English عن التحالف اتصل بنا العدد 32 مايو 2025 الرئيسسة
تطورات عالمية

تقرير المرأة العربية من بيجين +30

أُنشئت لجنة وضع المرأة (CSW) من قِبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة عام 1946 بهدف تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. ولا تزال اللجنة الهيئة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة المُكرّسة لتحسين وضع المرأة في جميع أنحاء العالم. وقد أعدّت اللجنة العديد من الاتفاقيات والدراسات الدولية التي تناولت وضع المرأة السياسي والمدني والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى برامج لإدماجها في التنمية. ومن خلال مبادراتها، أُعلن عام ١٩٧٥ السنة الدولية للمرأة، وعُقد مؤتمر الأمم المتحدة العالمي بشأن العقد الدولي للمرأة في مدينة مكسيكو، تلاه مؤتمرات عالمية متسلسلة في كوبنهاغن (1980)، ونيروبي (1985)، وبيجين (1995).

هذا العام، يُقدّم ائتلاف خاص بقيادة الاتحاد النسائي الأردني تقريره من مؤتمر بيجين +٣٠ في سياق الدورة التاسعة والستين للجنة وضع المرأة.تأتي كتابةُ هذا التقرير كجزءٍ من التزام الحركة النسوية في المنطقة العربية و الجنوب العالمي بإبراز أهمية الوقوف على المتغييرات العالمية وما تواجهه النساء في العالم بعد 30 عاما من التوافق على إعلان ومنهاج عمل بكين. كما يأتي كجزء من قلق الحركاتِ النسويةِ في المنطقة العربية، و في الجنوبِ العالمي عمومًا، من التراجعِ المستمرِّ في فعاليةِ الآلياتِ الدولية الخاصةِ بالمرأةِ، و بالتحديد ما يتعلق بالمؤتمر العالمي الرابع بشأن المرأة، ومانتج عنه من مخرجات في إعلان ومنهاج عمل بكين، خاصةً فيما يتعلقُ بالتنفيذِ على الأرض، وأيضًا فيما يتعلقُ بتعبيرِ أدواتِ الأممِ المتحدةِ وآلياتِها عن همومِ النساءِ وأولوياتِهنَّ كما ترى النساءُ هذه الأولويات.

وتتركز تلك الشواغل بشكل خاص على تحديات تنفيذ هذه الآليات على أرض الواقع، وما إذا كانت أدوات وأطر الأمم المتحدة تعبر بصدق عن أولويات النساء وتجاربهن الحياتية كما يحددنها. ويكشف التدقيق النقدي للعديد من الآليات الدولية القائمة عن مشكلة سائدة، فالناظرُ إلى العديدِ من محتوى الآلياتِ يجدُها عموميةً في أحسنِ الأحوالِ وتعبّرُ عن محدوديةِ الأفقِ في التعاملِ مع النساءِ خارجَ إطارِ المنظورِ الغربي الشموليِّ والذي يُعمّمُ كلَّ ما يتعلقُ بقضايا المرأةِ بناءً على أولوياتِ النساءِ في السياقات الغربية، وهو ما يفشل في كثير من الأحيان في الإحاطة الكاملة بالتحديات الفريدة والمتعددة الجوانب التي تواجهها المرأة في مناطق أخرى.

بدلاً من تطوير منظور حقوقي يتناول الحقوق من منظور العدالة، ويراعي السياقات السياسية والاقتصادية، تجد النساء العربيات في تقريرهن أن هيئات الأمم المتحدة اختزلت العدالة الاجتماعية في مجموعة من الحقوق الشخصية، منفصلة عن سياقات انتهاك الحقوق، وأعطت للثقافة دورًا هامًا دون ربطها بالبعد السياسي. وأصبح الحديث عن حقوق المرأة مؤشرًا على مستوى تقدمها كفرد، وليس من خلال مواجهة الأبعاد الهيكلية التي تعيقها وتحد من تقدمها نحو المساواة والعدالة للجميع.

يدرس تقرير المرأة العربية من بيجين +30 التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، وأثرها، أولًا، على مخرجات مؤتمر بيجين وما أحدثه من تحولات في القضايا المحورية التي أولتها النسويات من بلدان الجنوب الأولوية. ثم يسعى التقرير إلى تحليل مدى ملاءمة مخرجات بيجين في ضوء التحولات العالمية اللاحقة، مما يجعل من الضروري - بعد 30 عامًا من اعتماد منهاج عمل بيجين - إعادة تفسير هذه المخرجات.

يجب أن تأخذ هذه القراءة الجديدة في الاعتبار التحولات العالمية، والتغيرات في كيفية معالجة قضايا المرأة ضمن أطر الأمم المتحدة، والسياقات الوطنية والإقليمية المتباينة. وفي إطار إعادة تقييم إطار عمل بيجين والدعوة إلى إعادة النظر في الأجندة النسوية العالمية، من المهم بنفس القدر تقييم الواقع الذي تعمل في ظله المنظمات النسوية في كل منطقة. وهذا يتطلب تحديد التحديات الخاصة التي تواجهها، والانخراط في النقد الذاتي، والاعتراف بالمسؤوليات التي تتحملها الحركات النسوية. يُعد هذا النهج ضروريًا لضمان أجندة نسوية أكثر شمولًا، وأكثر ملاءمة للسياق، وأكثر قدرة على التغيير، وتتماشى مع الواقع العالمي المعاصر.

تواجه المساحات المتاحة للحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني في إطار الأمم المتحدة تحديات هيكلية وأيديولوجية عديدة تحد من فعاليتها في تحقيق تغيير جذري. ويرتبط هذا بتأسيس الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما أُنشئت المنظمة بهدف حفاظ السلام، وتشغيل حقوق الانسان، وتعزيز التنمية المتقدمة، وخاصة من خلال التجارة. ومع ذلك، أصبحت الأهداف المتعلقة بالسلام، حقوق الانسان، والاستقلال (تقرير المصير) ثانوية مقارنةً بأجندة التنمية، لا سيما مع استقلال دول في أفريقيا وآسيا عن الاستعمار.

ولا تزال مشكلة عدم المساواة بين الدول قائمة، حيث تتمتع بعض الدول بامتيازات من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن. تتيح هذه الامتيازات لها ولحلفائها التهرب من المساءلة عن انتهاكات جسيممة لحقوق الفردية والجماعية، حتى في حالات الجرائم ضد الإنسانية، كما شهدنا في العراق. وبالمثل، فإن الحماية الدائمة التي توفرها الولايات المتحدة للدولة الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين، كما يتضح حاليًا في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، تُفاقم هذا التفاوت.

العلاقة غير المتساوية بين الدول، حيث أن رؤية بعض الدول الأعضاء، وخصوصًا الولايات المتحدة التي ترى العديد من الدول المتقدمة الأمم المتحدة كمساحة لتقديم المساعدات للدول النامية، وليس كمنصة يتساوى فيها جميع الأعضاء لمعالجة الأهداف المشتركة والمستندة على الميثاق الأممي، مما التشويه هذا يعمّق الفجوة بين الدول ويؤطر العلاقات على أسس هرمية. لذا، فإن خطاب التنمية يعكس موقفًا نيوليبراليًا واستعمارًا جديدًا، وهو ما يظهر في هيكلية مجلس الأمن، وحق النقض (الفيتو) الممنوح لدول انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وأيضًا في أيديولوجية الأمم المتحدة ولغتها التنموية التي تصنّف الدول بناءً على مستوى تطورها الاقتصادي والتصور الضيق للنمو الاقتصادي كبديل للعدالة التوزيعية.

بالنسبة للمرأة، فإن هذا النظام أضاف طبقة إضافية من التمييز، حيث إن حقوق المرأة – حتى داخل إطار المواطنة – تتأثر بالتراتبيات القائمة على النوع الاجتماعي. فحتى عندما تكون المرأة مواطنة، فإنها غالبًا ما تُحرم من التمتع الكامل بحقوقها بسبب التمييز المؤسسي الذي يعزز التفرقة بين الجنسين، سواء من خلال القوانين التمييزية أو الممارسات الثقافية والاجتماعية التي تُقيّد وصولها إلى الموارد والفرص. وعندما تكون المرأة غير مواطنة، فإنها تتعرض لمستويات مزدوجة من التمييز: الأولى بناءً على جنسها، والثانية بناءً على وضعها القانوني.علاوةً على ذلك، فإن الإشكالية تتعمق عندما ننظر إلى الحقوق من زاوية النظام السياسي والاقتصادي العالمي. في ظلّ العولمة وسياسات السوق الحر، أصبحت الدول أكثر اعتمادًا على القوى الاقتصادية الكبرى والشركات متعددة الجنسيات، مما قلّص قدرتها على توفير الإحترام، والحماية، والإعمال بشكل شامل لحقوق مواطنيها أو المقيمين على أراضيها. وبالتالي، فإن النساء، خاصة في الجنوب العالمي، يتحملن العبء الأكبر لهذه السياسات، حيث يجدن أنفسهن مُستثنيات من شبكات الحماية القانونية والاجتماعية التي يوفّرها النظام الحقوقي الحديث.

أن تقييم حالة لجنة وضع المرأة هنا يشبه حال جميع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، مما يستدعي النظر في تغيير هيكلية عمل اللجنة وإطارها. والأهم من ذلك، هو ضرورة استقلالية هذه التصليحات عن القوى السياسية المسيطرة حاليًا التي تدفع باتجاه خصخصة الحقوق، مما إنه يعيق فعاليتها وقدرتها على تحقيق الأهداف المعلنة. إن إصلاح هذه الجوانب يعد أمرًا حيويًا لضمان تحقيق تقدم حقيقي وملموس في قضايا النساء على الصعيدين الإقليمي والدولي.

 

لتحميل التقرير الكامل باللغتين الإنكليزية والعربية.

مداخلة شفوية في لجنة وضع المرأة من قبل شبكة المرأة العربية هنا.

صورة: ممثلة شبكة المرأة العربية تُلقي مداخلتها الشفهية في الدورة التاسعة والستين للجنة وضع المرأة. المصدر: تلفزيون الأمم المتحدة الإلكتروني.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN