نداء من جبال النوبة
يشكل هذا المقال بيان مشكلة من قبل جمعية مجتمع الكوشيين للتنمية وحقوق الإنسان. فيما ستركز مقالة مستقبلية على الحلول المقترحة في ضوء التغيرات السياسية الجارية في السودان.
الأرض
تقع منطقة جبال النوبة في شمال الخط الحدودي الذي يفصل السودان عن دولة جنوب السودان، والذي يقع في ولاية جنوب كردفان. ويمتد إقليم دارفور، على طول الجزء الغربي، فيما يمتد النيل الأبيض وشمال كردفان على طول الجزء الشرقي.
وتعتبر منطقة جبال النوبة، من أكبر الأقاليم السودانية، وتبلغ مساحته 79,470 كلم مربع. حيث تضم سهولاً جبلية متفرقة، ومساحات ممتدة من تربة القوز الرميلة، والهضبية، وأودية مغطاة بالصخور، ويغلب على تربة الإقليم التربة السوداء والأشجار كبيرة الحجم.
وتعرف منطقة إقليم جبال النوبة بطول موسم الأمطار، التي تبدأ من أواخر مايو/آيار وتزداد غزارة حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول. و تنمو في هذه الفترة، نباتات السافانا الطبيعية، التي تعكس جودة التربة، وقدرتها الإنتاجية الزراعية. كما تمثل المنطقة أحد أفضل مناطق السودان لتربية الماشية، لإنتشار الأراضي الرعوية الشاسعة، وبالتالي، فهي تعتبر منطقة صراع مستمرة بين سكان الزراعة، والقبائل الرعوية الموسمية المترحلة.
تبلغ مساحة المنطقة الزراعية حوالي (31,053,480) فدان (الفدان = 4،200 م2)، منها (10,940,100) فدان عبارة عن تربة ذات جودة عالية للزراعة، و(6,754,440) فدان ذات جودة متوسطة للاستخدامات الزراعية، وهناك (7,047,180) فدان، هي أراضي صالحة للرعي، وقليلة الجودة للنشاطات الزراعية، ولكنها صالحة للزراعة التقليدية ورعي الماشية، بينما يوجد (2,622,760) فدان ذات تربة فقيرة، وتصلح فقط لرعي الماشية. أما المتبقي من المساحة الكلية والتي تبلغ (3,689,000) فدان، هي عبارة عن مساحة الأودية ومجاري المياه، وسفوح الجبال.
أهم محصول زراعي هو الذرة بكافة مسمياته، الدخن، السمسم، اللوبيا، البَفرة، والعدس. وقد كان القطن خلال السنوات الماضية من أهم المحاصيل النقدية، وكانت التربة الصالحة لزراعة القطن تمثل ٤٥٪ من جملة الأراضي في الإقليم، ولكن حالياً أصبح محصول السمسم في المركز الأول. وتعتبر منطقة (هبيلا) الواقعة في الريف الجنوبي لمحلية (الدلنج)، من أكبر المشاريع الزراعية في الاقليم، إضافة الى منطقة (الترتر) الواقعة في الجزء الشرقي المتاخم لجنوب السودان، وتنتج المنطقتين الحبوب الغذائية والزيتية بنسب عالية.
