المنتدى الاجتماعي العالمي: نحو تحقيق نتائج أكثر عملية

تعتبر النسخة الأولى للمنتدى الاجتماعي العالمي لما بعد الثورة هو الآن ذكرى صاخبة للذين تجمعوا في تونس وعلى مدار أسبوع بدء من 26 مارس 2013، وقد أخذ الحدث الدائم على أثر أهمية رمزية خاصة، مع بداية الاضطرابات السياسية التي تزامنت مع الدورة السابقة للمنتدى في داكار من عام 2011.  

وقد واجه المنتدى الاجتماعي العالمي نفسه، دعوات للتغيير في طريقة المناقشات الدائرة، وكذلك المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي، كمنظمين ومشاركين، للنظر في تحويل المنتدى من مجرد مكان للالتقاء إلى حركة. وقد كان أحد تلك التطورات لهذا العام، هو انعقاد 29 جلسة جميعها متقاربة في التفكير والموضوعات،  ويرى البعض بأن هذا التطور يخلق نوعا من التوتر بين طبيعة المنتدى الأصلية غير الموجهة، والسعي نحو تحقيق نتائج أكثر عملية.   

و قد تواصلت الجمعية العمومية للإسكان، لالتقاء بين سكان الريف والحضر، مع التحالف الدولي للموئل، التحالف الدولي للسكان، وحركة عبر الريف، وحركة بلا صوت الدولية (No-Vox)، كمنظمين. وقد اقترحت الجمعية العمومية للموئل خطوات مشتركة، مثل إنشاء محكمة دولية بشأن الإخلاء القسري في جنيف، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، وتنظيم حملة عالمية معنية بالوظيفة الاجتماعية للأرض، والمدينة، والسكن. وقد عبرت الجمعية العمومية عن دعمها للشبكات الإفريقية المعنية بالإسكان، ودعمها لجهود شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما عبرت عن مشاركتها في التصورات الجديدة حول إدارة الأراضي والموارد الطبيعية في الحضر والريف، في المنتدى الإقليمي الرابع للأرض.

(أنظر المنتدى الإقليمي الرابع للأرض: نحو مرصد اجتماعي جديد للأرض في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض)

أما الجمعية العمومية للمهاجرين، فقد أصدرت إعلان تؤكد فيه على حق الجميع في حرية التنقل والإقامة، مشيرا إلى أن العولمة قد فتحت الحدود لرأس المال والبضائع، ولكنها أصبحت مقاومة بشكل متزايد لحركة الناس. و أيدت وجود مناطق حرة للحركة مثل ( المجتمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا ECOWAS، اتحاد أمم أمريكا الجنوبية UNASUR)، ولكنها أشارت إلى أن هذا يحتاج إلى الرصد والتحسين. وقد دعت الجمعية العمومية لحملة عالمية بعينها، من ضمنها منظمة من أجل المواطنة العالمية، و منظمة رصد المتوسط، لرصد الانتهاكات الواقعة على حقوق المهاجرين، وتوفير الدعم لأسر المهاجرين المفقودين في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في المكسيك وتونس. كما أقر إعلان عمومية المهاجرين المطالب المحددة لتحقيق المفوضية الأوروبية في اختفاء المهاجرين التونسيين، والتحقق من مصيرهم.

أما فضاء المناخ فقد شمل 19 فعالية ضمن المنتدى الاجتماعي العالمي. فقد أقر المشاركون أنه في حين أن المعركة داخل مناخ مفاوضات الأمم المتحدة لا يزال محتدما، تظل الساحات الرئيسية هي الخط الأمامي للمواجهة.، وأقترح البيان الجماعي 15 خطوة لتغير النظام وليس المناخ.

كما أصدرت مجموعة شيقة خاصة معنية بالمشاريع غير الضرورية والمفروضة على نطاق واسع، إعلان تونس لمناهضة مشاريع البنية التحتية أو مشاريع التنمية التي تؤدي إلى كوارث بشرية أو اقتصادية واجتماعية، أو تؤدي إلى تدمير المناطق الطبيعية، والمزارع والمناطق الأثرية؛ أو التي تلوث و تدهور البيئة مع تأثيرات سلبية ملحوظة على الناس.

