English عن التحالف اتصل بنا العدد 20 - آب / اغسطس 2020 الرئيسسة
تطورات عالمية

القوى العالمية ضد المدافعين عن الأراضي

حيث يشهد العالم تقاربًا بين ظاهرتين عالميتين: نهب الأراضي، ووباء كوفيد ــ 19. يشكل هذا المزيج القاتل يشكل ذروة قصة طويلة من المجتمعات المستضعفة والمعرضة إلى  اعتداءات الإنسان لنهب الأراضي، على حساب المجتمعات المحلية المقيمة على الأرض والشعوب بأكملها. وتصادف البرازيل أيضًا أن تجسد هذا التهديد المزدوج، باعتبارها الدولة التي لديها ثاني أكبر عدد من الوفيات بسبب جائحة كوفيد ــ 19، وانتشار الحالات في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى إرتكاب سلسلة من جرائم قتل المدافعين عن الأراضي في البلاد. التى أصبحت، مثل الوباء، لانتشارها عالمياً.

بعد فترة وجيزة من قيام غارِﻣﭘيرَوس  Garimperos(المنقبون عن الذهب)، بقتل اثنين من شباب مجتمع يانومامي المحلي ، وهم أوريجينال يانومامي، 24 عامًا، وماركوس أروكونا، 20 عامًا، [Original Yanomami Marcos Arokona,]، أثناء غزو أرض مجتمع يانومامي في ولاية رورايما، وأمر قاضٍ بإخراج جميع عمال المناجم البالغ عددهم 20 ألفًا من حديقة يانومامي، في منطقة الأمازون التي تعرضت للكثير من الغزو. ومع ذلك، فإن هذا الأمر القضائي، لم يكن ردًا على سلسلة جرائم القتل التي تعرض لها المدافعون عن أراضي السكان الأصليين، بل كان نتيجة التماس قدمته منظمة برازيلية معنية بحقوق السكان الأصليين، وستة أحزاب أخرى، في 29 يونيو/حزيران الماضي، تؤكد فيه أن كوفيد ــ 19، يمكن أن يؤدي إلى إبادة جماعية للسكان الأصليين في البرازيل المعرضين بالفعل للخطر.

في البرازيل، انتهت سنة 2019، بقتل ﭘاولو ﭘاولِينو غْواجاجارا، [Paulo Paulino Guajajara ] من الأوصياء على الأمازون لردع قاطعي الأشجار غير القانونيين، الذين قتلوه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وبعد شهر واحد فقط، في 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، قتل المهاجمون، هايمًونْدُو غْواجاجارا وفِيْرمينُو غْواجاحارا [Raimundo Guajajara and Firmino Guajajara]، وفي 31 مارس/أذار 2020، قُتل زَيزِيكَو غْواجارا [Zezico Guajajara] بالرصاص. وكان مقتله الخامس من بين المدافعين عن الأرض في غضون ستة أشهر فقط.

في خضم هذا الاتجاه أعلن الرئيس البرازيلي الشعبوي جايير بَولْسَونارو [Jair Bolsonaro]، أن منطقة الأمازون مفتوحة للتعدين في فبراير/شباط 2020، مما أثار انتقادات محلية ودولية شديدة، لرفضه المتعمد حماية البيئة العالمية وأراضي الأوصياء في الإقليم الشرقي للأمازون. لقد جاء هذا القانون في أعقاب دعم الرئيس الذي غالبًا ما يُعلن عنه للمزارعين وقاطعي الأشجار، الذين يعملون في النظام البيئي الأمازوني الدقيق والحيوي عالميًا، مع التقليل من أهمية الحملات البيئية، وخفض ميزانية وكالة البيئة البرازيلية.

لم يقتصر نمط الهجمات على السكان الأصليين في البرازيل في المناطق النائية فحسب. بل في فبراير/شباط 2020 أيضًا، ارتكب المهاجمون عملية القتل بالرصاص لرئيس مدينة تُكآنَو [Tucano] البالغ من العمر 53 عامًا، فْرانْسيسْكو داس وزا ﭘَيرَيرا [ Francisco de Souza Pereira] في أوروكايا [Urucaia ] مجتمع السكان الأصليين في نوفا سِسداجي [Nova Cidade] في حي ماناوس، عاصمة ولاية أمازوناس، وواحدة من أكثر مدن البرازيل تضررًا من جائحة كوفيد ــ 19.

ولم يقتصر هذا الاتجاه على البرازيل فحسب. بل في شمال بيرو، قتلت عصابة إجرامية، حوسيه ناﭘولَيون تارِيْيو أسْنونيتاس [  José Napoleón Tarrillo Astonitas]، لصالح مافيا أراض معارضة تسعى لتطهير الأرض في محمية تشاباري البيئية the Chaparrí، وفقًا لشهود محليين.

فيما أصبحت المملكة العربية السعودية أيضًا حالة سيئة السمعة، خاصة منذ إعدام الداعية المناهض للتمييز الشيخ نمر النمر عام 2016، وتدمير مسقط رأسه، العوامية، في محافظة القطيف. ليأتي الفصل الأخير في ملحمة طويلة من مصادرة الأراضي الملكية في الوقت الراهن، إلى مشروع مدينة نيوم الضخمة. حيث أثار تنفيذ مشروع رؤية ولي العهد 2030، معارضة محلية سلمية من السكان المحليين، والتي تصدت لها السلطات بالعنف، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية في مارس/أذار، وقتل أحد زعماء القبائل عبد الرحيم الحويطي في 13 أبريل/نيسان الماضي.

وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط ، تخللت هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد المزارعين الأصليين احتلال الضفة الغربية، وترددت جريمة قتل قناص للمزارعين، بمن فيهم عمرو سمور، وإبراهيم أحمد العروقي، في سياق المسيرة الكبرى للعودة في غزة المحاصرة.

المدافعون عن الأرض الذين سقطوا هم من يؤسسون للذاكرة الفلسطينية الجماعية، التي هي موضوع يوم الأرض السنوي في 30 مارس/أذار، والبيان المشترك التذكاري بمناسبة  يوم الأرض، والذي يُحيي ذكرى قتل إسرائيل لستة فلسطينيين من الكيان الإسرائيلي في عام 1976، وإصابة 70 آخرين من المدافعين عن الأرض. و في الذكرى الثانية لمسيرة العودة الكبرى، في 30 مارس / أذار 2020، حصدت القوات الإسرائيلية، أرواح 214 فلسطينيًا، وإصابة 18764 آخرين، ممن شاركوا في مظاهرات غير مسلحة، مطالبين بتنفيذ حقهم في العودة إلى أراضيهم، منذ التطهير العرقي الإسرائيلي  في فلسطين عام 1948.

وفي فلسطين كذلك، وفي وسط انتشار الوباء في أبريل / نيسان، قام المستوطنون اليهود، بطرد المزارعين والرعاة الفلسطينيين بالعنف من الأراضي الزراعية والمراعي، ومنعهم من الوصول إلى محاصيلهم المنهوبة مؤخراً. وقد شجع الاحتمال المتزايد بقيام إسرائيل بضم أجزاء مستعمرة من الضفة الغربية، إلى تزايد موجات هجمات المستوطنين ذات دوافع مختلفة، لاحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية في السياق السياسي الحالي.

أما الاحتلال الهندي الذي تحول إلى ضم إقليم كشمير، ويوازي محاولة إسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما يعكس سياسة حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسية، الحليف العسكري إسرائيل، في استهداف موطن السكان الأصليين الكشميريين، لتوسيع خططها للتلاعب الديموغرافي ونقل السكان.

في الساعات الأولى من يوم 19 مايو/أيار، قامت شرطة جامو وكشمير، بنهب النقود والمجوهرات، وغيرها من الأشياء الثمينة، من العديد من المنازل في حي سريناغار المكتظ في كانيمازار، أثناء قيامهم بعملية للقضاء على المسلحين الأصليين المدافعين عن المنطقة. وتم إحراق أكثر من عشرة منازل، ونُهبت العديد من المنازل الأخرى، من قبل قوات الأمن المشاركة في تلك العملية التي أسفرت عن مقتل اثنين من مقاتلي حزب المجاهدين، جنيد أحمد سهراي، وطارق أحمد شيخ، من محليتي سريناغار وبولواما على التوالي.

كما استهدفت الحملة الهندية، مزارعي التفاح الكشميريين، لمنع توزيع منتجاتهم، خارج منطقة كشمير المحظورة منذ عام 2019. فيما قام عملاء داعمين للهند، بمهاجمة وقتل سائقي الشاحنات وتجار التفاح، كجزء من حملة إرهابية تم الإبلاغ عنها.

وقد تعرض خادم حسين دهوت، المدافع عن حقوق الإنسان، ومدير منظمة عضو بالتحالف الدولي للموئل، لهجوم خارج منزله في إقليم السند، باكستان. حيث هاجم مجموعة من الرجال المجهولين ذلك المدافع عن حقوق السكن والأراضي، اتهموه بالتحريض على العنف الطائفي، وارتكاب التجديف. الدكتور داهوت هو محامٍ بارز، ومدافع عن حقوق الإنسان في باكستان، والمدير الإداري لـصندوق (Sewa Development Trust Sindh)، وهي منظمة عضو في التحالف الدولي للموئل، وتعمل على تمكين وتوفير التعليم والرعاية الصحية، للنساء والشباب والأطفال المحرومين. وقد أشعلت قضيته حملة للتحالف الدولي، حتى أكتوبر/تشرين الأول 2019، للدفاع عن المدافعين عن حقوق موئلنا.

هذه الهجمات والخسائر التي لا يمكن تعويضها ليست ببعيدة، عن ذكرى دعاة حماية البيئة الأتراك الذين قُتلوا في أكتوبر/تشرين الأول 2017. حينما تم اغتيال مربيا النحل، والمدافعين عن البيئة، أيْشين وعلي بْيويوكنوهاتْ، في منطقة فينيكيه [Finike]، بعد حملتهم الناجحة لإغلاق منجم مدمر للبيئة في وقت سابق من ذلك العام.

وتأتي هذه الجريمة في أعقاب اغتيال البارز بَرْتا كاسَيرَيس، في 3 مارس/آذار 2016، وهو أحد المدافعين عن حقوق السكان الأصليين والأراضي من هندوراس، الذي قام دون كلل بحملة ضد مشروع  بناء سد، لا يحظى بشعبية على نطاق واسع، كان بتمويل من فرع الإقراض المالي بالبنك الدولي، مما يؤكد مرة أخرى على أن العنف غالبًا ما يرتبط بمشاريع التنمية الدولية.

أما في المكسيك، فقد تلقى مجتمع Valle del Río San Pedro، في جنوب غرب المكسيك، تهديدات بالقتل في 19 مايو/أيار 2012، وأمرهم بإخلاء منازلهم. وقد قُتل أفراد من المجتمع في وقت سابق، وهم معرضون بشدة لخطر المزيد من الهجمات. في 14 أبريل/نيسان 2012، قُتل السيد، هايمونْدُو كبيسا آلفَيس بورْجَيس Raimundo Cabeça Alves Borges، بعد تعرضه لكمين بالقرب من منزله في مستوطنة Terra Bela، في مدينة بوريتْشيكُوﭘُو Buriticupu، في ولاية مارانياو، البرازيل، تلك الدولة الأكثر نزاعًا على الأراضي في البلاد. وفقًا لكوميساو ﭘاسْتوراو دا تَيها (لجنة رعي الأرض) Comissão Pastoral da Terra - CPT، فإن رايموندو ألفيس بورجيس هو الضحية رقم 247 للعنف في المناطق الريفية في البلاد خلال الـ 25 عامًا الماضية.

الأسباب والعواقب الهيكلية

فبينما يجبرنا الوباء العالمي، على الاعتراف بأننا جميعًا في هذا معًا، إلا أن نماذج فقدان الأراضي، والمدافعين عن الأراضي، بما فيهم الشعوب الأصلية وصغار المزراعين، تدفعنا إلى التراجع للوراء لتقدير نقطة أعلى ذات أفضلية، مع إعادة النظر بشكل نقدي في سمات العولمة واتساق السياسات. وفي الوقت نفسه، يدرك الباحثون ومحللو السياسات أن شركات الأغذية لا تهدد الناشطين البيئيين فحسب، بل تعزز أيضًا سلاسل التوريد الخالية من التشجير، مما يساهم في هذا التهديد المزدوج. كما تؤدي المزارع التجارية، الخاصة ببعض المكونات الغذائية اليومية، مثل زيت الصويا، وزيت النخيل، إلى إزالة الغابات على نطاق واسع في البلدان الاستوائية، بما في ذلك البرازيل، وكولومبيا، وإندونيسيا.

فبين عامي 2015 و 2016، تضاعف قتل المدافعين عن الأرض ثلاث مرات. في عام 2016، قفز متوسط عدد القتلى سنويًا من 55 سنويًا في عام 2002 إلى 185 حالة قتل في عام 2016. وقد أدى هذا التطور إلى إعلان منظمة أوكسفام الدولية أن هذه حقبة التهافت العالمي على الأراضي التي تتميز بالقتل والإخلاء. وبالإضافة إلى الممارسات الاستعمارية الجديدة في الهند، والمغرب، وتركيا، وروسيا، وإسرائيل، حيث يحتل كل منها أراضي وأقاليم شعوب أخرى بشكل غير قانوني ، وُجد أن المعيار العالمي يتوافق مع هذا النمط، فيما أن سياسات البنك الدولي،  تعرض المدافعين عن الأراضي للخطر.

على النقيض من ذلك، وجه المجتمع المدني العالمي الدعوة إلى التضامن مع صغار منتجي الغذاء في هذه الحقبة، فيما تدعو الأمم المتحدة بشكل نشط، الشركات إلى الاستحواذ على النظم الغذائية، في مؤتمر القمة المقبل لنظم الغذائية في 2021. وقبل أن يحدث ذلك، يجب إعطاء الأولوية لإنسانيتنا المشتركة، لا سيما في ظل جائحة عالمية معقد تجمع بين جميع التهديدات من أجل بقائنا معًا.

 

الصورة: أثناء لقاء بين قادة المجتمع المحلي Yanomami،  Ye’kwana لمناقشة التصدي المشترك ضد المنقبين عن الذهب، وجائحة كوفيد ــ 19. المصدر: Victor Moriyama/ISA.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN