معدمي الأراضي في الشرق الأوسط/شمال أفريقيا
الأشخاص والجماعات من معدمي الأراضي هي ظاهرة عالمية تصيب الملايين. فهؤلاء الذين لا يملكون أرضاً لديهم قصص مروعة ليرووها. ومع ذلك، وخلال جائحة كوفيد ــ 19، عبرت المجتمعات المحلية المرتبطة بالأرض، والشعوب الأصلية، كيف أن العودة إلى أراضيهم هو أمر ضروري لقوتهم باعتبارها قضية بقاء على قيد الحياة.
فكل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمنان أنه لا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه. كما يُلزم هدف التنمية المستدامة رقم (1) في جدول الأعمال العالمي 2030، جميع الدول بالقضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، وبشكل أكثر تحديدًا، وتدعو الغاية (1- 4)، جميع الدول إلى ضمان تمتّع جميع الرجال والنساء، ولا سيما الفقراء والضعفاء منهم، بنفس الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، وكذلك حصولهم على الخدمات الأساسية، وعلى حق امتلاك الأراضي والتصرّف فيها وغيره من الحقوق المتعلّقة بأشكال الملكية الأخرى...
في إقليم الشرق الأوسط / شمال أفريقيا، قضية عدم امتلاك الأراضي حقيقة يصل عمرها لقرون. ومع ذلك، يحظى عدم امتلاك الأراضي في هذه المنطقة بقدر قليل من الاهتمام العام، في حين أنها قضية ملحة لزيادة الملايين. وتواجه هذه المنطقة بشكل فريد التأثر الكامل لأثار تغير المناخ في آن واحد: الاستنزاف المائي ومخاطر الجفاف، بالتزامن مع انخفاض غلات المحاصيل. ويضاف إلى ذلك، بشكل استثنائي، التوسع الحضري المتفشي، وغير العادل من الناحية المكانية، سواء كان غير رسمي أو مخطط له.
في هذا السياق المزري، تتسبب بالفعل الظروف التي صنعها الإنسان، بالجزء الأكبر من عدم إمتلاك الأراضي في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتمثل الانتفاضات الماضية، والحالية، والمستقبلية، في منطقتنا أمثلة على ردود الفعل العرضية، لنظام راسخ منذ أمد طويل، لفرض الضرائب على المواطنين الأفراد، ولا سيما العمال، وأولئك الذين يطعموننا، مع خصخصة الأصول العامة في تكاتف مع المصالح المالية العالمية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الاعتماد على سلاسل الغذاء العالمية، والوجبات الغذائية المستوردة قد أدى إلى تآكل السيادة الغذائية للإقليم، كما قلل من قيمة تراثها الغذائي.
وقد عادت احتكارات الأراضي القديمة إلى الظهور في أيدي الشركات الأجنبية أو المحلية، أوالتي تتم إدارتها بشكل مشترك مع الملاك القدامى، مما أدى إلى عكس مسار الإنجازات التي حققتها السياسات السابقة لإصلاح الأراضي. على الصعيد العالمي، فقد أُعلن أن الإصلاح الزراعي مع توزيع الأراضي أمر ميت في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه تم إحياؤه على جدول الأعمال الدولي في عام 1996، من خلال مطالب حركات الفلاحين حول العالم. ومع ذلك، حتى هذا التطور المأمول لم يؤثر على الإقليم، حيث يستمر حرمان المزارعين والفلاحين والرعاة، من حقوقهم الإنسانية في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والمفاوضات الجماعية، والمشاركة في الحياة العامة، من قبل تلك الشركات المتحالفة مع مسؤولينا التنفيذيين الوطنيين، والهيئات التشريعية، والقضاء، والقوات المسلحة، والقطاع الخاص.
في عام 2006، انضمت تسع دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى 87 دولة أخرى في الاعتراف بأهمية إنشاء إصلاح زراعي مناسب لتأمين الوصول إلى الأراضي، وذلك في إعلان عام 2006، الصادر عن المؤتمر الدولي للإصلاح الزراعي والتنمية الريفية، وما تم تنفيذه بالفعل كان أحد إصلاحات الأراضي بمساعدة السوق الممول من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، ويشمل إما بيع الأراضي الزراعية لمن يدفع أعلى سعر، أو إجبار الفلاحين على دفع ثمن الأرض التي يحرثونها بأسعار السوق الباهظة.
ومع ذلك، في مجال الالتزامات العالمية، صوتت كل الدول في المنطقة (باستثناء إسرائيل) لصالح إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الفلاحين وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية، الذي تم إقراره في عام 2018.
كما أضافت النزاعات والاحتلالات والحروب فحسب، إلى العوامل الهيكلية المشتركة عبر منطقتنا لتجريد الناس- وخاصة الأشخاص الذين يعتمدون على الأرض - من سيادتهم الدائمة والمشروعة على أراضيهم ومواردهم الطبيعية. فبرامج إصلاح السياسات التي تعيد توزيع الأراضي الريفية والحضرية، على من يحتاجون إليها لأجل تحقيق قدر ضئيل من العدالة الاجتماعية، قد ألغيت من كافة الأجندة الرسمية. حتى أهداف التنمية المستدامة، والالتزامات ذات الصلة حتى عام 2030، تفتقر إلى الأهداف، ومؤشرات التقدم التي لا غنى عنها، لمعالجة حالة عدم امتلاك الأراضي ، على الرغم من الاعتراف البلاغي، في عدم ضمان حيازة الأراضي باعتباره سبب رئيسي للفقر الذي سينتهي في العقد المقبل.
وبعد وضع الأسباب الجذرية للفقر متعدد الأبعاد في المنطقة العربية، أبلغت الإسكوا ، بأن 70٪ من الفقر في الإقليم لا يزال يتركز في المناطق الريفية. في الوقت نفسه ، تفتقر معظم البلدان إلى الإدارة المسؤولة للأراضي، وإلى أفضل الممارسات العالمية، والتعهدات المتعلقة بسياسات الإنتصاف، مثل الخطوط التوجيهية للحيازة، للجنة الأمن الغذائي العالمي، وإطار العمل للتحرك في الأزمات الممتدة، الذي لم تتم الاستجابة له وغير معروف إلى حد كبير عبر الحكومات والمؤسسات ذات الصلة في منطقتنا.
الأزمات المتصاعدة والدورية التي يتم تشاركها مع بقية العالم محسوسة بشكل غير متناسب في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. ومع ذلك، وفي هذا المنعطف، يتقارب المجتمع المدني في الإقليم بشكل طبيعي مع نظرائه في جميع أنحاء العالم، للدعوة إلى اتباع نهج تصحيحي للأشخاص معدومي الأراضي في إقليمنا، كأولوية قصوى، وتحتاج إلى تحقيق أعلى مبادئ الأسس الأخلاقية لمجتمعاتنا، مع تفعيل الوسائل الوطنية للإنتاج، والسعي لتحقيق التنمية المستدامة مع السيادة الغذائية التي يستحقها الجميع.
وتلك الصفحات من نشرة أحوال الأرض، مخصصة لتوجيه تلك الرسائل المنصفة، حيث سيجد القراء مزيدًا من التفاصيل حول المجتمعات وتجارب عدم امتلاك الأراضي في الأعداد المستقبلية.
الصورة: قرية العيسوية الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي اعتادت أن تكون مجتمعاً زراعياً مزدهراً، أصبحت معدومة الأراضي، نتيجة العمليات الإسرائيلية لنزع الملكية. المصدر: مركز أبحاث الأراضي.
|