English عن التحالف اتصل بنا العدد 32 مايو 2025 الرئيسسة
تطورات اقليمية

هل يمكن إيجاد نهج إقليمي لانصاف النازحين داخلياً؟

تشير البيانات الواردة من مختلف المنظمات الدولية إلى توافق عام حول الأعداد التقديرية للأشخاص النازحين من مواطني دول المنطقة العربية. وغالبية تلك التقديرات المحدثة تأتي بشكل دوري من المنظمات العاملة في مجال النزوح، مثل المفوضية السامية لشئون اللاجئين (UNHCR)، وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، والمنظمة الهجرة الدولية (IOM)، والمجلس النرويجي للاجئين (NRC). وتعكس ملفاتهم الخاصة لكل دولة، التغيرات الكبيرة في إجمالي عدد النازحين في أي فترة زمنية.

ونتيجة الاضطرابات السياسية الوطنية، أخذت أعداد النازحين السوريين، والعراقيين، والليبيين، بين الارتفاع والانخفاض في السنوات الأخيرة. وتنعكس تلك التغيرات في حصر أعداد حالات النزوح الجديدة الداخية والخارجية على حد سواء، إضافة إلى عودة الأسر التي نزحت في السابق، إلى ديارهم الأصلية، وإن لم يكن بالضرورة عودة إلى منازلهم وأراضيهم. وقد أدت الحروب الأخيرة في السودان، والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، إلى نزوح جديد لملايين الأشخاص وتعرضهم لمعاناة لا يمكن وصفها منذ 2023.

بينما هناك حالات بعينها لاتزال جامدة أو راكدة لعقود. فأعداد النازحين منذ الغزو الاستعماري الإسرائيلي لفلسطين بين عامي 1948- 1967، أخذت في التقلب، حيث يرجع ذلك بشكل أساسي إلى النمو السكاني الطبيعي، وكذلك هو الحال مع أعداد اللاجئين من الصحراء الغربية، الخاضعة للاحتلال من قبل المغرب، والتي نادراً ما يتم تحديث أعدادهم. فيما هناك حالات أخرى لا تزال أرقامها سوى تقديرات تقريبية، وعالقة في الذاكرة الوطنية، وبالتالي الشعبية، كما هو الوضع فيما يخص ضحايا الجزائريين الذين تعرضوا للتهجير والتجريد من ممتلكاتهم، نتيجة الحرب الأهلية التي اندلعت في التسعينيات. وإلى أن يتم إيجاد سبل لإنصاف هؤلاء الضحايا نتيجة تعرضهم للإخلاء القسري، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها، يظل جميع السكان العرب النازحين على اختلافهم، مستحقين للحصول على الانتصاف وجبر الضرر، وفي إطار وفق قواعد القانون الدولي.

وبالرغم من القواسم المشتركة في الثقافة واللغة والتجربة، فضلا عن الطبيعة والمسار لحالات النزوح والتي في كثر من الأحيان تكون عابرة للحدود بين الدول العربية، لم يتم إيجاد مقاربة إقليمية عربية من جانب القائمين على عمليات الحصر أو من النظام الإقليمي للدول العربية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن العملية التشاورية الإقليمية حول شئون الهجرة واللجوء والتي نظمتها منظمة الهجرة الدولية (ARCP)، قد أجتمعت في إطار الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، وذلك للنظر في موجات النزوح الواسعة النطاق، لتشمل المهاجرين الطوعيين، مع الذين أجبروا على ترك ديارهم، بسبب الخوف الذي له مايبرره من الاضطهاد أو نتيجة وجود خطر وشيك، مثل النزاعات أو أية أسباب أخرى من صنع الإنسان. ولم ينظر أي من الموضوعات  الرئيسية الإثنا عشر، التي تمثل برنامج العمل المشترك العربي، ولا الاستراتيجية الإقليمية العربية الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية، في إيجاد سبل للإنصاف وجبر الأضرار للملايين المستحقين لذلك.

وفي إطار مراقبتها المنتظمة للحق في استرداد المساكن والأراضي والممتلكات (HLP)، للشعوب العربية النازحة في جميع أنحاء الإقليم، بدأت شبكة حقوق الأرض والسكن –التحالف الدولي للموئل ومنذ عام 2018، في حساب الأعداد التراكمية لمن يستحقون الانتصاف وجبر الضرر، من جميع أنحاء الإقليم، ومع انطلاق أولى جولات مؤتمر الأراضي العربية، والذي عقد في دبي في عام 2018. والذي قدمت فيه شبكة حقوق الأرض السكن، حصراً لإجمالي أعداد النازحين واللاجئين في المنطقة العربية، والذي تخطى 33.4 مليون نازح ولاجئ مستحقون لاستعادة المساكن والأراضي والممتلكات. وفي عام 2022، نشرت الشبكة العالمية لطاقم أدوات الأرض، التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، تقديراً تقريبياً لأعداد النازحين والذي قدرته 40 مليون شخص عبر أنحاء المنطقة العربية. ورغم ذلك، قدمت شبكة حقوق الأرض والسكن، في الدورة الثالثة لمؤتمر الأراضي العربية، والذي عقد في (الرابط، فبراير/شباط 2025)، تحديثاً لإحصائها التفصيلي عن الأشخاص المستحقين لاستعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والذي بلغ 49.8 مليون نازح. (أنظر مقال: مشاركة التحالف الدولي للموئل في المؤتمر الثالث للأراضي العربية، في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض/LandTimes).

ويشير هذا الاتجاه التصاعدي لحالات النزوح، إلى زيادة بنسبة 38%، لايزالون مستحقين لإعمال حقوقهم في استرداد مساكنهم، وأراضيهم وممتلكاتهم. وبينما شملت الأعداد لعام 2025، رصد فئة جديدة من النازحين نتيجة أحداث وتطورات التغيرات المناخية، والتي بلغت 3.4 مليون نازح بسبب المناخ، إلا أنها لم تعكس صافي أعداد النازحين نتيجة الصراع والحروب والاحتلال، والتي بلغت 42.6 مليون شخص. وتظهر تلك المجموعة المصنفة بالنزوح نتيجة أعمال من صنع الإنسان، وحرمتهم من حقهم في السكن والأراضي، زيادة بنحو 27% في أعداد المستحقين لاسترداد المساكن والأراضي والممتلكات، على مدار السنوات السبع السابقة.

في الوقت ذاته، يقدر عدد الأسر العربية في الإقليم والمستحقة لاسترداد مساكنهم وأراضيهم وممتلكاتهم، والحصول على جبر الضرر، على نطاق أشمل، بأنه يقارب عدد سكان دولة متوسطة الحجم مثل دولة الجزائر (47,435,312,312) أو بحجم السودان (51,662,147)، أو عشرة أضعاف سكان دولة الكويت (5,026,078).

وفي أقاليم أخرى، وتتمتع بتنوع أكبر، استطاعت أن تضع مقاربات جماعية لاسترداد المساكن والأراضي والممتلكات، وغيرها من الاستحقاقات لجبر الضرر، بسبب النزوح الناجم عن الحروب. وقد صيغ بعضها في معاهدات إقليمية بين الدول، كما هو النموذج الذي تقدمه اتفاقات دايتون لدول البلقان (Balkan’s Dayton Accords)، وميثاق إفريقيا بشأن الأمن والاستقرار والتنمية في منطقة البحيرات العظمى، وبروتوكولاته.

وتتشارك مثل تلك النهج الإقليمية بمجموعة من المزايا، تجاه الحلول الدائمة، لأنها:

  • يمكن تييسرها مع وجود الخصوصية الإقليمية المشتركة، ومنها وجود لغة وثقافة مشتركة؛
  • يمكنها سد الفجوات والتناقضات في القواعد السائدة بين الدول المعنية؛
  • معالجة التأثيرات العابرة للحدود نتيجة النزاعات والمخاطر البيئية/التغير المناخي؛
  • تطبيق للمعرفة المحلية والإقليمية، حيث أن الجهات الفاعلة المحلية هم أقرب تأثراً بتلك القضايا؛
  • تعزيز التعاون والمساعدة بين الدول على نحو يضمن تحقيق نتائج تعكس المصالح الإقليمية، طويلة الأجل وأهداف التخطيط الإنمائي؛
  • إيجاد سياق تبادلي وتعاوني، نحو صياغة سياسات على كل من المستوى الإقليمي والوطني؛و
  • الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة لتحقيق حد أقصى من التأثير.

وستواصل الشبكة، رصدها لاتجاهات النزوح والأعداد المتزايدة من العرب، ومناصرة حقهم جميعاً في جبر الضرر. فإن حجم وطبيعة الحالات المرتبطة باستعادة المساكن والأراضي والممتلكات، وغيرها من الانتهاكات لحقوق الإنسان، تستدعي، مثل ذلك النهج الإقليمي، والذي يبدو أن أن الحكومات في الإقليم مترددة في في تبنيهضمن ترتيباتها الإقليمية، وفي ظل غياب رؤية ومبادرة موحدة وهادفة. وكما هو الحال مع العديد من الأزمات الملحة الأخرى، تركت الدول والمنظمات الدولية المجال مفتوحاً بشكل كبير للمبادرات المدنية، في حال وجود مجتمع مدني في المنطقة العربية، قادر على التنسيق إقليمياً، ومهيأ لتلبية الحاجة.

صورة المقال: يظهر الجدول توضيح لأعداد النازحين في المنطقة العربية في الوقت الحالي، وفقاً لجنسية النازحين. المصدر: التحالف الدولي للموئل- شبكة حقوق الأرض والسكن، في أثناء عرض قدمته الشبكة في المؤتمر الثالث للأراضي العربية، والذي استضافته وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، المغربية، والتي رفضت الاعتراف باللاجئين الصحراويين في المنفى منذ عام 1975.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN