المشاورات الإقليمية لمنظمات المجتمع المدني مع الفاو، 2019-2020
منذ عام 2018، يسعى المكتب الإقليمي للفاو في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، مع منظمات المجتمع المدني المعنية، إلى تنفيذ برنامج يهدف إلى تعاون وتكامل أوثق، وتبادل للمعرفة. وقد تم إنجاز فاعلتين رئيسيتين ضمن برنامج أوسع نطاقاً في الأشهر القليلة الماضية، لتحسين الموقف الجماعي لمنظمات المجتمع المدني ومساهمته في العمل مع منظمة الفاو، ضمن المنصة العالمية: لجنة التخطيط الدولية المعنية بالسيادة على الغذاء (International Planning Committee on Food Sovereignty). فالتوصيات الختامية تبرهن على نمط من الاستمرارية في كل من الفاعلتين وهما اجتماع منظمات المجتمع المدني في فترة ما بين الدورتين بالتعاون مع الفاو، والذي عقد في بيروت، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وكذلك مشاورة المجتمع المدني، التي عُقدت في مدينة الدار البيضاء، في فبراير/شباط الماضي 2020. وتلك الفاعلية الأخيرة تأتي في إطار التحضير لمؤتمر الفاو الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، والذي يُعقد كل سنتين، كان من المفترض أن يُقام في العاصمة العمانية مسقط، في أول مارس/آزار الماضي.
وقد تناول المشاركون في اجتماع بيروت في فترة مابين الدورتين، قضايا منظمات المجتمع المدني ذات الأولوية، والتي لاتزال غائبة عن جدول أعمال الفاو، أهمها تعزيز المساواة بين الجنسين وعدم التمييز في تنمية المناطق الريفية، ومكافحة الفقر، لاسيما في غياب استراتيجية لدعم المرأة أثناء حالات الصراع، والاحتلال وغيرها من الأزمات الممتدة.
كما استعرض اللقاء ما بين الدورتين تنفيذ توصيات وقرارت الدورة 34 للمؤتمر الإقليمي بشأن القضايا التي حددتها كأولوية، وهي:
- الزراعة الإيكولوجية: التكيّف مع تغير المناخ في المناطق شبه القاحلة من أجل تحقيق تنمية زراعية مستدامة
- التحول الزراعي في إقليم الشرق األدنى وشمال أفريقيا وتحدي عمالة الشباب والهجرة.
- صحة واحدة: معالجة الآفات والأمراض النباتية والحيوانية والسمكية العابرة للحدود: مبرر للتعاون الإقليمي.
ومن بين الموضوعات الهامة التي تم تناولها في اللقاء التشاوري في فترة مابين الدورتين، جهود مجموعة العمل المعنية بالأرض والأقاليم التابعة للجنة الدولية للسيادة على الغذاء، في تشخيص قضايا الأرض ونضالات المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية في الإقليم في الدفاع عن حقوقهم في المعيشة، والأرض وغيرها من موارد الانتاج. كما استعرض المشاركون في اللقاء، قضية الأمولة وتسليع الأراضي، ونهبها في حالات الصراع والحروب، خاصة عن الوضع في اليمن، والسودان، والعراق، وفي حالة الاحتلال كما هو الوضع في فلسطين، والصحراء الغربية.
كما تناول المشاركون اللقاء ما بين الدورتين، قضايا المجتمع المدني ذات الأولوية، ومنها وكذلك قضية دعم صغار المنتجين وإدارة المياه النادرة، وقادت شبكة حقوق الأرض والسكن ــــــ التحالف الدولي للموئل مراجعة نقدية لاستراتيجيات منظمة الأغذية والزراعة لدعم الزراعة الأسرية على نطاق صغير والاستثمار في المياه الزراعية. وجدد المشاركون مقترحهم لمشروع تطبيق الخطوط التوجيهية للحيازة في العراق لدعم استدامة استخدام الموارد الطبيعية، وضمان المساواة للجميع للوصول إلى الأراضي وسبل انتاج الغذاء.
