الأسباب الجذرية
لقرون، ظل الحكماء يقولون إن درهم وقاية خير من قنطار علاج. ويمكن تكرار الأمر نفسه بسهولة في عصر الجائحة، وتغير المناخ والصراع الذي يبدو مستعصي، مما يترك عذرًا ضئيلًا لنسيان هذا القول القديم. فبينما تستمر الحكومات، والسياسيون، والمنظمات الإنسانية بتنوعها في إعادة تعلم الدروس القديمة، من بينها أسباب الحرب، والدمار البيئي، وعواقب التراخي في مواجهة الأمراض الوبائية على مدى القرن الماضي.
مؤهلة بحكمتها الشعبية، وأبحاثها وخبراتها العملية، وتحليلها للسياسات، ووجهة نظر محددة لاغنى عنها، من خارج البيروقراطيات المتضخمة والمتحجرة، سعت منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية عمومًا، إلى تحديد ومعالجة الأسباب الجذرية، لتلك لمشاكل التي يبدو أنها تتكرر بانتظام عنيد. ربما تكون منظمات المجتمع المدني مهيأة لهذا النهج من السياسات الأكثر اقتصادا، لتجنب التكاليف الطويلة الأجل بسبب وعيها بالندرة، بينما تحاول جاهدة القيام بالكثير بموارد قليلة للغاية.
وبشكل واعد يذكرنا العدد الحالي من نشرة أحوال الأرض، كيف أن تلك الدروس ومقدميها المدنيين، متعلقة بوعود التنمية المستدامة العالمية، والنية المعلنة للمشاركة الفعالة والإنصاف، وتجنب الأزمات. فالارتقاء الراهن نحو اتساق السياسات لكي تعمل على تحقيق الموائمة بين المساعدات الطارئة قصير الأجل، مع نُهج بناء التنمية طويلة الأجل، ومن خلال إطار التزامات حقوق الإنسان الوقائية والمنصفة، الملزمة بموجب المعاهدات. وهو ما يشكل الركيزة الأساسية في تعهدات الدول لأجندة 2030، وهذا ما يذكرنا به بيان التحالف الدولي للموئل بشأن المندى السياسي رفيع المستوى 2020. ففي الدورة الكاملة للمنتدى السياسي رفيع المستوى، ووسط الاستعراضات الخاصة بالدول عن التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في كل من، جزر القمر، ليبيا، المغرب، سوريا، بجانب أقاليم أخرى، يعيد المجتمع المدني بتذكيرنا مرة أخرى، لماذا تم تعلم تلك الدروس بالفعل، وكيف أدى الإخفاق المهيب في الإنتباه إليها قد أثر علينا جميعاً كمواطنين وطنيين، وعالميين.
يسلط هذا العدد من نشرة أحوال الأرض في الوقت المناسب، الضوء أيضًا على الجهود القيادية الواضحة للمجتمع المدني، لتقييم تنفيذ أدوات عالمية أكثر تحديدًا، في المراقبة الحالية لإطار العمل بشأن الأمن الغذائي والتغذية في الأزمات الممتدة، والذي تم اعتماده في عام 2015، على أساس تحديد ومعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة. و يتصادف أن تتجلى في دائرة الضوء، الأزمة المعقدة التي يعاني منها لبنان حالياً، فيما يخضع هذا البلد للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وكان جزء من دور المنظمات المدنية تقليديًا، هو التقييم الصادق لعواقب السياسات، المصاغة بشكل نخبوي، كما يشعرون على أرض الواقع. ومرة أخرى، في هذا العدد العشرين، يتيح منظورهم المستقل، وجهة النظر الأوسع اللازمة، لرؤية الظلم المصمم والمتأصل في اتجاهات مثل سياسات الإسكان النيوليبرالية في أوروبا، ومشاريع المدن العملاقة في المملكة العربية السعودية، مع توقع عواقب وخيمة للتشرد الذي يلوح في الأفق وسط جائحة كوفيد ــ 19، على الرغم من الدعوات إلى وقف عالمي لعمليات الإخلاء.
ومرة أخرى، تعمل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كخط لتلك الحكمة العريقة، ولكن أيضًا تقدم بعض من الأمثلة الرئيسية، للجرائم المنظمة العابرة للحدود، في شكل الضم، والفصل العنصري، ونزع الملكية، ونقل السكان، وما يقابلها من إفلات من العقاب. سواء كان في فلسطين، أو الصحراء الغربية. في هذا العدد، يسلط المجتمع المدني الضوء على هذه الموضوعات، وموضوعات أخرى لم يتم الإبلاغ عنها، مثل عدم امتلاك الأراضي، والقتل المتسلسل للمدافعين عن الأراضي في جميع أنحاء العالم، و إحصاء التكاليف الحقيقية التي تتكبدها النساء من مصادرة الأراضي والمنازل، ومخاطر فقدان الوثائق المدنية، في سياق النزوح الناجم عن الصراع. ومع ذلك، فإنه يطرح أيضًا حلولاً لتلك الجرائم، كما هو واضح بشكل عام في عملية إزالة التمكين في السودان، وبشكل أكثر خصوصية في الجزء العملي الثاني من دعوة من جبال النوبة.
بينما تحفز المصالح السياسية والأيديولوجية والاقتصادية القوية، التهرب الرسمي من الدروس المستفادة بالفعل، في هذا العدد من نشرة أحوال الأرض، يذكرنا باهتمام المجتمع المدني بالأسباب الجذرية، وتذكيرنا بنتائجهم المتوقعة بتقدمهم أو تراجعهم.
في تلك الفترة أيضاً، نتمنى التوفيق لمرشحين إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الانتخابات الجارية لمجلس إدارة التحالف، لمواصلة هذا التقليد البالغ الأهمية.
|