الإنصاف وجبر الضرر لفلسطين
هناك نقاشات دائرة حول المبادئ، والخطط والخطاب الحالي، للتعافي وإعادة البناء لقطاع غزة، وغيرها من الأماكن في كافة أنحاء فلسطين التاريخية، فيما تواصل إسرائيل الاستمرار في عملية الإبادة الجماعية. ويغلب على طبيعة تلك النقاشات- سواء كانت مقترحات، أو مبادرات قدمتها مصر، أو البنك الدولي، أو الاتحاد الأوربي، أو اتحاد بلديات غزة، أو أطراف إقليمية أخرى- تناول الإطار الفني، والمادي، والمالي، مع إغفال واضح للإشارة إلى قواعد القانون الدولي المنطبقة، لاسيما، المساءلة عن الضرر الواقع، وحقوق الضحايا في الإنصاف وجبر الضرر. فتلك النقاشات تفترض أن عملية توفير الموارد لتحقيق تلك العدالة التصالحية، هي مسؤولية أطراف أخرى غير الأطراف صاحبة المسؤولية، في ظل استمرار الصمت حيال الالتزامات الواقعة على جميع الدول.

اضغط هنا للتكبير - الصورة تكون أكثر وضوحًا عند عرضها بالحجم الكامل
التحقق من المرجعيات القانونية
القواعد القانونية للمساءلة هي أمر لا غنى عنه لإعمال جبر الضرر اللازم، تماماً مثل غيرها من المدخلات الأخرى. وعلى الرغم، من أن دولة إسرائيل هي صاحبة الواجب في نهاية المطاف، فيتطلب لإعمال نهج جبر الضرر، التنسيق لكافة الجوانب والاستحقاقات للضحايا في سياق عملية انصاف متماسكة.
ومن الواجب إعطاء الأولوية لحق الضحايا في الانتصاف. فإسرائيل هي من قامت بالأساس في تحويل غالبية الشعب الفلسطيني إلى نازحين ولاجئين خلال أيام النكبة (1948). ولا يزال من حق سكان كافة القرى والمدن الفلسطينية وذريتهم، الحصول على الانتصاف وجبر الضرر، على مدار الأجيال حتي يتم تحقيق العدالة. وبالفعل قرار الجمعية العامة 194، الذي أصدرته الدول في الأمم المتحدة عام 1948، يؤكد على حق اللاجئين في العودة. فهو بمثابة حق مقدس للأشخاص الذين أجبروا على النزوح، منذ وثيقة قورش الأثرية التي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد.
بل وأكثر من ذلك، يحق لكافة الشعب الفلسطيني، من الناحية الأخلاقية والقانونية، إلى جبر الضرر بشكل أوسع، عن حصيلة الكلفة، والخسائر، ونزع الملكية، والهدم والتدمير، والأضرار الجسدية وغيرها التي لحقت بهم على مدار فترة استعمارهم. وتتحمل دولة إسرائيل، ومؤسساتها، ووكالاتها، وميليشياتها الصهيونية التي تتمتع بدور شبه دولتي، مسؤوليتهم عن انتهاكاتهم الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وانتهاكاتهم الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.
حتى مع اختزال أجندة الأمم المتحدة القضية الوطنية الفلسطينية في أزمة اللاجئين، العديد من عناصر جبر الضرر عن ما أحدثته إسرائيل من أضرار في النكبة، كان منصوص عليها بالفعل في قرار الجمعية العامة 149. والذي اعترف بحق الفلسطينيين غير القابل للتصرف، في العودة وبشكل توافقي إلى ديارهم وأراضيهم، إلى جانب استحقاقاتهم الأخرى في الانتصاف وجبر الضرر. كما تقرر صراحة المادة 11 من القرار، على أن للاجئين الفلسطينيين الحق في استرداد منازلهم، ومجتمعاتهم، وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم، إضافة إلى تعويضهم عن فقدان و/أو الضرر لممتلكاتهم.
وفي عام 2006، وبعد مرور ما يقرب من عقدين على الدراسة التي أعدتها اللجنة الأممية الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، وفي أثناء مداولات لجنة حقوق الإنسان، أشادت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالأساس القانوني للانتصاف وجبر الضرر، والتي تمنح الضحايا الحق في:
- الاسترداد، ويشمل:
- العودة و/أو
- إعادة التوطين،
- إعادة التأهيل بكافة أنواعه،
- التعويض بصفته تسوية مالية للقيم التي لا يمكن استردادها
- الضمانات الكافية لعدم التكرار، و
- تعبير الضحايا عن رضائهم بالنتائج
ويشكل هذا التعريف إطار العمل العالمي للإنتصاف وجبر الضرر لإعمال حق الإنسان في الانتصاف في تلك الحالة. لقد حان الوقت لكي نكون في حالة وضوح بشأن من يدين بماذا ولمن. وبينما لايزال عداد الانتهاكات الجسمية والخطيرة جارياً، فالضرورة الملحة لم تعد فقط تقتصر على استعادة حقوق الضحايا، ولكن كذلك، لمنع تكرار مثل تلك الفظائع. حتى بعد التفاعل بشكل مزيف مع شعار لن يحدث مجدداً لأكثر من 80 عاماً.
وبعد عقود من توفير الولايات المتحدة لإسرائيل الغطاء للإفلات من العدالة، تحركت أخيرا الآلية القانونية. حين أكدت محكمة العدل الدولية في في 2004، في تقريرها حول مدى شرعية جدار الفصل العنصري، أن إسرائيل ملزمة بإعمال جبر الضرر الناجم عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين المتأثرين من الجدار.
تلك الفتوى القانوينة قد استندت إلى قرار الجمعية العامة بإنشاء السجل الأممي لتسجيل الأضرار الناجمة عن بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من أن ذلك قد أدى إطلاق حركة التوثيق للأضرار، إلا أنه لم يتم تحديد الغرض أو النتيجة النهائية من ذلك السجل، ولا تحديد إجرءات للمتابعة بشأن سبل جبر الضرر التي حددتها المحكمة في أي شكل من الأشكال. ولاتزال نتائج السجل محفوظة في أرشيف مقر الأمم المتحدة بجنيف.
وفي أعقاب عملية الرصاص المصبوب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 وانتهت في يناير/كانون الثاني 2009، أجرت لجنة غولدستون الأممية، تحقيقاً وأوصت في تقريرها لمجلس حقوق الإنسان بضرورة جبر الضرر للضحايا في غزة. وقد كرر مجلس حقوق الإنسان تلك الدعوة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وناشد المفوضة السامية بدراسة وتحديد الطرق المناسبة لإنـشاء صـندوق ضمان، يُستخدم في دفع تعويضات إلى الفلسطينيين الذين لحقتهم خسائر وأضـراراً نتيجـة للأفعال غير المشروعة التي تنسب إلى دولة إسرائيل أثناء العمليات العسكرية التي قامت بها. ولم تحدث أية متابعة لتلك التوصيات.
وكما نوهت اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي أنشئها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 2013، بشأن التحقيق في الأثار المترتبة على مستعمرات المستوطنين الإسرائيليين، في تقريرها يصبح قانون مسئولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، بما في ذلك، مسئولية الدول الثالثة، منطبقاً، ويمكن القانون الجنائي الدولي من تتبع المسئولية الجنائية للأفراد عن السلوك الذي يرقى إلى مرتبة الجرائم الدولية.
وبعد مرور عشرون عاماً من صدور الفترة حول الجدار، أقرت محكمة العدل الدولية في 2024، أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو غير قانوني وأن إسرائيل: ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأسرع ما يمكن، بما في ذلك، إلغاء جميع التشريعات والتدابير التي تنشئ أو تبقي على ذلك الوضع غير القانوني، بما في ذلك التي تميز ضد الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك جميع التدابير الرامية إلى تعديل التكوين الديمغرافي لأي جزء من أجزاء الأرض. كما أن إسرائيل ملزمة بجبر الضرر كاملاً، الناجم عن أفعالها غير المشروعة دولياً لجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المعنيين (الفقرة 267).
كما تضمن قرار المحكمة، التأكيد على المبدأ الأساسي لجبر الضرر، وهو أنه يجب، وبأقصى قدر ممكن، إزالة كافة الآثار المترتبة على الفعل غير المشروع وإعادة الوضع الذي كان من المحتمل أن يكون موجوداً لو لم يتم إرتكاب ذلك الفعل وأن جبر الضرر يتضمن الاسترداد، والتعويض، و/أو الترضية (الفقرة269). علاوة على ذلك، كررت المحكمة في قرارها الاستنتاج بأن إسرائيل لاتزال ملزمة بالإمتثال لإعمال إلتزاماتها، باحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره (الفقرة272).
سوابق تطبيقية للتحديد الكمي
وفيما هو أبعد من حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، والذي يعد إنصافاً جزئياً، ولكن لاغنى عنه، يعد النطاق الأوسع لجبر الضرر المستحق، والذي يشمل استرداد القيم والأوضاع المترابطة ،المادية (الاقتصادية) منها وغير المادية (غير الاقتصادية)، أمراً مستمراً على مدار ثمانية عقود على الأقل. فقد سبقنا كثيرون، واحتفظوا بالأدلة التي تمكن من تحديد حقوق الفلسطينيين في جبر الضرر. وبالإضافة إلى تسجيل العديد من الأفراد والمجموعات من الباحثين شهادات وغيرها من الوقائع عن الحرمان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، تحتفظ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأنروا) بأرشيف واسع من الأدلة.
ويعتبر تحديد قيمة استرداد ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، وتعويضهم عن الفرص التي خسروها، هي مكونات رئيسية لحقوقهم واستحقاقاتهم، وبصرف النظر، عن الوقت وتخييرهم في العودة إلى وطنهم من عدمه. فالتعويض بشكل عام يشمل على الأقل ستة حالات:
1- رفض اللاجئين اختيار العودة؛
2- الخسارة التي لا يمكن استعادتها في الممتلكات المنقولة أو غير المنقولة أو الأضرار المادية التي تلحق بالممتلكات التي لا يمكن استعادتها؛
3- الدخول المتحصلة من استغلال ممتلكات اللاجئين؛
4- تدفقات الدخل المفقودة ومعاشات التقاعد، والتأمين، والودائع؛
5- السلع العامة، ومنها البنية التحتية والموارد الطبيعية؛
6- الأضرار غير المادية، ومنها الأضرار والألم والمعاناة النفسية، وفقدان الحياة والأعضاء الجسدية.
ولا يمكن بأي حال بأن مجرد التعويض عن فقدان القيم المادية أو الاقتصادية أن يشكل استرداد، وبالأخص فيما يتعلق بالأراضي، ورغم ذلك، قام البروفيسور عاطف قبرصي، بتطبيق منهجية حسابية لتقدير كافة الأصول لممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، وبقيمتها السوقية في الفترة 1944-48، لاستخلاص قيمة الخسائر المادية للاجئين الفلسطينيين، والتي تبلغ 743 مليون جنيه فلسطيني (العملة الرسمية لفلسطين)، أي ما يعادل 2.994 مليار دولار أمريكي وفقاً لأسعار 1948.
ووفقاً لسعر الصرف لعام 2000 (بعد التعديل نتيجة التضخم في الفترة بين عامي 1948- 2000)، سيبلغ إجمالي القيمة 22.5 مليار دولار أمريكي. ومع إدراج الخسائر في رأس المال البشري سترتفع القيمة إلى 35.7 مليار دولار أمريكي. وعند حساب معدل نمو بنسبة بسيطة تبلغ 4%، سترتفع القيمة إلى 173 مليار دولار، و 275 مليار دولار أمريكي على نحو متتالي. وبالفعل، إذا تم إدراج التعويض عن الألم والمعاناة والأضرار النفسية والروحية، أسوة بما تم في برامج التعويضات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد يرتفع هذا الجمالي إلى 327 مليار دولار أمريكي.
وينبغي لإعادة التاهيل أن تتضمن أبعاد متعددة، وسيشمل ذلك سلسلة من التدابير، طبية، ونفسية-اجتماعية، و مهنية، واستعادة السمعة والثقافة وغيرها من التدابير. كما ينبغي إدراج إستعادة التراث المادي وغير المادي، الثقافي، والتاريخي، والأثري، والذي لن يكون فيه التعويض المالي أمراً كافياً.
وحيث أن الترضية تشكل أحد العناصر التي لا غنى عنها لجبر الضرر، فقبول الفلسطينيين للاكتفاء بالتعويض المالي مقابل ما فقدوه من الأراضي والمنازل والمجتمع المحلي والموارد الطبيعية، وتقرير المصير، وغيرها من الحقوق الجوهرية المادية وغير المادية، سيكون محلا لشك. فلا يمكن بأي حال، وبسبب وجود علاقة وجودية وعضوية للضحايا بأراضيهم الخاصة، فلا يعد قبول التعويض المالي خياراً مفضلاً، عن فقدان أراضي تنتمي لأي شعب أو أمة أصلية.
ويشير مبدأ الشمولية أن كافة الشعب الفلسطيني من اللاجئين في الشتات، وبعدهم الضحايا من عمليات القتل المروعة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الفلسطينيين من قبل إسرائيل، أن إعمال الحق في الانتصاف أمراً واجباً حتى وإن لم تكن الضحية بحاجة إليه، أو أختار التنازل عن حقوقه/ها الوطنية مقابل المال. ومثل تلك المحاولات التي تهدف إلى إضفاء الطابع النقدي على جبر الضرر مقابل تلك القيم، من شأنها أن يولد العداء فيما بين المجتمع الوطني، حيث يضع مصالح الذين يقبلون بالتعويضات، ضد الذين لا يتلقون تعويضات، ويحد من مدى قبول وجدوى مثل تلك البرامج.
في عام 2014، أصدر البنك الدولي تقريراً عن الأبعاد الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي وأنشطته في المنطقة (ج)، في الضفة الغربية. وفي تلك المساحة الصغيرة فقط، قدر البنك الدولي الكلفة المبشرة وغير المباشرة التي يتكبده الفلسطينييون جراء الإحتلال الإسرائيلي، وبحد أدنى 2.2 مليار دولار سنوياً، من حيث القيمة المضافة، وهو مايعادل 23% من ناتج الإجمالي المحلي لفلسطين المحتلة لعام 2011. والنسبة الأكبر من هذا الرقم يأتي من الزراعة واستغلال معادن البحر الميت.
ونتيجة للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، على الأراضي الفلسطينية الزراعية، والمراعي والغابات في الضفة الغربية، يمكن أن تصل قيمة الخسائر السنوية للاقتصاد الفلسطيني، إلى 704 مليون دولار أمريكي سنوياً (7% من إجمالي الناتج المحلي الأساسي لفلسطين المحتلة لعام 2011). كما تصل قيمة تكاليف الفرص في قطاع التعدين إلى 918 مليون دولار أمريكي سنوياً، أي 9% من الناتج الاجمالي المحلي لعام 2011، وهو مايعادل حجم قطاع الصناعة التحويلية بأكمله في فلسطين. كما يمثل السلب الإسرائيلي للمحاجر الفلسطينية خسارة ضخمة باعتبارها أكبر صناعة تصديرية في الضفة الغربية. وبسبب أن معظم تلك المحاجر موجود في المنطقة (ج)، فالقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على التراخيص تكلف الشركات الفلسطينية ما يقدر 241 مليون دولار أمريكي سنوياً. وهو ماقد يضيف 2% من الناتج المحلي الاجمالي لفلسطين لعام 2011. فيما يستنزف الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية 126 مليون دولار سنوياً من قطاع السياحة للاقتصاد الفلسطيني، و كذلك 48 مليون دولار في قطاع الاتصالات.
ومع إيلاء المزيد من الخصوصية لإعمال جبر الضرر، هناك سلسة من مؤتمرات الأمم المتحدة بشأن التجارة والتنمية (UNCTAD)، قدرت بعض جوانب التكاليف، والخسائر والأضرار، الناجم عن الاحتلال والحصار الإسرائيلي غير القانوني.
وتشمل الفاتورة المتصاعدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الكلفة الناجمة عن سنوات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، والتي قدرت في عام 2020، وتضاعفت أربع مرات في الفترة مابين 2007- 2017، من 209 مليون دولار إلى 838 مليون دولار أمريكي (بحسب سعر الدولار لعام 2015). وقد تبلغ قيمة الفوائد المباشرة التي فُقدت في ظل القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي للوصول إلى المنطقة (ج)، وممارسة الأنشطة والإنتاج منها، نحو 3.4 مليار دولار أمريكي، أي 35% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني لعام 2011.
إضافة إلى ذلك، تأخذ التكاليف غير المباشرة التي تتحملها السلطة الفلسطينية في شكل الإيرادات المفقودة من الضرائب التي قد تنتج عن النشاط الاقتصادي العادي في الضفة الغربية المحتلة. وقد قدر البنك الدولي الزيادة المتوقعة في الإيرادات من الضرائب، وحتى دون تحسين في طرق تحصيلها، بنسبة 20%. وفقاً للمعدل الحالي لنسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي، فسوف تبلغ نحو 800 مليون دولار، وفقاً لأسعار 2011. هذا وبصرف النظر، عن الفوائد الأخرى غير المباشرة المفقودة في ظل الاحتلال، مثل تلك الزيادة المقدرة في التوظيف والتي تبلغ 35%.
وباستخدام التحليل الاقتصادي القياسي لمسح بيانات الأسر لعام 2020، قدرت منظمة الأونكتاد وبدقة، التكلفة الاقتصادية التراكمية، نتيجة الإغلاق الإسرائيلي طويل الأمد، وفرض قيود صارمة على الاقتصاد والتنقل، إضافة إلى العمليات العسكرية في قطاع غزة، حيث وصلت تلك التكاليف إلى 16.7 مليار دولار أمريكي (وفق القيمة الثابتة للدولار الأمريكي لعام 2015)، أو ما يعادل ستة أضعاف لقيمة الناتج المحلي الاجمالي لقطاع غزة، أي 107% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني لعام 2018.
كذلك، من بين القيم الضائعة من تلك الفرص لفلسطين، هي الإيرادات المحتملة ، وإعادة التأهيل والإعمار، والتعافي، والتنمية المحتملة لحقول الغاز الطبيعي المكتشفة في سواحل غزة من التسعينيات. حيث يبلغ نصيب فلسطين من تلك الفئة من الخسائر 524 مليار دولار في 2019. كما أن هناك العديد من المزايا الضائعة غير المادية، ولكنها جوهرية، وتتمثل في أمن الطاقة، والتعاون المحتمل بين الأطراف المتحاربة منذ فترة طويلة، وغيرها من التعاون في إطار العلاقات الدولية.
كما تتفق تقارير البنك الدولي، والخطة المتعددة الأطراف لإعادة إعمار غزة، حول العواقب الاقتصادية لتلك الحرب الراهنة والتي بلغت تكلفتها 35 مليار دولار. ورغم ذلك، فخطة إعادة الإعمار وحدها، لاتفي بكافة المعايير المعنية بإنصاف وجبر الضر للضحايا.
وبخلاف النكبة في عام 1948، تقدر الخسارة التراكمية وبشكل متحفظ، نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشرقية، بقيمة 35.8 مليار دولار (وفقا للقيمة الثابتة لسعر الدولار 2015)، لإجمالي الناتج المحلي الذي لم يتم تحقيقه خلال الفترة 2007-2023. وهذه القيمة تعادل 17 ضعف إجمالي الناتج المحلي لقطاع غزة لعام 2023. وتقدر تكلفة الأضرار المادية التي ألحقتها إسرئيل بالبنية التحتية لقطاع غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى أخر يناير/كانون الثاني 2024، بنحو 18.5 مليار دولار، ما يعادل سبعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي لقطاع غزة لعام 2022. وبمجرد احترام دعوات وقف إطلاق النار، فسوف تستغرق العودة لمعدل النمو الذي كان سائدأ، في قطاع غزة، في الفترة 2007-2022، 350 عاماً، حتى يتم استعادة إجمالي الناتج المحلي إلى مستواه لما كان عليه في عام 2022.
لذلك، سنجد أن المبلغ المخصص من الميزانية العامة لإعادة إعمار غزة، والذي يبلغ 53 مليار دولار أمريكي، هو مجرد قطرة من محيط جبر الضرر الذي تدين به إسرائيل، من حيث القيمة المادية (الاقتصادية). علاوة على أن هذا الرقم، لايعبر عن التكاليف والخسائر والأضرار الناجمة عن آلام ومعاناة الناس، ولا عن كافة أشكال إعادة التاهيل التي يستحقونها، ولا كذلك عن التعويض عن القيم المادية وغير المادية التي يستحيل إستعادتها.
اعتبارات عملية
كافة الأصول التي سيتم إصلاحها، واستعادتها، وتعويضها بشكل أو بأخر من قبل أي طرف، هي أمر غني عن التعريف، ولكن ما يظل دون إجابة هو مسألة كيفية إجراء جبر الضرر.
ويعد أحدى تلك الاعتبارات العملية هي إعادة هيكلة المؤسسات الصهيوينة، لتقوم بنقل مختلف الجوانب لجبر الضرر لضحاياها من الفلسطينيين، ولكن يتطلب ذلك، إظهار الندم وتحول في منهجية التفكير من جانب الجناة. وفي عام 2007، قدمت شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل، مقترحاً متواضعاً، عن مثل هذا الإنصاف بسبب الأضرار التي تعرضت لها فلسطين وشعبها.
ورداً على عمليات الإخلاء والهدم التي تتم في غور الاردن، دعت الشبكة إلى إعادة توجيه الموارد الموارد، والجهود المؤسسية، وغيرها من الأصول التي تملكها المؤسسات التنموية شبه الدولية، وتحديداً، المنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي. وبما أن تلك المؤسسات لديها سجلا طويلاً، تخصص في تنفيذ المصلحة العليا الإسرائيلية، والتي منها الجريمة الخطيرة لنقل السكان، فهي معنية للوفاء بالإلتزامات الواقعة على دولة إسرائيل بموجب القانون الدولي، بتنفيذ مبادئ جبر الضرر للشعب الفلسطيني الأصلي، لما تسببت به من تكاليف وخسائر وأضرار يصعب إدراكها على مدى 80 عاماً.
القواعد المعمول بها، والأسس الاستدلالية، لإمكانية تطبيق مثل مبدأ جبر الضرر، أمر واضح ووافي، ولكن يظل التنفيذ والإلزام عنصران رئيسيان مفتقدان.
للاطلاع على المراجع ذات الصلة، وتوثيق القيم الفلسطينية الخاضعة لمبدأ جبر الضرر، أنظر قائمة المراجع عن جبر الضرر.
الصورة الأمامية: أطفال يشاهدون غارات جوية على شرق فرح، جنوب قطاع غزة، في 13 مايو/أيار 2024. مصدر الصورة، غلاف لإحدى منشورات هيومان رايتس وواتش، إسرائيل/فلسطين: جميع الضحايا لهم الحق في التعويض عن الانتهاكات. المصدر: AFP، Getty Images. الصورة في المقال: رسم بياني لعملية الانتصاف وجبر الضرر المستندة إلى مبادئ حقوق الإنسان، كمنهج ينطبق على أية قضية. المصدر: Davinder Lamba/Mazingira Institute.
|