المرأة المصرية ومعايير الحق في الأرض
يُعدّ ضمان حيازة الموارد الاقتصادية جزءًا لا يتجزأ من الحوكمة الفعّالة وضمان الأمن البشري اللازم للعيش في مأمن من الخوف والفقر والإذلال. ومع ذلك، لا تزال حيازة الأراضي الزراعية الآمنة، بعيدة المنال بالنسبة للعديد من النساء حول العالم، بغض النظر عن مستوى تعليمهن أو وضعهن الاجتماعي والاقتصادي. تفتقر النساء إلى ملكية الأراضي الزراعية وحرية التصرف فيها. وغالبًا ما يتجذر عدم المساواة بين الجنسين في الأعراف الثقافية، التي تسمح بأنماط التمييز ضد المرأة داخل الأسرة وفي المعاملات الاقتصادية، بل وتُفاقمها.
تعتمد النساء الريفيات في شمال أفريقيا، واللواتي يُشكّلن حوالي 45% من القوى العاملة الزراعية، على الحكومة لاحترام حقوقهن في الأراضي وحمايتها وإعمالها، من أجل تحقيق السيادة الغذائية والأمن الاقتصادي. ومع ذلك، لا تُمثّل النساء سوى 5% من مُلّاك الأراضي، على الرغم من مساهماتهن الكبيرة في العمل الزراعي، ومعظمها غير مدفوع الأجر. ونظرًا لأن الميراث هو الوسيلة الأساسية للحصول على الأراضي واستخدامها والتحكم فيها بفعالية، فإنّ عدم الاجتهاد والممارسات التمييزية تُعيق بشكل كبير حقوق المرأة في الأراضي. ونتيجةً لذلك، لا تمتلك النساء سوى 2–5% من الأراضي الزراعية في مصر.
احتفالاً باليوم العالمي للمرأة الريفية، نظمت مؤسسة المرأة الجديدة، ضمن برنامجها المرأة والحقوق الاقتصادية، وبالتعاون مع شبكة حقوق السكن والأرض - التحالف الدولي للموئل، ورشة عمل (14-15 أيلول/سبتمبر 2024) حول حقوق المرأة في الأرض والآليات الدولية للدفاع عنها. قدّم الورشة جوزيف شكلا، منسق شبكة حقوق السكن والأرض والتحالف الدولي للموئل. وشارك في الورشة ممثلون عن عدد من اتحادات صغار المزارعين في محافظات المنيا والبحيرة وبني سويف، بالإضافة إلى باحثين وصحفيين وممثلين عن عدد من منظمات المجتمع المدني.
قدّم جوزيف لمحة عامة عن هيكل منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظومة التنمية، والتي تتوافق مع المحاور الرئيسية الثلاثة لميثاق الأمم المتحدة: حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والسلام والأمن. استعرض مختلف الهيئات ولجان المعاهدات الدولية وأدوارها، والتقارير الدورية عن عملياتها، بالإضافة إلى الآليات العملية المتاحة لمنظمات المجتمع المدني للمشاركة في العمل التكميلي، وتصميم حملات المناصرة، والاستفادة من آليات التواصل على المستوى الدولي، والاستفادة من الأدوات التي توفرها منظومة الأمم المتحدة والتقارير الدورية بشأن الالتزامات الدولية الطوعية للدول والتزاماتها التعاهدية.
تناول المنهج الوظائف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأرض، واستمرارية حقوق حيازة السكن والأرض في الاتفاقيات الدولية، ولا سيما تلك الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتعليق العام رقم 26 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتوصية العامة رقم 34 للجنة سيداو (2016)، وإعلان ومنهاج عمل بكين. وفيما يتعلق بمنظومة التنمية، كما تناول جوزيف الالتزامات الطوعية للدول في شكل أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف 5 بشأن المساواة بين الجنسين، والهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة: مدن ومستوطنات آمنة ومأمونة ومستدامة. ركّز على أهداف كلٍّ منها ومؤشرات إعداد التقارير المتعلقة بالمساواة بين الجنسين في الوصول العادل والمستدام إلى الأراضي والموارد الإنتاجية الأخرى واستخدامها والتحكم فيها، بالإضافة إلى حقوق النساء والفتيات المتساوية في الميراث.
