الجميع تُركوا خلف الركب: أزمة الإخلاء القسري وسط كوفيد ــ 19
عرضت التداعيات الاقتصادية لمخاطر أزمة كوفيد ــ 19، سبل المعيشة لملايين- وربما المليارات- من الناس حول العالم للخطر. فقد أوقفت الإرشادات التوجيهية للتباعد الجسدي، وأوامر البقاء في المنزل بشكل كامل، العديد من القطاعات التي تتطلب التفاعل جسدياً بين الناس، مما أدى إلى القطيعة الاجتماعية وفقدان الكثير من الوظائف في كل بلد. بينما طالبت نصيحة منظمة الصحة العالمية من الناس البقاء في منازلهم، وتجنب الاتصال غير الضروري مع الأشخاص خارج أسرهم، فإن أعدادًا كبيرة من الناس يجدون أنفسهم عرضة بشكل متزايد لفقدان تلك المنازل.
وبالنسبة لمجتمعات معينة، فإن الإخلاء القسري، وغيره من الانتهاكات المتعلقة بالسكن وموئل حقوق الإنسان ليست جديدة. ففي المناطق الخاضعة للاحتلال، مثل كشمير وفلسطين، لم تمنع جائحة الصحة العالمية، من هجمة عمليات الإخلاء والهدم التي يعاني منها السكان المحليون باستمرار.
في يوم الأربعاء 1 يوليو/تموز 2020، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، القرار 2532 والذي فيه يطالب بوقف عام وفوري للأعمال القتالية في جميع المواقف المدرجة على جدول أعماله. وعلى الرغم من هذه الدعوة، تواصل دول الاحتلال ممارسة عنف الإخلاء ضد الشعوب الأصلية من أراضيهم. بل على العكس، تستخدم الدول حالة الإلهاء الناجم عن الوباء، لتعزيز جرائمها، بما في ذلك تزايد الهجمات العنيفة، وعمليات الضم، والتلاعب الديموغرافي.
حتى في البلدان التي لا ترتبط عادة بالعنف والعداء، تواصل السلطات طرد الأشخاص من منازلهم. وتقوم شبكة حقوق الأرض والسكن، بجمع وثائق هذا النمط العالمي، من عمليات الإخلاء التي تحدث، من خلال قاعدة بيانات الانتهاكات، وأرشيف الأخبار.
في لبنان، التي كانت تتعامل بالفعل مع أزمة اقتصادية مدمرة، قبل تفشي الوباء، أخذت أسر الطبقة المتوسطة والعليا التي لم تستطع دفع أجور عاملات المنازل الأجانب، بترحيلهم إلى الشوارع بشكل مهين، وتأجيج كراهية الأجانب. وهناك حالة مشابهة تحدث أيضًا في تونس ، حيث يضطر المغتربون من كوت ديفوار إلى الخروج إلى الشوارع عندما تعذر عليهم دفع الإيجار، بسبب فقدان الوظائف نتيجة الوباء. كما أن كراهية الأجانب والعنصرية الصريحة، تطل برأسها في الصين، حيث تم طُرد الأفارقة الذين يعيشون في مدينة غوانزو من الفنادق، و منعهم من العودة إلى منازلهم، أو حتى تم طردهم قسراً.
كما وجد العمال المهاجرون في مدينة بنغالورو الهندية، منازلهم مدمرة بعد عودتهم من قراهم بعد الحظر بسبب كوفيد ــ 19، في حين يتزايد القلق على مجتمع الداليت المهمش في جنوب آسيا، والذي تضرر أيضًا بشدة من عمليات الإغلاق وفقدان الوظائف. حتى الأطباء في الهند يواجهون عمليات إخلاء متزايدة بسبب مخاوف من الاختلاط بالفيروس في أماكن عملهم.
على الرغم من صدور أمر من محكمة كينية عليا بوقف عمليات الهدم في مستوطنة غير رسمية بالعاصمة نيروبي نيروبي، قامت السلطات بإخلاء وهدم منازل أكثر من 7000 شخص منذ أبريل / نيسان، بزعم إفساح الطريق لبناء مرفق صرف صحي يموله البنك الدولي. وفي جنوب أفريقيا، هدمت مدينة كيب تاون ما لا يقل عن 49 كوخًا في بلدة خايليتشا في أبريل/نيسان الماضي، بعد هدم خمسة منازل في بلدية إيثيكويني في نهاية مارس/آذار.
فيما قامت البرازيل بإخلاء مجموعة من السكان الأصليين، من مستوطنة غير رسمية في الأمازون، وكذلك العديد من العائلات في مدينة ساو باولو، مما جعلهم يكافحون من أجل البقاء آمنين خلال وباء كوفيد ــ 19، في ما تعد حاليًا ثاني أكثر البلدان تضررًا من الوباء في العالم.
كما تجري عمليات الإخلاء في كولومبيا: حيث قام مكتب عمدة بوغوتا، والقوات العامة الكولومبية بإخلاء العديد من العائلات من منازلهم في منطقة ألتوس دي لا إستانسيا Altos de la Estancia، حيث تدعي السلطات أن السماح لهم بالبقاء يعرضهم لخطر الانهيارات الأرضية. وفي وسط الجائحة، اختارت السلطات هناك بدلاً من ذلك، تعريض هذه الأسر المشردة لخطر الإصابة بالفيروس التاجي ، فليس لديهم مكان آخر للعيش فيه، ولم تقدم لهم أي مساعدة من الحكومة. كما كانت هناك محاولة واحدة على الأقل للإخلاء العنيف في مدينة غواتيمالا، حيث حاولت قوات أمنية الخاصة في أبريل / نيسان الماضي إبعاد أفراد مجتمع مايا كيكيشي من الأراضي التي تطمع فيها شركات تصنيع زيت النخيل الخاصة العاملة في المنطقة.
وتتواصل عمليات الإخلاء هذه، على الرغم من الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي، لوقف عمليات الإخلاء، واتخاذ تدابير لحماية المحتاجين. في مارس/آذار، وبعد فترة وجيزة من ظهور الآثار المدمرة المحتملة للوباء، أصدرت شبكة حقوق الأرض والسكن بيانًا تدعو فيه إلى فرض حظر تام على عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل، وعمليات النقل والتشريد القسري، من قبل الدوائر المختلفة في الحكومة، والقطاعات، والجهات الفاعلة، سواء في السياقات الحضرية، أو الريفية وتحث، من بين أمور أخرى، على إنهاء تسريح العمال، ووقف تحصيل الإيجار، ودفع القروض، والرهن العقاري، وتحويل المباني غير المستخدمة إلى سكن للمحتاجين. وقد دعا بعض السياسيين إلى حظر عمليات الإخلاء خلال الأزمة، اتخذت السلطات المحلية بالفعل في العديد من المدن، مثل هذه الإجراءات.
وقد تبع ذلك، توصيات أخرى من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان: في أبريل / نيسان الماضي، فقد أصدر المقرر الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، ملاحظات إرشادية لأزمة كوفيد ــ 19، بشأن حظر عمليات الإخلاء، وحماية المستأجرين، ودافعي الرهن العقاري. وفي مايو / أيار الماضي، أصدرت شبكة الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية ESCR-Net، نداءً عالميًا للتحرك، يطالب بوقف عمليات الإخلاء، ونزع ملكية الأراضي، وقطع المرافق، وغيرها من انتهاكات الحقوق ذات الصلة، فيما أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إرشادات كوفيد ــ 19، التي تحث على الممارسات الجيدة مثل وقف عمليات الإخلاء، وتأجيل مدفوعات الرهن العقاري لمنع زيادة التشرد.
وقامت بعض البلدان بفرض حظر محدود على عمليات الإخلاء، منها العديد من الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك ، فإن الوقف الاختياري هذا، إلى جانب تدابير الإغاثة المؤقتة الأخرى المعمول بها، إما أن تنتهي الآن (أو قريبًا). ويتنبأ الخبراء حالياً بـ سيل من عمليات الإخلاء عبر البلاد، في الأشهر المقبلة: في حين أنه ربما تم حظر عمليات الإخلاء الجسدي، مازالت المحاكم مفتوحة، لسماع القضايا، وإستعداد الملاك لإخلاء المستأجرين فورًا بمجرد رفع هذا الحظر. وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى ، تُظهر التوقعات أيضًا أن عمليات الإخلاء هذه، ستضرب مجتمعات الأقليات بشدة. لفتت أزمة الإخلاء التي تلوح في الأفق انتباه الكوميديين المحنكين سياسيًا جون أوليفر وحسن ميناج، اللذين التقطوا بإيجاز العلاقة بين السكن والصحة: إذا كنت ستلجأ إلى مكان، فأنت بحاجة إلى جزء من المأوى.
الصورة: كتابة على الجدران بالجرافيتى تقول إضراب الإيجار في حي كابيتول هيل، في سياتل واشنطن (الولايات المتحدة الأمريكية)، في أبريل/نيسان الماضي 2020. المصدر: Ted S. Warren / AP.
|