازحين يعانون من التمييز من نازحين أخرين، في الوصول إلى معسكرات النزوح. والعديد من حالات النزوح، تُترك العديد من الأسر المهمشة، في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبلها، وافتقارهم إلى الدعم اللازم، لإعادة بناء حياتهم في أماكن آمنة ومستقرة.
نحو معالجة أكثر عدالة
يتطلب تحسين أوضاع المهمشين في اليمن نهجًا شاملًا، ويركز على المساواة، في الوصول إلى الحقوق الأساسية والموارد. ولتحقيق ذلك، يمكن اعتماد مجموعة من التدخلات الفعّالة:
- تطوير آليات توزيع المساعدات: حيث ينبغي ضمان الشفافية والنزاهة، في توزيع الموارد داخل مخيمات النزوح، مع إعطاء الأولوية للفئات الأكثر ضعفًا، بما في ذلك المهمشين.
- تعزيز الحماية القانونية: يجب العمل على توثيق حقوق المهمشين في الأرض والسكن، من خلال برامج قانونية تستهدف إزالة العقبات التي تواجههم في إثبات ملكيتهم.
- تمكين المجتمعات المحلية: تشجيع المجتمعات النازحة على تشكيل لجان محلية تمثل المهمشين وتشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع الموارد وإدارة المخيمات.
- زيادة الدعم الإنساني: من الضروري أن تولي المنظمات الدولية والإقليمية اهتمامًا خاصًا للمهمشين، مع تخصيص برامج غذائية ومائية تلبي احتياجاتهم الملحة.
ختامًا
إن تحسين أوضاع المهمشين في اليمن، يتطلب تجاوز النهج التقليدي للإغاثة إلى سياسات حقوقية، تضمن لهم الوصول العادل إلى الموارد الأساسية. فالمعاناة المستمرة لهذه الفئات ليست فقط نتيجة للصراع، بل أيضًا انعكاس لغياب العدالة الاجتماعية والإقصاء طويل الأمد. معالجة هذه القضايا تمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق المساواة والاستقرار في بلد يرزح تحت أعباء الحرب والنزوح.
الصورة: بقايا قلعة تعز، المصدر: أحمد الباشا.
|