وقدّم جوزيف للمشاركين في ورشة العمل أجندة المدن الجديدة، التي تلتزم بموجبها جميع الدول باتخاذ تدابير تضمن حيازة آمنة للجميع، وتمكين المرأة، والاعتراف بأشكال الحيازة المتعددة كأشكال مشروعة وخاضعة للحماية القانونية. كما شدد على التزامات الدول بموجب أجندة المدن الجديدة بضمان الوظيفة الاجتماعية للأرض، ودعم الإنتاج الاجتماعي للموائل، ومكافحة الإخلاء القسري.
تناولت المناقشات التي تلت ذلك أشكالًا مختلفة من حيازة الأراضي في مصر، بما في ذلك: البيع والتنفيذ، والتوقيع الصحيح، والحيازة، والحيازة غير القانونية (حيازة الدواجن أو الماشية).
وأدلى النقابيون بشهاداتهم حول التحديات التي تواجهها المرأة الريفية في التمتع بحقوقها في الحيازة أو التصرف في الموارد الاقتصادية، وآثار قوانين الإصلاح الزراعي، وعمليات المصادرة. وأشاروا إلى أن 95% من حيازة الأراضي في مصر غير مسجلة، وأن آليات إدارة الأراضي العرفية في المناطق الريفية والقروية أقوى من القانون؛ إلا أنها لا تُنصف حقوق المرأة في الأرض. وحددوا الحاجة الملحة لضمان حيازة آمنة للأراضي بناءً على معايير لا تُمكّن المرأة فحسب، بل تُفعّل احترامها وحمايتها وإعمال حقوقها في الأرض.
كما تناولت المناقشات تأثير تغير المناخ على المرأة، لا سيما في المناطق الريفية. فقد عانت المناطق المزروعة من حيث جودة وكمية المحاصيل، ونسبة الإنتاج التي تحصل عليها المرأة. تؤثر هذه القوى على موارد المرأة، إذ عادةً ما تكون مسؤولة عن رفاهية الأسرة. واقترح بعض المشاركين احتساب ديون المناخ للدول الكبرى وخصم جزء من ديون الدول النامية. وأكدوا أن الاستراتيجية العالمية التي تنتهجها الدول الرأسمالية تؤثر على السياسات الزراعية، وتخدم مصالحها الخاصة من خلال تحديد ما يُزرع، دون مراعاة احتياجات الدول النامية. وتوجت هذه المناقشة بدعوة إلى تعزيز السيادة الغذائية في مصر.
حددت مجموعتا عمل فرص المشاركة في نظام حقوق الإنسان ونظام التنمية، وخلصتا إلى توصيات رئيسية:
- تقديم التقارير إلى المقررين الخاصين للأمم المتحدة المعنيين بتغير المناخ والعنف ضد المرأة؛
- تقديم التقارير بالتوازي إلى لجنة سيداو للعمل على تحسين ظروف المرأة الريفية والعاملات الزراعيات، على وجه الخصوص؛
- التواصل مع المنظمات الدولية ذات المركز الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي المعني بالأرض والمرأة، مع التركيز على قضية حق المرأة في الأرض في ضوء تغير المناخ؛
- إنشاء تحالف بين مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العاملة على تعزيز حيازة المرأة للأراضي ومعالجة الممارسات الاجتماعية التي تحرم المرأة من حقها في وراثة الأرض؛
- المشاركة في الفعاليات الوطنية والإقليمية والدولية ذات الصلة، وطرح قضايا والحيازة ومن بينها التملك وحقوق الأرض كأولويات، بما في ذلك:
- المنتدى الحضري العالمي في القاهرة في في تشرين الثاني/نوفمبر 2024؛
- مؤتمر الأطراف في اتفاقيات المناخ في أذربيجان في تشرين الثاني/نوفمبر 2024؛
- الاستعراض الدوري الشامل لمصر في كانون الثاني/يناير 2025،
- ولجنة وضع المرأة في نيويورك في آذار/مارس 2025.
صورة: سيدات يُنشئن مركزًا مجتمعيًا في عزبة الحمراء، التي يقطنها 25 ألف نسمة، بمحافظة البحيرة. المصدر: لويز سارانت / المعهد الدولي لإدارة المياه.
|