English عن التحالف اتصل بنا العدد 33 اكتوبر 2025 الرئيسسة
تطورات اقليمية

التمويل الأخضر في العراق

العراق مُعرّض بشدة لتغير المناخ، إذ يشهد تفاقمًا في موجات الجفاف والفيضانات وموجات الحر والعواصف الترابية، مما يؤثر بشكل مباشر على ندرة المياه والزراعة والصحة العامة والتنمية الاقتصادية. تُؤدي هذه الضغوط البيئية، إلى جانب مواطن الضعف المجتمعية القائمة نتيجةً للصراع، إلى نزوح داخلي كبير، وتصاعد النزاعات القائمة على الموارد، وضغط على البنية التحتية الحضرية.

 

يُفاقم الانخفاض المتوقع في معدل هطول الأمطار السنوي وتزايد التصحر مشكلة ندرة المياه. وقد أدى ذلك إلى موجات جفاف شديدة، ستكون الأسوأ منذ 40 عام في عام 2022، مما يؤثر على الزراعة وسبل العيش.

 

تنبع أزمة المياه الحادة في العراق من انخفاض تدفقات نهري دجلة والفرات، الناجم عن تغير المناخ والسدود القائمة في تركيا وسوريا وإيران، بالإضافة إلى سوء إدارة المياه الداخلية، وتقادم البنية التحتية، وتزايد التلوث. وقد أدى ذلك إلى انتشار الجفاف، ونزوح العائلات، وارتفاع ملوحة المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والاحتجاجات. وقد خفضت الحكومة خططها الزراعية، وتعمل مع شركاء دوليين لتطبيق سياسات جديدة، ورفع مستوى الوعي العام لمعالجة الأزمة، وتعزيز الاستخدام المستدام للمياه.

 

على الرغم من تحديات تغير المناخ العديدة التي يواجهها، يُعدّ العراق لاعبًا صغيرًا نسبيًا في مجال التمويل متعدد الأطراف لمشاريع التحول الأخضر. ومع ذلك، يشير التسلسل الزمني للتمويل في العراق إلى اهتمام متزايد من جانب المؤسسات الدولية بدعم التحول الأخضر، حيث لم تبدأ المشاريع الثلاثة المسجلة العمل إلا منذ عام 2023. ولم يُساهم حتى الآن سوى مرفقين للتمويل الأخضر متعدد الأطراف في تنفيذ مشاريع تخفيف أو تكيف مُختلفة، بالإضافة إلى مصادر أخرى لم تُستعرض هنا (أي التمويل الثنائي وتمويل الشركاتية).

 

منهجية البحث

 

ولكي يتسنى لنا تنظيم المعلومات وتقديمها لمساعدة الجمهور في تتبع التحرك المناخي، فإن التحدي الكبير الأول يتمثل في جمع كل المعلومات المتاحة حالياً في صيغة واحدة يسهل الوصول إليها. ويتحقق هذا التقييم من خلال البحث في المواقع الإلكترونية لجميع آليات متعددة الأطراف الرئيسية للتمويل المناخي ، خلال هذه الفترة منذ 2010 لغاية الآن. ومن أجل تمكين عمليات البحث عبر معايير متعددة، لابد من إنشاء مصفوفة واحدة ذات فئات متسقة ويبلغ عدد المشاريع الموجودة في العراق منذ 2010 واحد وستون مشروعاً وكان لا بد من إدخالها في المصفوفة: ثماني عشرمشروعا في الزراعة، واحدوعشرون في مجال الطاقة، ستة مشاريع في الأسكان، تسعة في قطاع المياه، خمسة للمؤسسات المالية، ثلاثة  في المصادر الطبيعية، ثمانية مشاريع للبنية التحتية، ثلاثة مشاريع في مجال النفايات الصلبه، وخمسة مشاريع في مجالات آخري.

 

لتسهيل البحث عبر معايير متعددة، كان لا بد من إنشاء مصفوفة واحدة بفئات متسقة. أُدخل المشاريع في العراق منذ عام 2010 في المصفوفة ضمن أعمدة مُصنّفة حسب مجالات التنمية، والقطاع (خاص أو عام)، وأغراض التخفيف و/أو التكيف، ومرحلة المشروع الحالية أو حالته، ونوع التمويل (منحة، قرض، أسهم (أي مستثمر خاص أو مساهمات محلية من أموال عامة).

 

من المهم الإشارة إلى أن هذه المنهجية لا تشمل سوى المشاريع التي تدعمها أهم مرافق تمويل المناخ متعددة الأطراف. ولا تشمل هذه الدراسة الاستثمارات الثنائية واستثمارات الشركاتية. ومهما بلغت أهمية أنشطة التمويل الأخضر، فإن تتبعها بشكل شامل أصعب بكثير، ولا تتطلب بالضرورة نفس القدر من العناية والدقة في أداء الدول لتطبيق الإطار المعياري والالتزامات الخارجية في التعاون عبر الحدود. وهذا يتطلب مستوى آخر من التدقيق في تحقيق منفصل.

 

ولضمان الاتساق في تحديد قيم المشاريع، تم حساب تحويلات العملات في تاريخ الموافقة على المشاريع.

 

شركاء تمويل المناخ

 

تغطي هذه المراجعة المشاريع التي تدعمها مؤسسات وآليات التمويل الأخضر التابعة لكل من

 

●  صندوق التكيّف  (Adaptation Fund–AF)

 ●صندوق التحول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA Transition Fund)

● المرفق البيئة العالمية ( (GEF–Global Environment Facility

● صندوق الاستثمار في المناخ  (CIF–Climate Investment Fund)

●  البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية  (EBRD–European Bank for Reconstruction and Development)

●  صندوق المناخ الأخضر (GCF–Green Climate Fund)

●  والبنك الدولي  (WB–World Bank)

 

حصلت العراق على تمويل لثلاثة مشاريع قيد التنفيذ من آليتين تمويليتين عالميتين: صندوق المناخ الأخضر (GCF) والمرفق البيئة العالمية ( (GEF.

 

يتضح أن صندوق المناخ الأخضر كان له دور بارز في تمويل مشروعات مرتبطة بالزراعة والتكيف مع التغير المناخي، حيث وفر منحًا تجاوزت قيمتها 29 مليون دولار، إلى جانب مساهمات إضافية من صندوق المناخ الأخضر بلغت حوالي 9.7 مليون دولار. أما البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فقد انضم مؤخرًا للعراق في أيار/مايو 2025، مما يشير إلى بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والاستثماري.

 

ويظهر البنك الدولي في هذا الملف باعتباره ميسرًا من خلال المساهمة بمبلغ 5 ملايين دولار أمريكي في شكل أموال منح التمويل المشترك من صندوق الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في العراق (IRF)، الذي يديره نيابة عن البلاد.`

 

المجالات التنموية المستهدفة

 

تُظهر المصفوفة أن الزراعة كانت من أبرز القطاعات المستفيدة من التمويل، تليها الطاقة والموارد الطبيعية. ولكن مجالات التنمية الأخرى مثل النقل والإسكان لم تحظ بعد بالاهتمام الذي تحظى به مرافق التمويل الأخضر المتعددة الأطراف.

 

أكبر مشروع في محفظة التحول الأخضر الممولة من جهات متعددة في العراق هو مشروع ”تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ في سبل العيش الزراعية المعرضة للخطر في العراق “الذي يدعمه صندوق المناخ العالمي. في حين أن مشاريع التحول الأخضر في قطاع الزراعة نادرة في جميع أنحاء المنطقة، يهدف المشروع إلى تعزيز ”القدرة على المجابهة والتعافي“ مع تغير المناخ للأسر الزراعية الضعيفة في العراق، مع التركيز على كفاءة استخدام المياه من خلال البنية التحتية الحديثة للري وتمكين جمعيات مستخدمي المياه، وتشجيع الممارسات الزراعية المقاومة لتغير المناخ، ودعم وضع سياسات لإدارة المياه والطاقة وأنظمة الطاقة المتجددة مثل الري بالطاقة الشمسية.

 

من المقرر أن يبدأ المشروع في العمل من عام 2023 حتى عام 2031، ويعد بتغييرات دائمة في العراق تشمل إصلاحات في سياسات إدارة المياه الزراعية، وتحسين تقنيات الري، ودمج حلول الطاقة المتجددة على نطاق واسع، والمساهمة في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي للبلاد على المدى الطويل. كما يهدف المشروع إلى تعزيز المساواة بين الجنسين من خلال تمكين النساء كعناصر رئيسية للتغيير، وتعزيز التنمية المجتمعية الشاملة والمستدامة.

 

القطاعات العامة والخاصة

 

تكشف البيانات أن كل المشروعات الممولة تفيد القطاع العام بالدرجة الأولى، استجاباً لحاجة العراق إلى تعزيز بنيته التحتية ومؤسساته الخدمية. أصدر صندوق المناخ الأخضر برنامجه الوطني للعراق في نيسان/أبريل 2025، مشيرًا إلى أن البنية التحتية المعرفية لشبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكذلك البنية التحتية للمعايير والمقاييس والجودة، لا تزال ضعيفة، ويرافقها دعم برامجي محدود لحشد استثمارات القطاع الخاص. واستجابةً لذلك، يدعو البرنامج إلى زيادة فرص الشركاتية والمنظمات غير الحكومية في العراق للمشاركة في العمل المناخي.

 

ملاحظات ختامية

 

تكشف المصفوفة أن العراق متأخرٌ كثيرًا عن دول المنطقة في جذب التمويل الدولي. لذا، أصبح من الضروري وضع استراتيجية وطنية متكاملة لتوجيه التمويل الخارجي نحو القطاعات الأكثر احتياجًا، بما يضمن تنمية مستدامة وشاملة في البلاد.

 

تشير الملاحظات المرفقة في المصفوفة إلى أن بعض التمويلات تضمنت مساهمات خارجية لتكملة قيمة التمويل الكلي للمشروع. كما يظهر أن هناك توجهًا عالميًا لدعم العراق في مواجهة التغيرات المناخية، لكن التوزيع غير المتوازن بين القطاعات يقترح ضرورة إعادة النظر في الأولويات الوطنية والدولية. وعلى وجه الخصوص، فإن الأزمة المائية الحادة التي يواجهها العراق والمسؤولية الخارجية عن النقص الناجم عن مشاريع السدود وتحويل مجاري المياه في أعلى النهر تؤكد على واجب مؤسسات التمويل المتعددة الأطراف في دعم جميع جهود التخفيف والتكيف ومعالجة الخسائر والأضرار في قطاع المياه والصرف الصحي الحيوي في العراق.

 

يكشف هذا التحقيق في تمويل التحول الأخضر أن العراق متخلف كثيراً عن البلدان الأخرى في المنطقة في جذب التمويل الدولي. إن هناك حاجة لتوسيع نطاق التمويل ليشمل قطاعات النقل والإسكان بشكل أكبر، مع تعزيز دور الشركاتية والاعتماد على أدوات تمويل متنوعة. في ضوء هذه النتائج، يصبح من الضروري وضع استراتيجية وطنية متكاملة لتوجيه التمويل الخارجي نحو القطاعات الأكثر حاجة، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في البلاد

 

تركز خطة العراق للتغير المناخي على التكيف والتخفيف، حيث تتضمن أحدث مساهماتها المحددة وطنياً (المقدمة في عام 2022 والمحدثة في عام 2025) هدفاً مشروطاً لخفض الانبعاثات بنسبة 15٪ بحلول عام 2030، بشرط الحصول على تمويل دولي بقيمة 100 مليار دولار. القطاعات الرئيسية لهذه الخطة هي الطاقة، وخاصة توليد الطاقة المتجددة، والجهود الرامية إلى خفض انبعاثات الميثان من النفط والغاز. تحدد الخطة أيضًا احتياجات التكيف في مجالات الموارد المائية والزراعة والصحة العامة، بناءً على عملية خطة التكيف الوطنية (NAP) التي بدأت في عام 2020 مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).

 

تشير المعلومات المتاحة إلى وجود تمويل مشترك أو مساهمات إضافية، ولكن مصدر هذه المساهمات وتكوينها غير مفصل في السجلات العامة. وتعيق هذه الشفافية المحدودة الرصد الحالي والتقييم النهائي لتنفيذ المشروع.

 

تهدف هذه الملاحظات والتوصيات إلى المساعدة في بناء عملية انتقال أخضر أكثر تشاركية في العراق مع تزايد الدعم المتعدد الأطراف للبرنامج في المستقبل.

 

 

تقرير شروق ضياء عيد

 

مصفوفة المشاريع الكاملة

 

الصورة: خريطة جوية لموارد المياه في العراق. المصدر: ORB International.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN