English عن التحالف اتصل بنا العدد 30 - تموز/ يوليو 2024 الرئيسسة
تطورات اقليمية

تقدير الخسائر في قطاع غزة

قامت إسرائيل، كسلطة إحتلال، عبر أراضي فلطسين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبشكل متكرر بتدمير البنية التحتية الفلسطينية للصرف الصحي والزراعة، وتجريف الأراضي المزروعة، واستخدام الأسلحة المحرمة مثل الفوسفور. وقد تُركت البيئة المتبقية نتيجة حصار إسرائيل، بإمكانيات محدودة للغاية للتكيف مع التغير المناخي في ظل الاحتلال. اتهم المراقبون إسرائيل بشن حرب بيئية غير مرئية منذ فترة طويلة، مما جعل قطاع غزة غير صالح للسكن، مع نظام بيئي سامة، ومجال حيوي للحرب، وفصل عنصري بيئي، ويهدد القدرة البشرية على البقاء، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

العمليات الإسرائيلة العسكرية المتسلسة على قطاع غزة، خلال أعوام 2008، 2012، 2014، 2021، 2022، مايو 2023 وأكتوبر 2023، تسببت في النزوح الداخلي، والتدمير المتكرر للبيئة القائمة؛ والمباني السكنية؛ والمصانع؛ والمباني الإدارية؛ والوحدات السكنية؛ المرافق التعليمية؛ ومراكز الرعاية الصحية؛ ورأس المال والأصول الإنتاجية، بما في ذلك الماشية، والصوبات الزراعية، وأشجار الفاكهة، ومرافق التخزين، والقوارب، ومعدات الصيد، والأعمال الزراعية، وقنوات الري، والطبقة الجوفية الطبيعية، وأنظمة ضخ المياه، ومرافق تحلية المياه، وشبكات الكهرباء والإنترنت.

ولم يكن استهداف منازل السكان الأصليين وملاجئهم والباحثين عن مأوى لهم مجرد نمط، بل كان استهداف منازل السكان الأصليين وملاجئهم والباحثين عن مأوى لهم، ممارسة شائعة للميليشيات الصهيونية الاستعمارية في فلسطين منذ فترة طويلة، وعقيدة للجيش الإسرائيلي منذ مارس 1948.

وقد قدم تقرير شبكة حقوق الأرض والسكن، لعام 2022 المستند إلى قاعدة بيانات الانتهاكات، عرضاً لحالات أزمة المياه في غزة التي دبرتها إسرائيل، والتلاعب البيئي والديموغرافي، الذي قادته المنظمة اليهودية الوطنية شبه الحكومية. ولم تؤدي أي من تلك الحالات من التدهور المتعمد للبيئة والموارد الطبيعية في فلسطين إلى تقدير التكاليف، الخسائر والأضرار للسكان المتضررين.

وفي الشهر ذاته الذي يصادف، اليوم العالمي للموئل وإصدار تقرير قاعدة بيانات الانتهاكات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت إسرائيل موجة عارمة من الدمار في قطاع غزة، بحجة الرد على عملية حماس ضد أهداف عسكرية إسرائيلية ومستعمرات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية داخل إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد أستحق الهجوم الإسرائيلي أن يكسب نفسه اتهامًا معقولًا بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية (ICJ) .

سيكون للأثر البيئي الناجم عن الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة طويل الأمد. فقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، كان الكثير من الممتلكات الخاصة والعامة والبنية التحتية، والضرر المؤسسي من العمليات العسكرية السابقة لم يتم إصلاح الكثير منها، بينما كان سكان غزة محصورين في واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم، في ظروف نزاع مزمن، مع وصول غير كافٍ إلى المياه النظيفة، بدون كهرباء لنصف اليوم وبدون نظام صرف صحي مناسب. كما أن ما يقرب من نصف قوة العمل في غزة كانت عاطلة عن العمل، وثلثا السكان كانوا يعيشون في فقر قبل الحرب الإسرائيلية.

حدد مؤشر الفرق النباتي الموحد (NDVI)،التابع لمركز الأقمار الصناعية للأمم المتحدة (UNOSAT) تغييرات ملحوظة التي تحدث في المناطق الزراعية، حيث تم تقيم الأضرار في انخفاض كبير في صحة وكثافة المحاصيل بحلول يناير/كانون الثاني 2024، نتيجة تأثير أنشطة مثل التجريف، ونشاط المركبات الثقيلة، والتفجير، والقصف العسكري وغيرها من الأفعال العسكرية الأخرى. وبدون التحقق من خلال المراقبة الميدانية، يتضمن تحليل مركز الأقمار الصناعية للأمم المتحدة، تقييم للأضرار على حقول المحاصيل الدائمة، والأراضي الصالحة للزراعة، والأراضي البور، والمقدرة بـ 178 كم²، مما يؤثر على حوالي 49% من إجمالي مساحة غزة.

في الوقت نفسه، وصل الضرر إلى حقول المحاصيل الدائمة والأراضي الصالحة للزراعة في دير البلح إلى 56%. بالإضافة إلى ذلك، زادت الأضرار في الأراضي الزراعية في محافظة خان يونس، حيث ارتفعت من 3% إلى 14% في الصور المجمعة في ديسمبر/كانون الأول 2023 ويناير/كانون الثاني 2024.

كما ظهرت أحد التقييمات البارزة للتأثيرات الاقتصادية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أجراها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية،(UNCTAD) بموجب قرار الجمعية العامة  A/RES/69/20 (2014)، والذي يكلفها بالإبلاغ عن الكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. كما أفاد مركز الأقمار الصناعية للأمم المتحدة (UNOSAT) بالأضرار المادية. وأفاد أن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية قبل وبعد الحصار الذي فرضته إسرائيل منذ عام 2007 تظهر جوانب من التراجع في التنمية في غزة.

ومع ذلك، انخفضت نسبة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في قطاع غزة إلى نظيرتها في الضفة الغربية من التكافؤ في عام 1994، عندما تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى 44% في عام 2007، ووصلت إلى 28% في عام 2022. على مدى أكثر من عقد ونصف، وتم استبعاد قطاع غزة إلى حد كبير من جدول التنمية، وتم تحويلها إلى منطقة كارثة إنسانية حيث يعتمد 80% من السكان على المساعدات الدولية. وفي ذلك الوقت، لم يتمكن تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، سوى التكهن بأن الأضرار ستصل إلى عشرات المليارات من الدولارات بأي تقدير متحفظ.

من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 1 أبريل/نيسان 2024، دمر القصف الإسرائيلي أكثر من 112,000 وحدة سكنية، وألحقت أضرارًا بـ 356,000 وحدة. شهدت محافظات غزة وخان يونس أعلى نسبة في الأضرار، مع أعلى عدد من الإنشاءات المدمرة حديثًا. هذا بالمقارنة مع هجوم إسرائيل لعام 2014 على قطاع غزة في عملية الجرف الصامد، حيث تضررت 22,737 منشأة خلال 51 يومًا من القصف الإسرائيلي على غزة.

وفي عملية التعافي، لن يعني عودة الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى مستويات ما قبل أكتوبر:تشرين الأول 2023، استعادة الرفاهية، لأن استعادة إجمالي الناتج المحلي، ونصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي – رغم صعوبة وطول المدة - لا تأخذ في الحسبان تكلفة استبدال الأصول المتضررة. ولا يفي هذا المقياس لـ المرونة (التعافي إلى الوضع السابق) بمتطلبات الإنصاف وجبر الضرر، ولا الزام القوة المحتلة (دولة إسرائيل) لضمان التنمية المستدامة، والتحسين المستمر لظروف المعيشة، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن جبر الأضرار. وفيما يتعلق بتكلفة مجرد استبدال الأصول المدمرة، في سيناريو متفائل لمعدلات النمو المزدوجة التي تسهلها ضخ نسبة كبيرة من المساعدات الأجنبية، ستستغرق عقودًا حتى تعود غزة إلى مستويات الرفاهية ماقبل أكتوبر/تشرين الأول 2023.

لم تقم  UNCTAD بتحديد التكاليف الشاملة، الخسائر والأضرار التي تكبدتها الحرب الإسرائيلية على غزة في 2023-2024، ولا تزال تلك القيم في تزايد. ومع ذلك، فإن تقييمها الأولي يقدم سيناريوهات لجدول زمني للتعافي. فعلى سبيل المثال، إذا توقفت الحرب الإسرائيلية عند وقت نشر تقييم  UNCTAD، واستمر متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي في قطاع غزة بنسبة 10% سنويًا ونمو سكاني سنوي بنسبة 2.8%، فإن نسبة الفرد من إجمالي الناتج المحلي في غزة، سيعود إلى مستواه في عام 2022 بحلول عام 2028، وإلى مستوياته في عام 2006 بحلول عام 2035، وقد يعود إلى مستواه في عام 1994 بحلول عام 2037.

على الرغم من أن المخاوف البيئية قد تبدو ضئيلة مقارنة بالمعاناة البشرية الكبيرة في القطاع، إلا أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكوارث الإنسانية المستمرة هناك. وبعد قبول طلب دولة فلسطين، أكمل للتو برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقييمًا بيئيًا أوليًا، على الرغم من أن الوضع الخطير جعل من المستحيل القيام بمهمة ميدانية، إلا أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة قدم تقييم الأثر البيئي.

ويشرح التقييم الأولي لـ UNEP سبعة عوامل رئيسية في تدمير إسرائيل لبيئة غزة:

  1. الصراع يفسد التقدم البيئي الأخير في غزة،
  2. تكدس حوالي 39 مليون طن من الحطام،
  3. إغلاق جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة،
  4. تضرر نظام إدارة النفايات الصلبة بشكل كبير
  5. الذخائر التي تحتوي على المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية المتفجرة لا تزال موجودة،
  6. لألواح الشمسية المدمرة تترك إرثًا سامًا
  7. أنفاق حماس قد تصبح أطلالًا خطيرة.

في الوقت نفسه، قطعت إسرائيل المياه، الوقود، الكهرباء، الاتصالات والمساعدات الإنسانية عن السكان المحليين، وكذلك منعت الوصول من قبل الداعمين الدوليين، مثل المنظمات غير الحكومية، والوكالات متعددة الأطراف. تشمل القضايا التي يجب تقييمها والخسائر والأضرار التي يجب تحديدها لتعويض المخاطر القريبة والطويلة الأجل، الناجمة عن تدمير البنية التحتية البيئية، والرفات البشرية، ومادة الأسبستوس والذخائر غير المنفجرة، والارتفاع الكارثي في تلوث الأرض، التربة والمياه، بالإضافة إلى الإنكار الممنهج لحقوق الفلسطينيين في الوصول إلى مياه شالرب المأمونة والصرف الصحي، مما يتسبب في زيادة الأمراض المنقولة بالمياه.

وعلى الرغم من المحاولات العديدة الملحوظة لتحديد حجم جبر الضرر المستحق للفلسطينيين، على مر العقود، لم تبدأ أي جهة في تحديد حجم التكاليف والخسائر والأضرار المتزايدة، والناجمة عن استعمار إسرائيل لفلسطين، وشن الحرب عليها على مدى قرن تقريبًا.

أنظر أيضا:

التقييم الأولي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ”الأثر البيئي للحرب في قطاع غزة: تقييم أولي للآثار البيئية“(يوليو 2024)؛

لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل، A/HRC/56/26/ 27 مايو 2024؛

التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، ”الأطفال والصراعات المسلحة“،A/78/842-S/2024/384، 3 يوليو 2024؛

 

صورة المقالة: أراضي زراعية في شمال قطاع غزة، تم تجريفها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية في عام 2023.

المصدر: Planet Lab PBC، Human Rights Watch.

 

انظر عرض الشرائح قبل وبعد: كيف دمرت إسرائيل قدرة غزة على إطعام نفسها


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN