الأنماط
يُفهم النمط عمومًا على أنه أي ترتيب مكرر بانتظام، بما في ذلك طريقة متكررة يتصرف بها فرد أو مجموعة تجاه هدف معين أو في موقف معين، والمعروفة أيضًا بنمط السلوك. لقد حدد المراقبون الحريصون على السلوك البشري من منظور شامل، أنماطًا مكررة عبر التاريخ.
كتب كارل ماركس، التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة، بينما يُنسب الاقتباس الأكثر شهرة حول أن التاريخ يكرر نفسه إلى جورج سانتايانا: الذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم بتكراره. حتى أن الكاتب المسرحي يوجين أونيل ذهب إلى حد القول، لا يوجد حاضر أو مستقبل، بل فقط الماضي يحدث مرارًا وتكرارًا الآن. لاحظ سيدني ج. هاريس لاحقًا أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن في تمويه ماكر لدرجة أننا لا نكتشف التشابه إلا بعد وقوع الضرر.
بالطبع، التجربة البشرية التي تتكشف مع مرور الوقت، ليست أبدًا نسخة طبق الأصل من الماضي، حيث تتغير السياقات. ومع ذلك، فإن التكاليف المختلفة، والخسائر والأضرار التي أشار إليها هاريس تشكل تذكيرًا صارخًا بعواقب التاريخ غير المتعلم. ويكشف هذا العدد من نشرة أحوال الأرض عن استمرارية جرائم إهلاك السكني والإبادة الجماعية التي تخص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم، ولكنها تتشارك أيضًا عبر الزمن والقارات.
قد يكون مثال الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، هو المثال الأكثر بروزًا في الوقت الحاضر. فهذا النمط الإجرامي امتد على مدار الاستعمار الصهيوني لفلسطين، والذي يتسم بالطمع في نهب الأراضي، واستهداف المنازل، والملاجئ والباحثين عن الملجأ، كسبب لقيام دولة إسرائيل، وكعقيدة عسكرية وممارسة ثابتة لها. ويضيف السياق الحالي الآن استخدام الذكاء الاصطناعي، كما أدانه المقررون الخاصون للأمم المتحدة في هذه الصفحات. ومع ذلك، فإن التكاليف والخسائر والأضرار في غزة لم تُحسب بعد بتلك الدقة الهادفة.
يستكشف هذا العدد، الخداع المتعلق بتجاهل العواقب البشرية والمادية وغير المادية الأخرى، كمسؤولية على الأجيال السابقة أو التاريخ القديم المختلق. كما نتذكر أصول الحرمان الأحدث،من خلال تحليل العقبات التي تحول دون إيجاد حلول في سوريا، وكذلك الإبلاغ عن النزوح الناجم عن الحرب التي استمرت لمدة عام في السودان، والغزو الروسي الذي استمر لمدة عامين لأوكرانيا، والحكم المباشر للهند في كشمير المحتلة لمدة خمس سنوات.
ويتميز أيضاً هذا العدد من نشرة أحوال الأرض،بملفات لأعضاء التحالف الدولي للموئل مثل منصة الزراعة الحضرية وشبه الحضرية في غزة (GUPAP) ومؤسسة اليوم التالي (TDA)، الذين يعملون في ظل الحرب والحرمان المستمر، من أجل البقاء بكرامة لأولئك المتضررين في فلسطين وسوريا، تباعاً. الهدف من منصة الزراعة الحضرية وشبه الحضرية، هو تحقيق السيادة الغذائية في غزة، وتكامله مع الجهود الرامية لتحقيق العدالة الغذائية، بما في ذلك المبادرات المدنية الواردة في هذا العدد، والتي اجتمعت في مشاورات إقليمية استراتيجية لمقاومة تحويل الغذاء إلى سلاح، وحرمان المنتجين الغذائيين عبر الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
بينما تسعى مؤسسة اليوم التالي، إلى استعادة حقوق السكن والأرض والممتلكات(HLP )، لأولئك الذين نزحوا بسبب النزاع و فقدوا ممتلكاتهم في سوريا، كما يجب على المتضررين من تأثيرات تغير المناخ أن يتمسكوا بالمعايير الإيجابية التي تم تطويرها لصالحهم. وتشمل تلك المعايير مبادئ بينهيرو، و التي ظلت لمدة ما يقرب من 20 عامًا، وتم استخدامها للإنصاف بعد مرحلة النزاع في مناطق أخرى، بالإضافة إلى المعايير الناشئة التي تعترف بطيف من الملكية الشرعية التي تم تحديثها في هذا العدد للاسترشاد بها في سبل الإنصاف وجبر الضرر.
وفي السعي وراء أنماط السلوك الإنصافي أو الإصلاحي، تنظر منصة الزراعة الحضرية وشبه الحضرية، وكذلك هذا العدد من نشرة أحوال الأرض، في استراتيجيات مثل الدعم النقدي والاستجابة للأزمات التي يقودها الناجون والمجتمع المحلي، مع الالتزام بالمعايير الإنسانية الأساسية.
وتظهر الأنماط المتوقعة في المجال العالمي أيضًا في مقال يلخص النمط المتكرر لانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالسكن والأراضي وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المصاحبة للأحداث الضخمة مثل الألعاب الأولمبية القادمة في باريس. كما يعود في هذا الصيف النمط السنوي لمراجعة أداء الدول في التزامات التنمية المستدامة لعام 2030،مع مشاركة أعضاء التحالف الدولي للموئل في المنتدى السياسي رفيع المستوى. ففي العام الماضي، وجدت تلك المراجعة مرة أخرى أن أداء الدول دون المستوى المطلوب، في منتصف المدة المحددة في أجندة 2030. وتظل الجهود مستمرة لكسر هذا النمط، وسط فشل متكرر في الحوكمة العالمية، في هذا العام المحوري، مع القمة القادمة للمستقبل وميثاق من أجل المستقبل الذي أثار الكثير من الجدل.
|