أما فيما يتعلق بالمشاورة التي أجريت في مدينة الدار البيضاء، في فبراير/شباط الماضي، فقد ردد المشاركون أوجه القلق التي عبروا عنها في لقاء بيروت. ويعود ذلك بسبب عدم وجود مشاركة تُذكر بين منظمات المجتمع المدني ومنظمة الفاو في فترة مابين دورتي المؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، فضلا عن، الافتقار إلى نشر المعلومات التي تتناول التقدم المحرز في تلك المبادرات منذ عام 2018، وتساءلت منظمات المجتمع المدني عن الفائدة من الانتقال بأجندة الموضوعات للمؤتمر الإقليمي من دورة للدورة التي تليها، دون وجود مؤشرات قياس عن التقدم المحرز. كما لاحظت منظمات المجتمع المدني، بأن هناك بعض القضايا التي تم تحديدها كأولوية في السابق، تم إغفالها بشكل كامل، دون وجود مبرر كافي، ومن بينها قضية المرأة والمساوة بين الجنسين، التي تم إثارتها ومناصرتها في عام 2014، ثم سقطت وأختفت تماماً من جدول أعمال الدورات اللاحقة للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا.
وفي إطار التحضير لمؤتمر الفاو الإقليمي الذي يُعقد كل سنتين للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، عقدت لجنة التخطيط الدولية من أجل السيادة على الغذاء، مشاورتها الإقليمية مع منظمات المجتمع المدني، ومسؤولي مكتب الفاو الإقليمي، في الفترة من 24-26 فبراير/شباط 2020، بمدينة الدرا البيضاء، المغرب. وقد استضاف اللقاء التشاوري الإقليمي، الجامعة الوطنية المغربية للقطاع الفلاحي، وتناول اللقاء مجموعة من القضايا ذات الأولوية في الإقليم، خاصة:
- تعزيز الشراكة بين منظمات المجتمع المدني وبين منظمة الفاو،
- وضع إطار إستراتيجي لدعم الأسر الزراعية صغيرة النطاق،
- تقديم المشورة للفاو في مجال سياسات معالجة ندرة المياه، وقطاع الاستثمار في المياه،
- الزراعة الإيكولوجية وتحسين القدرة على المجابهة والتعافي، في مواجهة التغيرات المناخية، وكذلك
- النهج المستند إلى مبادئ حقوق الإنسان، في دمج أهداف التنمية المستدامة مع سياسات الفاو، لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية.
ومع افتتاح المشاورة الإقليمية، قدم كيان جيف مسؤول السياسات بالمكتب الإقليمي للفاو، شرحاً لمبادرة الفاو العمل يداً بيد التي أطلقتها في كافة الأقاليم، حيث تسعى الفاو لدور أكبر وفعال للأطراف من غير الدول، وأصحاب المصلحة من (الأكاديميين، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية).
كما استعرض جيف كذلك، نتائج اللقاء التشاوري الفني الإقليمي، من أجل إعادة تشكيل مستقبل الغذاء، والزراعة في إقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، والذي عُقد في القاهرة بمكتب الفاو الإقليمي، في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد وضع ذلك اللقاء مجموعة من القضايا الإقليمية ذات الأولوية في إطار تحويل أجندة الفاو، لتحقيق أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة. وقد سلط ذلك اللقاء الضوء على التحديات التي تواجه دول الإقليم:عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، القدرة على المجابهة والتعافي من الأزمات الممتدة، وحالات الطوارئ، شح الموارد الطبيعية، والتغيرات المناخية، وتوظيف الشباب والهجرة، والنمو المنخفض في الانتاجة الزراعية.
أما الجلسات الرئيسية في اللقاء التشاوري بالدار البيضاء، فكانت لتحضير مساهمات منظمات المجتمع المدني للدورة القادمة للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا. واستعرضت مجموعات العمل المصغرة وثائق المؤتمر الإقليمي، وتناولت المبادرات الثلاث الرئيسية، والقضايا ذات الأولوية على أجندة المؤتمر الإقليمي القادم، وهي:
- حالة الأمن الغذائي في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا: تكييف النظم الغذائية لمواجهة ازدياد عدد السكان في المناطق الحضرية.
- بناء مجتمعات زراعية قادرة على الصمود بهدف تنشيط الاقتصادات المحلية وتشجيع فرص العمل في الريف.
- ضمان الاستدامة البيئية في ظلّ نُدرة المياه وتغيّر المناخ.
كما ناقش المشاركون من منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى موضوعات جدول أعمال المؤتمر الإقليمي، عملية المراقبة الحالية لإطار العمل من أجل الأمن الغذائي والتغذية في ظل الأزمات الممتدة، وهي سياسة أقرتها لجنة الأمن الغذائي العالمي في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وبشأن قضية دور المجتمع المدني في تنفيذ البرامج والأنشطة مع الفاو، كررت منظمات المجتمع المدني الإعراب عن قلقها من عدم وجود تواصل مع مسؤولي المكاتب القطرية/ الوطنية للفاو، في تنفيذ توصيات الدورات السابقة للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا (2014،2016،2018).
كذلك استعرضت منظمات المجتمع المدني مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الفلاحين، وغيرهم من العمال في المناطق الريفية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وأبدوا ملاحظتهم من غياب تلك المبادئ في سياسات وبرامج الفاو على المستوى الإقليمي، وعلى مستوى المكاتب القطرية/الوطنية، وكذلك في التخطيط للدورة 35 للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا.
كما قدم المشاركون مجموعة من التوصيات والملاحظات الهامة، التي ينبغي على الفاو أن تضعها في الاعتبار، ضمن إطار العمل لتلك الأولويات الثلاثة، التي يتم من خلالها تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأول تلك التوصيات، بأنه يجب على موظفي الفاو، أن يدركوا أن منظمة الفاو، منظمة أممية قائمة وفق ميثاق الأمم المتحدة، وملتزمة بمقاصد الأمم المتحدة، بما فيها التزمات حقوق الإنسان. وفي ضوء ذلك، حددت منظمات المجتمع المدني بضرورة مراجعة المصطلحات والمفاهيم التي تروج لها منظمة الفاو، من خلال مبادراتها التي تضع مصالح القطاع الخاص كأولوية. وعليه، دعت المنظمات المشاركة، أن تتبني منظمة الفاو رؤية المجتمع المدني لمفهوم السيادة على الغذاء، كهدف أكبر وأسمى من مفهوم الأمن الغذائي. كما أعربت منظمات المجتمع المدني عن قلقهم إزاء السياسات المعنية بنظم الغذاء، وحوكمة الموارد الطبيعية، وتقديم دعم أكبر لصغار منتجي الغذاء.
وعلى الرغم من الملاحظات التي أبدتها المنظمات المشاركة في عملية الشراكة، إلا أنه تحقق بعض التقدم، باستعراض الانتهاء من قاعدة البيانات الإقليمية للجنة السيادة على الغذاء، والخاصة بمنظمات المجتمع المدني الشريكة مع الفاو، في مشاورة الدار البيضاء. وقد تم إنشاء قاعدة البيانات بالتعاون شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل، وتهدف إلى تحسين التواصل والشراكة الاستراتيجية بين منظمات المجتمع المدني في الإقليم، بالإضافة إلى سدة الفجوة في المعلومات داخل منظمة الفاو حول قدرات المجتمع المدني، وخبراته، وتاريخ مشاركته مع الفاو.
على الرغم من تناغم الأصوات بين منظمات المجتمع المدني في كل من المشاورتين في بيروت والدار البيضاء، إلا أن المجتمع المدني لم يتمكن من التعبير عنها في الدورة 35 للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، بسبب تأجيل اللقاء الرسمي الذي كان من المقرر أن يُعقد في العاصمة العمانية مسقط، بسبب جائحة كوفيد ــــــ19. كما أن التوصيات التي استخلصها المجتمع المدني من المشارتين، لا تقل في أهميتها عن مرحلة ما بعد أزمة جائحة كوفيد ــــــ 19.
|