English عن التحالف اتصل بنا العدد 20 - آب / اغسطس 2020 الرئيسسة
تطورات اقليمية

التوثيق لضحايا انتهاكات السكن، والأراضي، والممتلكات في حالة الحروب

على الرغم من المحظورات في القانون الدولي، إلا أن النزاع والحرب يتسمان بالقصف وتدمير الأحياء المدنية وسرقة الممتلكات بشكل منهجي، التي ترقى إلى جرائم الحرب. يواجه الضحايا، الفارين من أجل إنقاذ حياتهم، معركة أخرى في حالة السلام أو العودة الطوعية الأخرى، مما يديم الإحباط للنازحين واللاجئين والبلدان المضيفة لهم. وقد تمت الإشارة إلى العداء الدائم الذي يواجه هؤلاء الضحايا على أنه تسليح المساكن والأراضي والممتلكات.

مصادر القانون الدولي، وأهمها وقرار الجمعية العامة A/RES/56/83، لسنة 2002 المسؤولية الدولعن الأفعال غير المشروعة للدولاً، ومادته 31المتعلقة بجبر الضرر، وبغض النظر عن الجاني، مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية المتعلقة برد المساكن والممتلكات للاجئين والنازحين (مبادئ ﭙينْيَيرو)، والمبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي (2006).

وكل هذه القواعد تعترف بحق المتضررين ومن بينهم النازحين والمبعدين قسرياً، في استرداد واستعادة ممتلكاتهم والعوة إلى ديارهم الأصلية، ومسؤولية الدول في تحقيق جبر الضرر، من أجل استعادة القانون، وتحقيق الأمن والسلم المجتمعي. يسود هذا الواجب على الرغم من صعوبات وتعقيدات في تنظيم جهد وطني، يعمل على تحقيق الظروف المهيئة للعودة الطوعية واسترداد الممتلكات، حين يمارس أطراف الصراع ليس فقط تدمير ونهب الممتلكات، ولكن كذلك، تدمير سجلات الملكية، وصكوك الحيازة، بل ونقل حيازتها لأشخاص أخرين. هذه المضاعفات تميز المواقف في حالة الصراعات المسلحة في سوريا، واليمن، وكذلك العراق.

لذلك، من الضروري تطوير آليات لتوثيق وتسجيل أصول النازحين والمبعدين قسرياً من أراضي ومساكن وممتلكات، وحمايتها من عمليات النهب، أو المصادرة بموجب القوانين والتشريعات التي يستغلها الطرف المسيطر على المناطق والأحياء والسكنية التي هجرها سكانها بحثاُ عن ملاذ أمن لحياتهم. ولا يجوز أن نتيجة الجرائم الأساسية إلى تغير في البنية الديمغرافية لتلك المناطق. وإن يأكد المبدأ ﭙينْهَيرو 15 على أهمية تسهيل عملية التسجيل والتوثيق لممتلكات النازحين خاصة الذين كانوا من المستأجرين، أو غير المالكين، أو كانو من الشاغلين الثانويين.

ففي تجربة العراق، وعان المدنيون من تبعات حرب إسقاط نظام صدام حسين، ثم الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. فبالرغم من إنشاء لجنة المطالبات بالممتلكات في العراق، في عام 2004، والتي أمتد نطاق ولايتها في عام 2015 ليشمل كذلك تغطية ضحايا انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الآليات التي تم تطبيقها من أجل استرداد الأراضي والممتلكات والمساكن، أو الحصول على التعويض المادي جراء فقدانها، لم تكن تراعي بالقدر الكافي القيم الفعلية لتلك الأصول. وفضلا عن ذلك، تراكم أعداد القضايا، وبطء الإجراءات التي قد تأخذ سنوات طويلة، مما أفقد الضحايا الثقة في قدرة الحكومة في مساعدتهم لاسترداد ممتلكاتهم، خاصة مع ضعف إجراءات تطبيق المعايير الدولية على المستوى المحلي، وسيطرة آليات العدالة العرفية. وهذه العوامل ساهمت مزيد من العوائق أمام إعادة الممتلكات للضحايا خاصة الذين فقدوا مستندات حيازتهم أو كانوا من أصحاب الحيازات غير الرسمية. وهذا يعود إلى الضعف أو الافتقار إلى أدوات لتوثيق وتسجيل ممتلكات المدنيين وقت نزوحهم من مدنهم وقراهم الأصلية، فضلا عن عدم وجود منظومة شاملة وعادلة، تحترم حق إعادة الممتلكات إلى ضحايا انتهاكات الأراضي والممتلكات.

أما عن الوضع في اليمن، فهو أكثر تعقيداً في تشخيص آليات تسجيل أو توثيق الممتلكات، بسبب سيطرة القواعد العرفية التقليدية على إدارة موارد الأراضي والمياه، ولذلك، حالات الصراع على الأراضي والمياه هي الأكثر شيوعاً في اليمن. فعلى الرغم من وجود نظام رسمي لنقل الملكية، إلا أن معظم عمليات النقل لا تسجل رسمياً، ففي العاصمة لم يسجل فقط سوى 20% من عمليات نقل ملكية الأراضي، وأن عملية التسجيل للممتلكات على المستوى الوطني لا تتعدى ما بين 5 و10% فقط، مما يعني أن تسجيل الملكية لا يكفي لضمان الحق في الأرض.

وبالتالي، ظهرت تبعات تلك التعقيدات بشكل واضح، في حالة ما بعد حرب الوحدة 1994، ثم اندلاع الصراع المسلح الداخلي بين الحوثيين والقوات الحكومية الشرعية. فبعد حرب الوحدة تم النهب والاستيلاء على أراضي وممتلكات الجنوب بشكل ممنهج على مدار سنوات لصالح متنفذين شماليين، مع إبعاد موظفين الجنوب من مؤسسات الدولة. فضلا عن إدارة توزيع الأراضي والموارد الطبيعية بشكل متفرد وغير قانوني من قبل نظام علي عبد الله صالح السابق، لضمان ولاء القبائل والمشايخ لدعم نفوذه ونظامه السياسي. وبعد محاولات وطنية لعمل مصالحة شاملة 2014، وإنشاء لجنة لمعالجة الأراضي والممتلكات التي نهبها نظام على صالح، زاد الوضع تعقيداً مع نشوب الصراع على السلطة مع ميليشيات الحوثيين، وسيطرتها على العاصمة صنعاء، ومؤسسات الدولة، حيث تمارس تلك الميليشيات عمليات ممنهجة في تدمير أصول ومستندات الملكية للأراضي والعقارات العامة والخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، فضلا عن عمليات التهجير القسري في مناطق صعدة، ودماج، وعمران، وتعز. لذلك لا تزال هناك ضرورة ملحة لدعم جهود المجتمع المدني في تطوير آلية لتسجيل ممتلكات ضحايا نهب الأراضي والمساكن والممتلكات، التي نهبت مرة من قبل نظام على صالح، ثم نهبت مرة أخرى من قبل ميليشيات الحوثي.

في حالة سوريا، والتي تتخذ من عمليات هدم الأحياء السكنية، ونهب وتدمير الممتلكات والمساكن للمدنيين، تكتيك حربي ممنهج، بغرض إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي لتلك المناطق، بل وتعدى الأمر ليشمل أيضا إصدار تشريعات ومراسيم تهدد ملكية النازحين لأملاكهم ومساكنهم في المناطق التي يستعيد النظام السيطرة عليها، مما يهدد فرص ضحايا تلك الانتهاكات في استعادة واسترداد ممتلكاتهم مرة أخرى بعد عودتهم. تشير التقارير أن 27% من مخزون المساكن في سوريا قد تضررت من الحرب، من ضمنها تدمير ما لايقل عن 7% بشكل كلي، وتدمير 20% بشكل جزئي، حتى عام 2017، تم تدمير 238,311 منزل بشكل جزئي،  78,339 بشكل كلي في عشرة مدن رئيسية. أخر تلك الممارسات الممنهجة تدمير مدينتي معرة النعمان وسراقب بشكل كامل، ومصادرة ممتلكات سكانها في 2019.

وتزامناً مع تلك العمليات العسكرية لاستهداف الأحياء السكنية، أصدرت الحكومة السورية مجموعة من القوانين والمراسيم التي ترسخ التغير الديمغرافي، وفرغت بها الكثير من الأحياء من سكانها، وأحدثت تغير في نظام حقوق الملكية. ومنها المرسوم رقم 40 لسنة 2012، الخاص بهدم جميع المباني غير المصرح بها في الأحياء غير الرسمية، المرسوم رقم 66 لسنة 2012 لمنطقتين جنوب دمشق، والذي تتضمن أحكامه طرد السكان ومصادرة مالكي العقارات والشروع في مشاريع عقارية. وفي عام 2018، أصدرت الحكومة السورية القانون رقم 10 بتوسعة نطاق المرسوم رقم 66، ليشمل كافة المناطق السورية، يُتيح لأي جهة إدارية بتحديد مناطق إعادة مشاريع التطوير العقاري في الأحياء غير الرسمية داخل أراضيها، وجميعها تشمل المناطق التي شهدت معارضة قوية للنظام السوري. وهذه ليست سوى بعض من القوانين التي يحكم بها النظام السوري سيطرته على المناطق والأحياء التي كانت تعارضه.

وأمام تلك التحديات، يناضل المجتمع المدني من أجل إنشاء آليات لتسجيل وتوثيق ملكيات النازحين واللاجئين السوريين، خاصة في المناطق التي تد تدميرها وتهجير سكانها بشكل كامل، وحفظ نسخ احتياطية من الوثائق المثبتة للملكية، والاستماع لشهادات الشهود والضحايا بهذا الخصوص. منها على سبيل المثال مبادرة تجمع المحامين السوريين الأحرار. وقد خلقوا منصة إلكترونية لتوثيق ملكية الفرد العقارية في مختلف مناطق النزاع السوري، وتسجيل نوعية الاعتداءات التي تعرض لها العقار نتيجة النزاع.

في عام 2017، أجرى تقييم احتياجات من قبل المحور حماية لسوري مسحًا لتحديد نقاط استضعاف لـ13.5 مليون لاجئ ومشرد سوري. من بين 13 قضية حماية تم مسحها، كانت أعلى نسبة نقص/فقدان الوثائق المدنية، مما أثر على 83٪ من المجتمعات التي تم تقييمها. يعطي هذا المثال انطباعا عن حجم المشكلة التي تواجه النازحين في المنطقة الذين يصل مجموعهم من الصحراء الغربية إلى العراق أكثر من 33 مليون نسمة.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN