السودان: أزمة النزوح في خضم الصراع وأثار التغيرات المناخية
اندلاع النزاع المسلح في السودان في منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (RSF) أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، وتشريد الملايين، ونهب الممتلكات، وتجنيد الأطفال كجنود مع انتشار القتال من العاصمة إلى المزيد من المناطق في البلاد. ووفقًا لأحدث التقديرات، ارتفعت الوفيات بين المدنيين إلى أكثر من 15,000، ووصل عدد الأشخاص الذين فروا وتخلوا عن منازلهم وممتلكاتهم إلى 8.8 مليون، مع وجود ما يقرب من 6.8 مليون نازح داخليًا (IDPs) لجأوا في 7,251 موقعًا. ووصفت هيئات الأمم المتحدة الوضع بأنه أكبر أزمة نزوح في العالم، ومن المحتمل أن تتجاوز أزمة سوريا التي تضم 7.2 مليون نازح داخليًا.
وتأتي أكبر نسبة من النازحين، حوالي 53% (3.6 مليون)، من ولاية الخرطوم، تليها ولاية جنوب دارفور (14%)، ثم ولاية الجزيرة (10%)، ثم ولاية شمال دارفور (9%)، وولاية وسط دارفور (4%)، وولايات أخرى. فيما فر أكثر من مليوني شخص عبر الحدود السودانية، من بينهم 660,000 إلى جنوب السودان، 579,000 إلى تشاد، و500,000 إلى مصر.
منذ أبريل/نيسان 2023، تستمر جرائم الحرق العمد المنظمة لقوات الدعم السريع في تدمير القرى والمستوطنات البشرية في جميع أنحاء غرب السودان. وقد كان أبريل/نيسان 2024 هو الشهر الأسوء على الإطلاق لممارسة تلك الجرائم، حيث تم تدمير 72 قرية، مما رفع إجمالي عدد المستوطنات المدمرة إلى 201 منذ بداية الحرب. في أبريل/نيسان الماضي، زادت أعمال العنف التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين إلى 1,400 حالة، مع 160 حالة جديدة، مما يمثل زيادة بنسبة 30% عن الأسابيع الأربعة السابقة.
أما الوضع الأمني المتدهور والقيود المفروضة على الحركة تمثل عوائق رئيسية أمام خدمات الإغاثة والحماية، مما يزيد من الانتهاكات لحقوق النساء والفتيات متمثلة في جرائم التحرش الجنسي والاختطاف والاغتصاب. ومن ضمن التحديات الرئيسية في المنطقة هو انعدام الأمن الغذائي ونقص موارد سبل العيش، مع اقتراب ما يقرب من 5 ملايين شخص من حافة المجاعة و17.7 مليون يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد بسبب حالات النزاع، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع أسعار الغذاء. ومن المتوقع أن يؤدي الجوع المتزايد وسوء التغذية الحاد إلى زيادة الوفيات في الأشهر القادمة.
معظم حوادث العنف ضد المدنيين تستند إلى أسباب عرقية، حيث أنها تستهدف السودانيين من غير العرب، مما قد تصل إلى جرائم التطهير العرقي، وتتمركز تلك الجرائم في ولايتي الجزيرة وشمال دارفور. وتضمنت الهجمات العنيفة ضد المدنيين عمليات القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والتدمير واسع النطاق للممتلكات، ونهب واستهدف بشكل غير متناسب المجتمعات العرقية من قبيلة الزغاوة.
وقد كانت التكتيكات العسكرية التي تمارس تلك الجرائم، مشابهة لتلك التي تم نشرها خلال حملة مكافحة التمرد عام 2003، عندما استهدفت ميليشيات الجنجويد المكونة من مجموعات عربية العرق، وجماعات من البدو الرحل، جماعات عرقية غير عربية في إقليم دارفور مثل قبيلة المساليت في منطقة الجنينة في غرب دارفور و قبيلةالزغاوة، مما أجبر أكثر من نصف مليون شخص على الفرار إلى دولة تشاد المجاورة.
وتم استهداف مئات الآلاف من النازحين الفارين من العنف في أماكن أخرى من دارفور، والذين وجدوا ملاذًا في مدينة الفاشر. وقد كان النزاع في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، منذ أبريل/نيسان الماضي أحد أسوء الحالات، مما أدى إلى نزوح ما يقدر بنحو 505,000 شخص، بسبب التدمير الممنهج للقرى بأكملها في المنطقة. في الوقت الحالي يتم استضافة غالبية هؤلاء النازحين في ثلاثة مواقع رئيسية، مع أكثر من 100 مخيم نازحين مزدحمة في الجزء الجنوبي من مدينة الفاشر. وفي استجابة لتلك الأوضاع، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا، يدعو قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان إلى وقف حصارها على الفاشر، ولكن لا تزال المجازر وحالات النزوح مستمرة.
وقد تراجعت السودان بالفعل من بلد ذو دخل متوسط منخفض، إلى تصنيف منخفض الدخل في عام 2020. وبسبب النزاع المستمر أدى إلى تقليل دخل الأسر بنسبة تزيد عن 40% في المناطق الحضرية والريفية في جميع أنحاء السودان، مما أدى إلى زيادة عدد السودانيين الذين يعيشون في الفقر بمقدار 1.8 مليون منذ العام الماضي. ولا يزال نقص الوصول إلى واستهلاك مياه الشرب النظيفة مصدر قلق خطير، خاصة للمدنيين في مناطق النزاع، ومن بينها ولايات دارفور، الخرطوم، وكردفان، بسبب الانقطاعات الطويلة في التيار الكهربائي، والهجمات على محطات معالجة المياه.
الاستجابة السياسية والإنسانية الدولية غير الكافية للنزاع، والفشل في إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، يضمن فقط أن الأطراف المتحاربة لم تُحاسب بعد على تجاهلها الصارخ للقانون الإنساني الدولي. ولا يزال الحجم الحقيقي للأزمة غير مرئي، حيث أدى الخوف من الانتقام وانعدام الثقة في المؤسسات المحلية إلى نقص شديد في الإبلاغ.
علاوة على ذلك، فإن تأثيرات التغيرات المناخية تعمق أزمة النازحين، حيث دمرت الفيضانات الموسمية الثقيلة بشكل غير مسبوق، مئات المنازل وملاجئ النازحين، خاصة في شمال السودان منذ عام 2022. حين تعرضت مخيمات النازحين إلى الغرق، والتي تعد موقع لإحدى أكثر الأزمات التي تعاني إهمالاً في العالم في عام 2021، وعانت من 146 حالة وفاة وأكثر من 122 إصابة منذ بداية موسم الأمطار في يونيو/حزيران. وكل هذا يأتي في خضم ارتفاع الأسعار والفجوات في تمويل المساعدات الإنسانية.
وفي الفترة من مايو/آيار إلى نهاية سبتمبر/أيلول 2022، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات أثرت على حوالي 349,000 شخص، ودمرت ما لا يقل عن 24,800 منزل وألحقت أضرارًا بـ 48,200 منزل آخر في 16 من أصل 18 ولاية. وكانت الولاية الأكثر تضررًا هي الشمالية (34,000 شخص)، تليها نهر النيل (19,000)، شمال دارفور (13,000)، جنوب دارفور (16,000)، القضارف (2,000)، النيل الأبيض (2,000)، شمال كردفان (1,000)، البحر الأحمر (1,000)، وجنوب كردفان (1,000).
وقد تضمن تقرير شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل، بمناسبة يوم الموئل العالمي لعام 2022، المستند إلى قاعدة بيانات الانتهاكات، إبراز تلك الإيذاءات غير المتناسبة للنازحين، في ظل تغير المناخ بسبب تعرضهم للإهمال والتهميش المنهج. انظر (السعي لتحقيق العدالة المناخية: انتهاكات حقوق الأرض والسكن، في سياق المخاطر البيئية وتغير المناخ)، الصفحات 4-5.
وتشير التقارير الراهنة، إلى أن ما لا يقل عن 8,227 منزلًا تعرض للتدمير، وتضرر 7,540 في الأحداث المناخية المتطرفة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وجميع هذه الأحداث البطيئة والمتطرفة للطقس تزامنت مع كارثة أخرى من صنع الإنسان: الحرب.
انظر أيضًا:
التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، الأطفال والنزاع المسلح، A/78/842-S/2024/384،3 يونيو 2024.
صورة الغلاف: فتاة سودانية فرت من النزاع في إقليم دارفور وكانت نازحة داخلياً في السودان سابقاً تتنقل بين ملاجئ مؤقتة بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد. المصدر: زهرة بن سمرة/رويترز.
|