الحرب والسلام في أرض اليمن
ست سنوات مضت ولا يزال اليمن يبحث عن الخروج من النفق المظلم، ولا يزال السكان المدنييون هم من يدفعون ثمن أهوال الحرب والصراع الدائرة. ومع ارتفاع أعداد القتلى من الحرب، وفقا للتقارير الدولية، وصلت إلى 233,000 شخص، بينهم 131,000 لأسباب غير مباشرة نتيجة انتشار المجاعة في العديد من المناطق، أو الافتقار إلى المياه النظيفة والخدمات والمرافق الصحية. ومن بين ضحايا الأعمال العدائية المباشرة مقتل 3,153 طفل، وإصابة 5,660 أخرين، على مدار السنوات الخمس الماضية. كما قدرت تلك التقارير أن العمليات العسكرية منذ بداية الصراع أدت إلى نزوح أكثر من 3.6 مليون مدني، من بينهم 158,000 نازح في عام 2020 فقط، ما يشير إلى تصاعد وتيرة الصراع في ظل جائحة كوفيد-19.
هذه المأساة عن تصاعد الحرب والخسائر في الأرواح والأخذة في التصاعد، نتيجة حدة وتيرة الهجمات العسكرية، والتي أصبحت بما لايدع مجال للشك، تنتهك القانون الدولي الإنساني، ومبادئ القانون الدولي، نتيجة الاستخدام غير المشروع للقوة، في المناطق الأهلة بالسكان، وقتل الأفراد غير القانوني من قبل كافة أطراف الصراع. وهو ما جعل فريق الخبراء البارزين الأممي بشأن اليمن يقدم تقريره الثالث إلى مجلس حقوق الإنسان تتحت عنوان جائحة الإفلات من العقاب في أرض معذبة، في أيلول/سبتمبر 2020.
وقد سلط التقرير الضوء، على التغاضي عن محاسبة الأطراف المسؤولين عن الانتهاكات، أو عدم اتخاذ الأجراءات اللازمة لإعمال حقوق الضحايا المدنيين للحماية. وحذر التقرير من أن إدارة العدل في اليمن، قد تعرضت للخطر لحد كبير، مما يترتب عليه من عواقب وخيمة على حقوق المحاكمة العادلة، وافتقار الناجين لإمكانية الوصول إلى العدالة، نتيجة الافتقار إلى الوسائل والقدرات اللازمة لإجراء تحقيقات مستقلة وذات مصداقية عن تلك الانتهاكات الجسيمة.
ونبه فريق الخبراء البارزين إلى أنه لم يحاسب أي شخص على الانتهاكات التي حددها فريق الخبراء البارزين، وأوصى التقرير بضرورة إحالة الحالة في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات، وتأييد إنشاء آلية عدالة جنائية دولية للتحقيق في الجرائم الدولية التي ارتكبت أثناء النزاع، خاصة مع تورط أطراف ثالثة في نقل وبيع الأسلحة التي تساهم في إطالة أمد النزاع، وبالتالي جسامة الانتهاكات.
وأشار الخبراء إلى أن يجب على الدول الأخرى العاملاة في اليمن أن تتقيّد، خارج حدودها الإقليمياة، بما يقع عليها من التزامات في مجال حقوق الإنسان. ومع ذلك، وجد الخبراءفلا يمكن لأي دولة أن تدعي أنها غير مدركة لحجم ونطاق الانتهاكات والدمار الذي يحدث في اليمن. وحمل التقرير الحكومة اليمنية مسؤولية الوفاء بالتزامتها لإعمال حقوق الإنسان على كامل أراضيها، بما فيها الأجزاء التي فقدت السيطرة عليها في حدود سلطاتها الفعلية.
