إزالة تمكين نظام البشير من أجل تمكين الناس في السودان
عقب إسقاط نظام محمد عمر البشير، في إبريل/نيسان 2019، تم تشكيل مجلس سيادي انتقالي في سبتمبر/أيلول 2019، برئاسة عسكرية، وعضوية 6 مدنيين، و5 عسكريين، وتشكيل مجلس وزراء مدني، ووضع وثيقة انتقالية دستورية نحو نظام ديمقراطي لمدة ثلاث سنوات (2019–2022)، ثم أقر المجلس الانتقالي في نوفمبر/ثلاثة قوانين ذات أولوية لتأمين مرحلة الانتقال السياسي، وهي:
لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة
في شهر يسمبر/كانون الأول الماضي، تم تشكيل لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، من ممثلين عن المؤسسات العسكرية، والأمنية، والمدنية والمالية، والقضائية. بعد مرور ستة أشهر على عملها أعلنت اللجنة أنها استردت 440 قطعة أرض سكنية وتجارية من عائلة البشير ونائبه الأول، ومدير جهاز الأمن السابق، بالإضافة إلى 157 قطعة أرض سكنية، 224 قطعة أرض تجارية كانت مملوكة لرجال أعمال وشركات مقربة من نظام البشير، وآلت إليهم بصورة غير مشروعة. فعلى سبيل المثال كشفت لجنة إزالة التمكين أن زوجة مدير الشرطة الأسبق في نظام البشير الفريق محمد نجيب، أستحوذت بمفردها على 133 قطعة أرض، تضم مدينة سكنية كاملة، تقدر مساحتها 680.000 متر مربع في مدينة الخرطوم بحري. أنظر تقرير اللجنة عن الممتلكات التي تم استردادها. كما أعلنت اللجنة أنها اكتملت من تشكيل لجان إزالة التميكن في مختلف الولايات بالسودان بنسبة 80%، خاصة في المناطق التي يدور فيها الصراعات المسلحة ومنها إقليم دارفور (شمال وغرب دارفور)، وإقليم كردفان.
كما طالبت قوى التغير والحرية لجنة إزالة التمكين بتكثيف جهودها في كشف فساد ملف غياب الشفافية عن عائدات النفط والتعدين، خاصة الواردة في اتفاقية السلام الشامل بين السودان، ودولة جنوب السودان. كما كشف تقرير لمنظمة النزاهة الدولية في مايو/آيار الماضي عن السودان ونزاهة التجارة، أن هناك تلاعب كبير في صادرات النفط والذهب، بمراجعة أرقام صادرات البلاد المعلنة من قبل حكومة السودان، ومقارنتها بالبيانات التي تحصلت عليها من 70 دولة من الشركاء التجاريين للسودان. أما الذهب فقد سجلت السودان أنه في الفترة من 2012-2018، بلغت صادرات الذهب نحو 8.6 مليار دولار، في حين تظهر سجلات شركائها التجاريين أنها استوردت بقيمة 12.7 مليار دولار، أي أن هناك فجوة بقيمة 4.1 مليار من صادرات المبلغ عنها من الذهب من قبل الحكومة السودانية.
تحديات إنهاء الصراعات المسلحة وتمكين المجتمعات المحلية
هناك العديد من التحديات بجانب الأزمة الاقتصادية، تقف أمام عملية التحول الديمقراطي وبناء دولة سلام بشكل مستدام، ومن تلك التحديات هي الصراعات المسلحة التي تسبب فيها ممارسات حكم البشير منذ عقود، نتيجة خصخصة دائرة صغيرة من نظام البشير لكافة الموارد الطبيعية من نفط وذهب وا أرا ضي زراعية، مع إهمال الخدمات الاجتماعية الأساسية للسكان والمجتمعات المحلية خاصة في المناطق التي تشهد الصراعات المسلحة (دارفور، كردفان، النيل الأرزق، وسنار).
