السودان يتحول لأكبر وأسواء معسكر نزوح في العالم
ثلاث سنوات مرت على الحرب الدائرة في السودان، فيما لايزال شعبها يعاني من مزيج كارثي بسبب موجة النزوح التي لاتتوقف، والأزمة الإنسانية الشديدة نتيجة الثراع المسلح، بين قوات الدعم السريع والميليشات العربية المتحالفة معها، والقوات المسلحة السودانية، فيما أدى الإفلات من العقاب وغياب المساءلة، إلى ارتكاب العديد من الفظائع عبر أنحاء البلاد، وأهلك حياة المدنيين السودانيين.
وعلى الرغم من الانخفاض المحدود في اعداد النازحين من السودانيين بنسبة 2.4%، مع عودة ما يقرب من 400,000 شخص إلى ديارهم وراهم الأصلية، في كل من ولايات الجزيرة، وسنار، والخرطوم، إلا أن أزمة النزوح لا زالت مستمرة التفاقم والتعمق. يبلغ عدد النازحين في السودان 11.3 مليون نازح، منهم 47% يعيشون في 10,285 معسكراً في 186 محلية في جميع ولايات السودان الثمانية عشر، يعانون من المجاعة والعنف وتفاقم للأزمة الإنسانية.
ومع التغير في موازين القوى لصالح الجيش السوداني، واستعادة سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم، ومناطق أخرى محيطة، أصبحت قوات الدعم السريع عاجزة عن السيطرة على المناطق التي احتلتها، وكثفت من إحكامها على معظم أراضي دارفور، وأجزاء من الأراضي في الجنوب القريبة من الحدود الإثيوبية، وأخذت في تصعيد هجماتها ضد المدنيين، مع ورود تقارير عن أعمال عنف جنسي وإعدمات تعسفية.
في فبراير/شباط 2025، قصفت قوات الدعم السريع، وبشكل مكثف مخيم زمزم المهدد بالمجاعة في شمال دافور، والذي يتواجد فيه نصف مليون نازح، وكذلك قصفت مدينة الفاشر القريبة وعاصمة ولاية شمال دارفور، أسفرت عن مقتل أكثر من 100 نازح بينهم 20 طفلاً، إضافة إلى تسعة من عمال الإغاثة.
أكدت أخر التقارير نزوح مئات الآلاف من الأسر التي يصل عددها إلى 400 ألف أسرة، من معسكر زمزم شمال دافور، بعد الاستيلاء عليه من قبل قوات الدعم السريع، ومقتل أكثر من 300 نازح بينهم 10 من العاملين في منظمات دولية للإغاثة الإنسانية، وكذلك الوضع في مخيم أبوشوك للنازحين وبلدة الفاشر شمال دارفور. وتتعرض عمليات الإغاثة الإنسانية المتواضعة، والتي كانت تحاول الاستمرار داخل المخيم، لتهديد متصاعد ومستمر نتيجة الفظائع المرتكبة ضد النازحين المدنيين بما فيهم الأطفال في دارفور.
وقد تصاعدت الانتهاكات والجرائم في حق الاطفال النازحين وغيرهم في جميع أنحاء ولايات دارفور، مقارنة بالعام الماضي، حيث تم توثيق أكثر من 180 حالة انتهاك في شمال دارفور وحدها، وارتفاع نسبة الضحايا من الأطفال إلى 83% في السودان، إضافة إلى معاناة ما يقدر بنحو 146,000 طفل من سوء التغذية الحاد والشديد، والذي يعد أكثر أشكال سوء التغذية هلاكاً.
ومنذ العام الماضي، يؤدي الحصار المفروض على مدينة الفاشر، وتصاعد عمليات القتال، إلى تدمير مقومات الحياة للآلاف من السكان المستضعفين على نطاق واسع، ومقتل ما لايقل عن 782 شخصاً، وأكثر من 1143 جريحاً. وتلك الجرائم الفظيعة تشكل انتهاكاً جسيما للقانون الدولي، ومن بينها ما قد يرقى إلى جرائم حرب.
أطراف أخرى خارجية يؤججون الصراع الدائر
تلك الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع، ضد معسكرات النازحين، تترافق مع صمت دولي تجاه الإدعاءات، بالدعم العسكري والإعلامي الذي تقدمه دولة الإمارات لقوات الدعم السريع. وقد أعلنت الحكومة السودانية عن امتلاكها لصور بالأقمار الصناعية، وتقارير علمية موثقة تثبت تزويد دولة الإمارات قوات الدعم السريع بالأسلحة الثقيلة وغيرها من التقنيات العسكرية التي استخدمت ضد سكان المخيم، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وقد وثقت بعض التقارير لخبراء أمميون يحققون في مزاعم بتهريب شحنات أسلحة من تشاد إلى دارفور، بوجود نمطاً ثابتاً لرحلات شحن قادمة من دولة الإمارات إلى تشاد، وتم تحديد ثلاث طرق برية يحتمل أن تكون استخدمت لنقل شحنات الأسلحة من تشاد إلى دولة السودان المجاورة.
وقد تقدمت الحكومة السودانية بطلب إلى محكمة العدل الدولية، مدعية أن دولة الإمارات تنتهك التزاماتها بموجب المعاهدة، وتحمل مسؤوليتها عن الدعم الذي تقدمه لقوات الدعم السريع وميليشياتها، الذين يستخدمونها لارتكاب إبادة جماعية لسكان دارفور، وفرض تدابير مؤقتة وفورية لمنع المزيد من الضرر. كما ذكرت تقارير أخرى أن هناك عدة دول، ومن بينها مصر، والسعودية، والصين، وإيران، وروسيا، وصربيا، وتركيا، واليمن، قد أرسلت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى طرفي الصراع في السودان، ما يساهم في تأجيج وإطالة أمد الصراع.
الذهب معدن الصراع في السودان
تعتبر تجارة الذهب الخام، الدافع الرئيسي لتأجيج الصراع وإستمرار الأزمة في السودان، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على مناجم الذهب في جنوب دارفور، ومن بينها منجم الجنيد، فيما تسيطر قوات الجيش السوداني على مناجم الذهب في شمال دارفور. ويتم تهريب الانتاج غير المشروع للذهب في السودان، عن طريق تشاد، ومصر، وإثيوبيا، وأوغندا، وجنوب السودان، قبل وصوله إلى لاإمارات العربية المتحدة.
وهناك إداعاءات بوجود سبع شركات وفرد واحد مرتبطين، بقوات الدعم السريع، ومسؤولين عن العمليات العسكرية للحصول على الأسلحة، ودفع الرواتب، وتمويل الحملات الإعلامية وكسب التأييد، وتمويل التحالفات سياسية وعسكرية مع جماعات أخرى. وتعد تجارة الذهب غير المشروع السبب الملحوظ في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في أنحاء العاصمة الخرطوم، ومناطق غبر دارفور.
وطوال تلك السنوات من الصراع المميت، يظل جميع الأطراف المشاركة في ذلك الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر مسؤولة عن إرتكاب تلك الجرائم الفظيعة، والخطيرة وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. ويحق لضحايا الصراع في السودان للحصول على الإنصاف وجبر الضرر عن تلك الانتهاكات، وعلى تلك الدول المسؤولة تنفيذ تلك الاستحقاقات، مع دمج مبادئ رد المساكن والأراضي والممتلكات للاجئين والنازحين، والمعروفة بإسم مبادئ بينيرو، والتي نُشرت في شكل كتيب مؤخراً، لتطبيقها في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبالنظر إلى المسؤوليات العابرة للحدود والإقليمية عن مثل تلك الانتهاكات التي يتعرض لها شعوب المنطقة العربية، فشبكة حقوق الأرض والسكن تدعوة إلى مناصرة إنشاء نهج إقليمي لإنصاف الضحايا. (أنظر مقالة مشاركة شبكة حقوق الأرض والسكن في المؤتمر الثالث للأراضي العربية في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض/LadTimes).
صورة المقال: جموع تشاهد مقاتلين من حركة تحرير السودان، وهي مجموعة متمردة تنشط في ولاية دارفور السودانية، أثناء حضورهم حفل تخرجهم في حنوب شرق القضارف.
|