وتناول التقرير بشكل مفصل، نطاق المساءلة في العدالة غير الجنائية، ذكر فريق الخبراء البارزين إلى أن اطراف النزاع لا تعطي أولوية لمعالجة حقوق الضحايا، وأكد الفريق على أهميته وضرورة أن يشمل حق الضحايا في الحصول على سبل إنصاف فعالة، وألا يقتصر جبر الضرر على الجانب النقدي، بل يجب أن يتضمن في المقام الأول على رد الحق، من خلال إعادة وضع الضحية من استعادة الممتلكات والحياة الاجتماعية، إلى ماكان عليه قبل حدوث الانتهاكات، وإعادة التأهيل الجسدي والنفسي، وتعزيز الإدماج في المجتمع، والترضية، وضمان عدم التكرار. ونبه فريق الخبراء البارزين إلى أن تصميم إجراءات جبر الضرر يجب أن تتم بمشاركة مجتمعية، مع مراعاة المساواة بين الجنسين، وأن تكون متكاملة مع الملاحقات القضائية، وأن هناك جوانب عديدة للتعويض وجبر الضرر يمكن أن يتم البدء فيها، حتى مع استمرار النزاع.
وفي ذات الإهتمام بحق الضحايا ضمن عملية العدالة الانتقالية والتي لا مفر منها لإنهاء تلك المأساة ووضع برنامج إصلاحي واقعي يشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تسعى شبكت حقوق الأرض والسكن معالجة الأسباب الجذرية للصراع والحرب في اليمن. نفذ الشبكة مع معهد الولايات المتحدة للسلام وأعضاء التحالف في اليمن مشروع حول جبر الضرر لضحايا الأراضي المنهوبة، للتأكيد على جبر الضرر في الجرائم الاقتصادية، ومن ضمنها نهب الأراضي واسترجاع الممتلكات المنهوبة. وهي تعتبر من الأسباب الجذرية للصراع وعدم الاستقرار في اليمن، بما في ذلك ظهور تمرد الحوثي. وتتطلب أهداف العدالة الانتقالية، ولا سيما المصالحة الوطنية، تحتاج إلى جهداً جماعياً من التعاون، ومن ضمنها تجسيد المؤسسات إنصافية بشكل ديمقراطي.
وقد سعت شبكة حقوق الأرض والسكن من خلال المشروع، إلى انتاج خطوط توجيهية وتوصيات، وتصميم أدوات فنية لبناء القدرات المحلية، ومن ضمنها المجتمع المدني، للمساهمة في تحقيق العدالة التصالحية وتعزيز مفهومها لحل النزاع في أرض اليمن بشكل دائم. وقدم النهج الحقوقي الذي استند عليه المشروع إلى تقديم آلية للحد من النزاعات المستقبلية على الأراضي، من خلال إطار مبادئ حقوق الإنسان، والتزامات الدولة المقابلة لها، ستفيد صناع القرار والقائمين على عملية العدالة الانتقالية في اليمن داخل اللجنة المعنية بالدستور.
وقد استعرضت الدراسة التي قدمتها الشبكة عن أهداف ومنهجية والنتائج التي توصل لها مشروع جبر الضرر لضحايا انتهاكات الأراضي، تناول قضية الأرض كعامل رئيسي في الصراع، ودورها المحوري في بناء عملية السلام الدائم في اليمن، وتشير إلى كيف يمكن للحكومة اليمنية أن تعالج مسألة استرداد الأراضي كجزء أساسي من مسار العدالة الانتقالية. وينبغي أن يساعد التحديد الكمي الناتج للقيم المفقودة للضحايا في الاسترشاد بها لضمان نتائج دائمة ومستندة إلى مبادئ حقوق الإنسان، وتقديم أداة فنية يمكنها أن تساعد في حساب الخسائر واستحقاقات جبر الضرر عن انتهاكات الأراضي نتيجة المصادرة أو التدمير بسبب الحرب، أو الإخلاء القسري. واختتمت الدراسة مجموعة من التوصيات التي يمكن الاستعانة بها في وضع استراتيجية لتفادي النزاعات في المستقبل.
وقد تناولت الدراسة، نماذج الحالة التي جمعها فرق البحث الميدانية الذي تكون من 15 باحث وباحثة، التي قامت بتطبيق المصفوفة الخاصة بحساب الخسائر، في أكثر ثلاث محافظات شهدت انتهاكات جسيمة فيما يتعلق بنهب الأراضي، وهي عدن، والحديدة، وتعز. جمعت هذه الدراسات الميدانية بيانات عن الخسائر الناجمة عن الاستيلاء على الأراضي، والبيوت، والممتلكات في ظل النظام السابق، بجانب تدمير بنيتهم التحتية في الحرب الأهلية الدائرة منذ 2015. وقد استندت تلك الأداة إلى المبادئ والخطوط التوجيهية الأساسية للأمم المتحدة، وإطار عمل جبر الضرر، وقد تم استخدام تلك المنهجية بشكل ناجح في الكاميرون، ومصر، وأتت بنتائج قانونية ملحوظة في كل من الهند وكينيا.
وقد ركزت ا نتائج لدراسة على نوع العدالة التي سعى إليها مشروع جبر الضرر لضحايا الأراضي، والمعنية بالعدالة التصالحية، كونها تمنع حدوث مثل تلك الانتهاكات في المستقبل. كما يقع تحقيق العدالة التصالحية على عاتق الحكومة، على مختلف دوائرها. ويوف تلتز بإيجاد إطار مستدام يمكن جميع مؤسسات الحوكمة ومختلف شرائح المجتمع الأهلي، بما فيها القطاع الخاص، أن تقوم بدور في منع تلك الانتهاكات أو الأضرار، وهذا هو ما تهدف إليه وتعززه آلية التحديد الكمي للخسائر لجبر الضرر ضحايا انتهاكات الأراضي في اليمن. كما أن العدالة التصالحية سوف تجعل خطط العدالة الانتقالية، على قدر من المرونة في استيعاب التقاليد والآليات المحلية لحل النزاعات، خاصة الأليات القبلية التي ملأت الفراغ الذي خلقته مؤسسات الدولة الضعيفة. وهذا يعني أن العدالة التصالحية أمر حيوي للاستجابة إلى الاحتياجات المحلية، والتصدي للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وعلاج انتهاكات حقوق الإنسان، التي تختلف في الجنوب عن الشمال، خاصة فيما يتعلق بضحايا انتهاكات حقوق الأراضي.
وقد نوهت الدراسة في توصياتها، إلى الدور الرئيسي لمنظمات المجتمع المدني، في دعم رؤية العدالة التصالحية، لبناء السلام على مستوى المجتمعات المحلية، والسماح لهم على قدم المساواة في إنتاج المعرفة وإنشاء الآليات التي تتوائم مع الواقع لكل منطقة في بناء سلام جوهري في كافة أنحاء اليمن، لتعزيز العمل المدني، وعدم تهميش مطالبات العدالة للمجتمعات المحلية في أي عملية سياسية للوساطة في السلام. وهذا ما يدعمه مشروع دعم جبر الضرر لضحايا انتهاكات الأراضي، سواء الذين عانوا من ممارسات النظام السابق لعلي صالح، أو من عواقب الصراع الدائر حالياً.
ومن أهم التوصيات كذلك التي تناولتها الدراسة، أن العدل هو العامل الأساسي لإدارة الموارد الطبيعية، وإفساح المجال للمجتمعات المستضعفة، وبشكل خاص المرأة للمشاركة في إدارة الموارد من المياه والأراضي محلياً. وانتهت الدراسة بالإعتراف بضرورة إنشاء مرصد لأحوال الأرض في اليمن، باعتباره آلية تعمل كمورد موضوعي غير منحاز، لتعزيز اتخاذ القرارات الشفافة والشاملة والمستندة إلى الأدلة، بشأن موارد الأرض في الدولة. ويؤكد مقترح المرصد الأرض، على حقيقة أن الأرض قضية وطنية وينبغي إدارتها بشكل جماعي، ولكن خارج المصلحة الذاتية للأحزاب السياسية والعسكرية، والمنافسة والقبلية. إن حيادية وتصالحية الطبيعة لمرصد الأرض أمر حيوي، خاصة فيما يتعلق بقضايا (الوصول إلى الأراضي، النزاعات على الأراضي، حيازة الأراضي على نطاق واسع، الاستخدام المستدام للأراضي، إصلاح الأراضي، وغيرها من القضايا). ومن المتصور أن مرصد الأرض سيأخذ في الاعتبار التنوع في وجهات النظر المهتمة بشكل عام بقضية الأرض، في العمليات التي تجمع معاً الأفراد والمجتمع المدني، والمؤسسات والشركات ووحدات الدولة (المركزية والمحلية)، من أجل الابتكار التعاوني.
الصورة: منظر للريف اليمني. المصدر: عصام الكمالي.
|