شعبها
تتفاوت تقديرات سكان النوبة بشكل كبير. ففي عام 2008 قُدر عدد سكان جبال النوبة، بحوالي 3.7 مليون نسمة. ومع ذلك، فإن أفضل تقديرات التعداد التي تحسب شعب النوبة في وطنهم وفي الشتات. وبذلك يبلغ مجموع سكان جبال النوبة حوالي 4.5 مليون نسمة. ويشمل هذا الرقم، على الأقل 2 مليون نسمة، الذين يعيشون في ولاية جنوب كردفان بالسودان، وهم (50% من سكان الولاية). بالإضافة إلى نحو 2 مليون أخرين من النازحين داخليًا، و يعيشون في الخرطوم والمناطق المجاورة. وقد تعمدت الحكومة السودانية تجاهل قضايا شعب النوبة المدنية، خاصة عندما رفضت حكومة الجبهة الإسلامية، إجراء تعداد سكاني لمناطق جبال النوبة، إستعداداً للإنتخابات المرتقبة في عام 2010، مما ساهم في إفقار سكان المنطقة، واستبعادهم من فرص توزيع خدمات التنمية والإستقرار. وهناك عدة آلاف ممن يعيشون بصورة دائمة وغير دائمة في مناطق هامشية في جميع مدن شمال السودان، ويعانون نفس مصير أخواتهم في جبال النوبة.
ويشكل النوبيون حوالي 82% من سكان جبال النوبة. والنسبة الباقية تتألف من قبائل البقارة (رعاة بقر متحدثي العربية)، تشمل المسيرية، والحوازمه. وهناك أقليات أخرى مثل الجلابة (التجار) والفلاتا (من غرب إفريقيا).
والديانات التقليدية التي تمارس في جبال النوبة هي المسيحية، الإسلام، والديانات المحلية الإفريقية، كالكجور ويوجد هذا الإعتقاد في جميع القبائل النوبة.
شعوب النوبة هي مجموعات عرقية أصلية مختلفة، تضم العديد من الشعوب المتميزة التي تتحدث لغات مختلفة والتي تنتمي إلى عائلتين لغويتين غير مرتبطين على الأقل. بالإضافة إلى العربية السودانية، فهناك 42 لغة أخرى يتحدث بها في جبال النوبة. وهي تنتمي إلى العائلات اللغوية التالية (الداجو، والنوبية الجبلية، والكادو، والكاتلا، واللافوفا، والنييما، والرشاد، والتالودي-هيبان والتيمين). وتنتمي خمس من هذه العائلات (الداجو والنوبية الجبلية والكادو والنييما والتيمين) إلى عائلة اللغات النيلو- الصحراء، بينما تنتمي أربع (الكاتلا والافوفا والرشاد والتالودي-هيبان) إلى عائلة لغة النيجر والكونغو. وعلاقة لغة الكادو بالنيلو-الصحراء غير مؤكدة. وتم تصنيفها سابقًا على أنها من عائلة النيجر والكونغو، وكان تصنيفًا محافظًا يعتبرها عائلة مستقلة.
تقريبا كل اللغات المنطوقة في جبال النوبة هي أصلية في الجبال ولا توجد في أي مكان آخر. الاستثناءات الوحيدة هي لغات الداجو، الباقية تنتمي إلى غرب الداجو، وتوجد في شرق تشاد، والعربية السودانية، التي يتم التحدث بها في بقية السودان.
واتفق معظم المؤرِّخين، علي أن شعب النوبة هم اوّل الشعوب التي قطنت إقليم جبال النوبة (كردفان) قبل ان تاتي إليها بقية المجموعات. مع ذلك، يشير التنوع الواسع للغات بين جبال النوبة، إلى أن الجبال كانت بمثابة ملاذ للعديد من الناس في الماضي.
حجم المشكلة
إن السودان بات في صدارة قائمة الدول التي تنزع الأراضي من الأفراد على نطاق واسع، بحجة غياب وثائق تسجيل رسمية. فقد بلغت مساحة الأراضي المصادرة من الأفراد في السودان في الفترة من 2004 إلى 2013 حوالي 9،5 مليون فدان (4 مليون هكتار)، تم تخصيصها لمستثمرين أجانب ومحليين.
وهذه ممارسة مقننة في السودان، وأساسها عدم الاعتراف بملكية أراض زراعية أو سكنية غير مسجلة، وتسجيل مساحات شاسعة منها بأسماء مستثمرين أجانب ورجال أعمال مقربين من النظام، ومسؤولين حكوميين وعسكريين. بيد أن السودان – وبفضل سياسة عدم الاعتراف بالملكية غير المسجلة رسمياً – تبوأ المرتبة الثانية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، بعد السعودية.
هذه السياسات شملت مناطق كثيرة من إقليم جبال النوبة المعروفة بخصوبة أراضيها، وكثافة إنتاج الحبوب الغذائية والفاكهة، فضلاً عن الصمغ السوداني (العربي) – حيث ينتج السودان أكثر من ٨٠ ٪ من هذا المحصول في العالم – ويضم إقليم جبال النوبة مساحات صالحة للزراعة تُشكل بنحو ٣٥٪ من جملة الأراضي الخصبة في السودان.
ومن هنا بدأ الصراع، فكانت بدايته بين الرعاة والمزارعين، وكان للحكومة دور كبير فى تأجيجه، حيث أن ممرات الرعاة حسب الخريطة الجغرافية للولاية هناك، ممتدة من بحيرة الجاو إلى أقصى شمال الولاية بها من ٢٠٠ الى ٣٠٠ فدان للرعي، لكن الحكومة ضيقت مساحة الرعي تلك، مما اضطر الرعاة إلى التوسع في الأراضي الزراعية وهذا لا يتماشى مع الطبيعة الزراعية فنشب الصراع، كان صراعًا بفعل فاعل.
التغول على الأراضي الزراعية
في محلية (التَرتَر) شكى المواطنين من التغول على الأراضي الزراعية بمختلف الوسائل، إما ببيعها بثمن زهيد لمصلحة نافذين في الدولة، أو التنازل عنها بإسم الدين إلى شيوخ الطرق الصوفية. وهذا ما حصل في مشاريع (جانديل) التي تصل مساحتها إلى ٥ ألف فدان، وباتت اليوم مملوكة بالكامل لشيوخ الطرق الصوفية من منطقتي (الشكينيبة) و(شبشبة) في عمق ولاية النيل الأبيض.
وفي ذات الاتجاه، مضي الوضع في محلية العباسية حيث إن إشكالية الأراضي تكمن بالمقام الأول في التخطيط، فيتم توزيعها لمجموعة من خارج المنطقة، في حين أن نصيب أهالي المنطقة لا يتجاوز الـ١٠٪، وحتى هذه النسبة يمتلكها نافذون سياسياً وعسكرياً من أبناء المنطقة، يمثلون استمرارية الحكومات السابقة في ممارسة نهب الأراضي في منطقة تقليدية.
ايضاً التخطيط لا يراعي أهمية المحافظة على الغابات، التي أزيلت بشكل كامل في مناطق تقع في الحزام المتاخم لشمال كردفان، مما أدى إلى تضرر الأهالي القاطنين بتلك المنطقة، وهي منطقة (جبل الداير) و(أم دوم)، حيث تم تشريد ما يربو عن المئة عائلة، بسبب القطع الجائر، والسيطرة على أراضيهم، دون أدنى حق، بواسطة مليشيات قبلية تتبع للسلطات، وهي بالطبع ذات أصول عربية رعوية، تم تمليكها السلاح للاعتداء المنظم على الأراضي، آخرها كان الهجوم على منطقة (السَنادرة) الآهلة بالسكان، فتم ملاحقة السكان إلى داخل منازلهم، وحتى الآن لم يكشف التحقيق عن هوية الجناة.
وتم تقسيم الأراضي المتاخمة لمنطقة العباسية عرفياً في شكل الحواكير (حيازة تقليدية في قطعات أرض زراعية) لمجموعات أخرى، وإقامة عملية إحلال وتبديل في بعض المناطق التي هجرها أهلها بسبب الحرب في منطقة (السَنادرة) و(الموريب) وغيرها من المناطق، في عملية استفزازية قادت بعض الناس للانضمام للعمل المسلح.
الصورة: ميليشيات تعيث فساداً في منطقة جبال النوبة بالسودان. المصدر: راديو دابنقا.
|