القضية الصحرواية تعود مرة أخرى
في الأشهر الأخيرة، عادت إلى الساحة الدولية مرة أخرى، إحدى قضايا الاحتلال الأجنبي والعسكري المنسية والمهملة في إقليم الشرق الأوسط/ شمال إفريقي، ومنطقة البحر المتوسط. فقد وصل احتلال الصحراء الغربية من قبل المملكة المغربية منذ عام 1975، علامة فارقة، مشاركة نفس الفترة مع إحياء الذكرى 45 لإعلان 27 فبراير/شباط 1975 للجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية على جميع أنحاء المستعمرة الإسبانية السابقة، من قبل جبهة البوليساريو، المعترف بها دولياً كممثل للشعب الصحراوي.
وإذ لم تكن تلك المناسبات التذكارية، مهمة بما فيه الكفاية، فقد تم القاء الضوء على الإقليم المحتل من جديد، مع مخطط إدارة ترامب المنتهية ولايته، للاعتراف بالسيادة المغربية على وحدة الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كصفقة مقابل تطبيع المملكة المغربية العلاقات مع إسرائيل رسمياً. المشروع الاستعماري الموازي في إقليم الشرق الأوسط. وكشفت مؤخراً صفقة ترامب المزدوجة، أوجه التشابه بين كل من الاحتلالين، ومنها حتى على القوميين العرب المتشددين، الذين لطالما أنكروا حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره كحالة تمرد انفصالية من المغرب، أن يواجهوا تناقضاتهم.
وبموجب القواعد الآمرة في القانون الدولي، فعلى جميع الدول – سواء كانوا أعضاء في الأمم المتحدة أم لا – التزام بدعم تقرير المصير للشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي والمستعمرة، والعمل على إنهاء مثل تلك الأوضاع غير القانونية. واعتباراً من 1963، أعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إقليم الصحراء الغربية، إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي. وبالتالي، فإعلان الأمم المتحدة بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، ينطبق على الصحراء الغربية.
في عام 1966، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من إسبانيا، أن تحدد في أقرب وقت ممكن، إجراءات القيام باستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة، بما يتماشى مع تطلعات الشعب الأصلي للصحراء الإسبانية السابقة.
وفي فتوتها الاستشارية الصادرة في عام 1975، قضت محكمة العدل الدولية، بصورة لا لبس فيها بأن خلصت المحكمة بأن المواد والمعلومات المقدمة إليها، لا تثبت أي صلة للسيادة الإقليمية بين أراضي الصحراء الغربية، والمملكة المغربية... وعليه، فإن المحكمة لم تلاحظ وجود أي علاقة قانونية تسمح بتعديل تطبيق قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) من حيث إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية وبصفة خاصة من حيث تطبيق مبدأ تقرير المصير من خلال التعبير الحر والحقيقي لإرادة شعوب الإقليم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1975، اجتاحت المملكة المغربية الصحراء الغربية، مما أدى إلى حرب توقفت في عام 1991، بابرام اتفاق بين المملكة المغربية، وجبهة البوليساريو، بوضع خطة تسوية، وإنشاء تباعاً بعثة من الأمم المتحدة من أجل إجراء استفتاء في الصحراء الغربية. وهذه البعثة تبقى فقط على عملية حفظ السلام، المكلفة بإنفاذ حق أصيل للشعب: هو الحق في تقرير المصير.
وفي 26 فبراير/شباط 1976، أبلغت إسبانيا الأمين العام آنذاك، بأنها أنهت وجودها في إقليم الصحراء الغربية، واعتبرت نفسها من الآن وصاعداً، معفاة من أية مسؤولية ذات طابع دولي فيما يتعلق بإدارة الإقليم. ومنذ لك الحين، أصبحت الصحراء الغربية، الإقليم الوحيد غير المتمتع بالحكم الذاتي، وليس له سلطة إدارية معترف بها دولياً، والوحيدة الواقعة تحت إحتلال عسكري أجنبي غير شرعي. وعلى مدى ثلاثة عقود، لم يدخر المغرب جهداً لعرقلة تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية.
وفي 13 من نوفمبر/تشرين الثاني2020، وقبل يوم من إعلان صفقة ترامب مع إسرائيل، أنتهكت المغرب اتفاق وقف اطلاق النار الذي دام 30 عاماً، بعد التدخل العسكري الذي قامت من أجل تفريق مظاهرة سلمية لمجموعة من المدنيين الصحراويين استمرت ثلاثة أسابيع، داخل المنطقة العازلة المنزوعة السلاح، جنوب الصحراء الغربية في منطقة الكركرات. وقد كان المتظاهرون يطالبون بإنهاء الاحتلال، والاحتجاج على النهب غير المشروع للمغرب لموارد الصحراويين الطبيعية. ورداً على تلك الأحتجاجات، قامت القوات المسلحة للمملكة المغربية، بمد جدار الاحتلال العازل الحاجز، إلى الحدود الموريتانية، على بعد 14 كيلومتر من خط وقف إطلاق النار، وعبر المنطقة العازلة.
وفي الأيام التالية، صعدت قوات الأمن المغربية من إجرائتها القمعية ضد السكان الصحراويين، وخاصة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين. وقد كان أعضاء الهيئة الصحرواية لمناهضة الاحتلال المغربي (ISACOM)، بما فيهم أميناتو حيدر، أديجمي الغالية، الذين كانوا بالفعل ضحايا للاختفاء القسري في نهاية الثمانينينات، ومن المتفاعلين مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ضحية لأعمال انتقامية، وتعرضهم لشن حملات تشهير منذ إنشاء الهيئة في سبتمبر/أيلول 2020.
كما حرضت سلطات الاحتلال المغربي، سلطاتها القضائية بإصدار مذكرة بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول2020، وموقعة من النائب العام في مدينة العيون المحتلة. حيث هدد المدعي العام بفتح تحقيق قانوني ضد جميع المشاركين في الاجتماع التأسيسي للهيئة الصحراوية المناهضة للاحتلال المغربي، ومدعياً بأنهم يقوضون الوحدة الترابية للمملكة. وقد تبع ذلك الإجراء، وضع العديد من أعضاء الهيئة قيد الإقامة الجبرية، ومحاصرة منازلهم ومراقبتها بشكل مستمر، من قبل الشرطة المغربية الرسمية ورجال الأمن ممن يرتدون الزي المدني. ومنذ خرق وقف إطلاق النار، قامت قوات الاحتلال المغربية باعتقال وضرب وتهديد، وإرهاب، وسرقة العديد من المدافعين الأخرين عن حقوق الإنسان. (لمزيد من التفاصيل، أنظر A/HRC/46/NGO/83).
وعلى الرغم من الانتهاكات الفادحة بمناسبة الذكرى 45 للاحتلال المغربي غير الشرعي، فتلك الإجراءات ليست بالأمر الجديد. فقد أصدر مؤخراً فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عدة ملاحظات تتعلق بالناشطين الصحراويين، مؤكدة أن احتجازهم يرتبط بشكل مباشر بأنشطتهم السياسية، لصالح الشعب الصحرواي في الممارسة الحرة للحق في تقرير المصير. لذلك، فاحتجازهم، مثل الاحتلال بشكل عام، ينتهك أكثر قواعد القانون الدولي قدسية والنظام العالمي.
وفي الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان، دعت 267 منظمة عضو في مجموعة دعم جنيف، إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ودعت المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان إلى:
- إيفاد بعثة مراقبة عاجلة، لإقليم الصحراء الغربية غير المتمتع بالحكم الذاتي، والذي تحتله المملكة المغربية، وتقديم تقرير في الدورة 48 لمجلس حقوق الإنسان، عن حالة حقوق الإنسان في الإقليم؛ و
- تقديم التعاون الفني، وبناء القدرات لممثل الشعب الصحرواي المعترف به، جبهة البوليساريو، وذلك امتثالاً لقرار الجمعية العامة 104/75 (الفقرة 8).
الصورة في الصفحة الأمامية: مشهد من التظاهرات السلمية للمدنيين الصحراويين في كركرات. المصدر: Redio Algérie. أما الصورة على تلك الصفحة: توسعة الجدار العازل العسكري حتى الحدود مع موريتانيا من قبل قوات الاحتلال المغربي. المصدر: middleeasteye.net
للتعريف بالوضع في الصحراء الغربية المحتلة، أنظر الفيديو الحياة تنتظر، بواسطة مجموعة ثقافة الأفلام المقاومة.
|