ولاتزال، رغم إسقاط نظام البشير، الصراعات المسلحة دائرة على أشدها، في دارفور، وكردفان، ومازال تشريد ألالاف السكان مستمر، لأن الحركات المسلحة الكبرى في السودان، (حركة تحرير السودان-جناح أركو مناوي، والحركة الشعبية-قطاع الشمال، وحركة العدل والمساواة)، لم يتم إشراكها في عملية المرحلة الانتقالية، ولم توقع على الإعلان السياسي. وفي وسط جائحة كورونا وتأثر الالاف من النازحين من الحصول على الغذاء نتيجة الحظر والتنقل بين الولايات، فقد تجدد الاشتباكات المسلحة في دارفور، و تشريد موجة جديدة من النزوح 57 ألف أسرة في غرب ووسط دارفور منذ يناير/كانون الثاني، وحتى يونيو/حزيران 2020. كما تجددت الصراعات القبلية المسلحة في منطقة كادقلي، جنوب كردفان كذلك في يونيو/حزيران الماضي، وتشريد 12 ألف أسرة (ما يقابل 20 ألف وربعمائة شخص) من المزارعين من منازلهم، ومقتل 26 شخص، وتدمير ثلاثة أحياء سكنية.
ويبدوا أن الملفات المعقدة من تقاسم الموارد الطبيعية، وإدماج تلك الميليشات في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وتوفير موارد ضخمة في ظل الأزمة الاقتصادية لمعالجة قضايا جبر الضرر، وبما في ذلك إعادة التوطين وإعادة التأهيل، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الأساسية، هي التي تعيق وجود أي تقدم مبدئي في تحقيق اتفاق للسلام.
الوضع في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة على الموارد الطبيعية، يمثل تحدياً رئيسيا وأكبر من مهام لجان إزالة التمكين واسترداد الأموال، فالأمر لا يقتصر فقط على تسجيل واسترداد العقارات والأصول المنهوبة في تلك المناطق من قبل نظام البشير السابق، لكن ينبغي أن يكون هناك توثيق للاسباب الجذرية للصراع، والتي تتضمن التهميش الاقتصادي والاجتماعي الممنهج، والفشل في إدارة التنوع العرقي والقبلي، وعلاقتهم بأشكال الحيازة التقليدية للأراضي، والتي ولدت الصراعات المسلحة خاصة بعد إزدياد التنافس على الأراضي، عقب إنفصال جنوب السودان في عام 2011. وما ساهم فيه قانون الأراضي غير المسجلة 1970، وتعديلاته المتعاقبة، وكذلك قانون الاستثمار العام الصادر في عام 1990، في نهب مساحات شاسعة من الأراضي خاصة من أصحاب الحيازات الصغيرة.
ولذلك، ينبغي أن يكون هناك رؤية استراتيجية متكاملة بين مهام لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال في مناطق الصراعات المسلحة، وإجراءات عملية التفاوض السياسي مع الحركات المسلحة في توقيع اتفاق للسلام، وانهاء الصراع المسلح، لاسيما في توثيق أراضي المجتمعات المحلية التي نهبها نظام البشير السابق، ووضع خطة لتحقيق مبادئ العدالة الانتقالية، ومن ضمنها جبر الضرر للضحايا، وبما في ذلك إعادة تأهيلهم، وهذا يتطلب تحمل مسؤولية المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في مساعدة الحكومة السودانية لوضع تلك الرؤية وفق نهج حقوقي يعتمد على ضمان ترسيخ مفهوم الأمن البشري التي أقرتها الجمعية العامة الأممية في أكتوبر/تشرين الثاني 2012، ومبادئ الأمم المتحدة بشأن رد المساكن والممتلكات إلى اللاجئين والنازحين (مبادئ بينييرو) يونيو/حزيران 2005. حتى يكون السلام محوره الناس وتمكين المجتمعات المتضررة من الصراع، بعد إزالة تمكين النظام السابق واسترداد أصول الناس التي نهبت على مدار عقود، وليس خلق سلطة وقوة جديدة للحركات المسلحة وخلق صراعات فيما بينها للسيطرة على الموارد الطبيعية، كما هو الحال المأساوي في دولة جنوب السودان.
الصورة: لقطة مميزة ألاء صلاح خلال انتفاضة 2019 لأجل الديموقراطية في السودان. المصدر: Buzzfeed.
|