تناولت الجمعية العمومية الخاصة بالاستخراج، التواطؤ المتداخل بين الدول والصناعات الاستخراجية، ضمن البيئة التنظيمية الضعيفة والتي تؤدي إلى خسائر فادحة في الضريبة، وهروب رأس المال، والتشريد في المناطق الريفية والحضرية، والاستحواذ على نطاق واسع من الأراضي لاستخراج المعادن والنفط، فضلا عن الاستصلاح وبناء السدود. وقد أيد الإعلان السياسي للعمومية المعنية بالاستخراج، المقترحات مثل دعم يوم تحرك العالمي للتكسير، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول  2013، وضم النضالات مع يوم تحرك بشأن الشركات عبر الوطنية. والتزمت الجمعية العمومية على اقتراح لعقد مؤتمر عالمي، عن الصناعات الاستخراجية، والتي تتقاطع مع إجراءات عالمية أخرى متعلقة بمسائلة الدول والشركات.   

عمومية الحركات الاجتماعية، رددت ما جاء في عمومية اتحاد العمال من شجب إجراءات التقشف الحالية والتي تسبب المزيد من الإفقار للشعوب. وعارضت أيضا الحركات الاجتماعية الاقتصاد الأخضر، وآلياتها في سوق الكربون، كحلول كاذبة. وتعهد المشاركون بالدفاع عن السيادة الغذائية ودعم الزراعة الفلاحية المستدامة، والدعوى إلى تعبئة ضخمة ضد نهب الأراضي. كما عزم هذا التجمع الواسع على الدفاع عن حق الشعوب في السيادة وتقرير المصير، خاصة للشعب الفلسطيني، والصحراء الغربية، وكردستان. ودعوا كذلك، إلى تعزيز أدوات التضامن العالمي بين الشعوب مثل حملة (BDS) المعنية بالمقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات.         

وعلى طرف مماثل، أعلنت عمومية التقاء فلسطين، عزمها على تعزيز ومد حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والفرض العقوبات، فضلا عن تعزيز استنتاجات محكمة راسل المعنية بفلسطين، والدعوى لمقاضاة إسرائيل دولياً على ما ترتكبه من جرائم ضد الفلسطينيين أمام (المحكمة الجنائية الدولية) على سبيل المثال. كما طالبت الهيئة بإعادة تشكيل اللجنة الأممية المناهضة للفصل العنصري، وحل اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، والدعوى بدلا من ذلك، إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي.

وفي سابقة من نوعها ضمن فعاليات المنتدى الاجتماعي العالمي، اجتمعت 13 منظمة أمازيغية وأصدرت إعلان تونس: الأمازيغ والتحدي الديمقراطي لشمال إفريقيا والذي حدد الشعب الأمازيغي كشعب أصلي لتمازغا (شمال إفريقيا)، وأنهم يعانون من تجريدهم من ملكياتهم، والاندماج القسري، والاستبداد. ويدعم هذا القرار المشترك تطلعات الشعب الأمازيغي، لتمتع بجميع الحقوق والحريات المعترف بها دولياً لجميع شعوب العالم.وعلى نحو أكثر تحديداً، فقد دعت دول شمال إفريقيا لتطبيق إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية على الأمازيغ، والتعهد بدعم نضالات المجتمع ضد نهب أو (سلب)، الأراضي  والموارد الطبيعية، وحق المجتمعات الأمازيغية في إدارة مواردها الطبيعية على نحو عام.

(أنظر، دراسة الأزمة العالمية للحيازة غير الآمنة، في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض)

وقد عبر إعلان حراك المرأة الدولي، عن التوافق بين المنظمات النسوية، ومنظمات المعنية بحقوق المرأة في المنتدى الاجتماعي. وهو ما يعكس توافق الآراء على أن اتفاقية (السيداو) المعنية بمناهضة التمييز ضد المرأة هي التي تشكل الأساس لحقوق المرأة المنصوص عليها في الدساتير، ولاسيما الدساتير العربية. وأكد الإعلان على أن تأكل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية يؤثر بشكل رئيسي على المرأة. كذلك، أكد الإعلان على أن حق المرأة في الانتفاع من موارد العالم الطبيعية مثل (الماء، وحيازة الأراضي، والثروة والتعدين)، هو ضمن المطالب الحيوية للمرأة، كما دعا الإعلان في إطار الشروط المحلية الواقعية، إلى المساواة الفعلية بين الجنسين في جميع جوانب المنتدى الاجتماعي العالمي، وعقد العزم على إنشاء شبكة دولية فعالة للتضامن مع المرأة التونسية التي تناضل من أجل حقوقها الأساسية.

في النهاية ومع مراعاة خصوصياتهم، جسدت الجمعيات الملتقاة والوثائق الخاصة بنتائجهم، قيم مشتركة لخلق نوع جديد من الثقافة السياسية، التي لا تزال تسعى إلى نتائج أكثر واقعية تخرج من علاقات المنتدى الاجتماعي المزيفة.  فالوثائق الخاصة بالنتائج تشير إلى ملامح عالم أخر ممكن، وسط التجلط النظري الواسع.