English عن التحالف اتصل بنا الاصدار - تموز/يوليو 2012 الرئيسسة
المقال الافتتاحي

الجدار ما بين القواعد والمساءلة

في الوقت الذي تعيش فيه منطقة الشرق الأوسط/شمال إفريقيا حالة من الصراع الشديد بين الحكم التسلطي وحركات الشعوب من أجل الديمقراطية، فإن كثير من الأمور الشاحذة للهمم وكذلك غيوم عدم اليقين مازالت مستمرة. ففي إطار هذه الأحداث الجلل والمشتعلة، ثمة ملمح ثابت ومستمر للصراع تم التعمية عليه تعمية شديدة أيضًا، ولكنه بالرغم من ذلك لم يذهب طي النسيان. استعمار فلسطين يشكل نقطة جوهرية في المشهد الذي تعيشه المنطقة، تمامًا مثلما يظهر طبيعيًا في تغطية نشرة أحوال الارض.

هذا الإصدار الثالث من النشرة الفصلية لشبكة حقوق الأرض والسكن يتصادف مع احتفالات مهمة للغاية تركز على استغلال الأجانب والأغراب لأرض الشعوب الأصلية ومواردهم الطبيعية في إطار قانوني. والحقيقة أن هذا المشهد يكشف مباشرة عن تناقضات بين المعايير والممارسة، وبين النزاهة والسلوك الفعلي للدول والمجتمع الدولي.

هذا الاسبوع، نكمل السنة الثامنة منذ إبداء محكمة العدل الدولي لرأيها الاستشاري حول تبعات بناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. لقد أقرت المحكمة في التاسع من يوليو/تموز 2004 عدم قانونية التدابير التي اتخذتها إسرائيل فيما يتعلق بالقدس والمستوطنات، مثلما أدينت من قبل مجلس الأمن. بينما كانت المحكمة غير مقنعة بأن المسار المحدد الذي اختارته إسرائيل للجدار كان ضروري لتحقيق أهدافها الأمنية و، في المقابل، خلصت إلى أن بناء الجدار مصحوبًا بتأسيس المستوطنات الإسرائيلية المذكورة آنفًا، مقصود منه تغيير البنية الديمغرافية للأرض الفلسطينية المحتلة. وأشارت المحكمة، أن بناء جدار كهذا، يشكل بالتالي انتهاكات من قبل إسرائيل لالتزاماتها بالقانون الإنساني الدولي المنطبق هاهنا، وكذلك آليات حقوق الإنسان.

كما أضافت المحكمة في رأيها الاستشاري أن الأمم المتحدة، وخصوصًا الجمعية العامة ومجلس الأمن، ينبغي أن يوليا الاهتمام إلى أن ثمة حاجة إلى مزيد من العمل لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن بناء الجدار وما يرتبط به من نظام سياسي، ومراعاة ما جاء من هذا الرأي الاستشاري [الفقرة 160]. وبالتالي، فقد تبنت الجمعية العامة معايير جبر الضرر لضحايا  تلك الانتهاكات الجسيمة والخروقات الصارخة.

لقد تم توثيق نتائج وتبعات الانتهاكات المستمرة توثيقًا جيدًا، لم يكن أقلها ما دعت إليه الجمعية العامة من تدابير لتأسيس سجل للأضرار. ولكن، لم يتم اتخاذ تدابير مؤثرة من قبل المجتمع الدولي، تحمل التزامات احترام وضمان احترام ما يتعلق من حقوق الانسان والمعايير الانسانية. وها هو الجدار الذي نصبته إسرائيل ويسمونه بالعبرية (جدار الفصل العنصري) Geder Hafradah يقف رمزًا للحصانة التي تخول ديمومة جدار الفصل العنصري.

وثمة جدران أخرى في الغرب من منطقتنا تقف تذكارًا للصراع والتحكم الديمغرافي. ثمة جدار يظهر من الفضاء الخارجي، وهو الجدار الحربي المغربي عبر الصحراء الغربية الذي صد حقوق الإنسان والمعايير الإنسانية نفسها. فمن عشر سنوات مضت، عام 2002، أعلنت الأمم المتحدة في رسالة إلى مجلس الأمن الموقف القانوني المتعلق باستغلال الموارد الطبيعية في المناطق التي تسيطر عليها المملكة المغربية في الصحراء الغربية. وقد ذكّر المستشار القانوني بأن استغلال واقتناص الموارد الطبيعية البحرية وغيرها للمناطق المستعمرة والتي لا تتمتع بالحكم الذاتي من قبل المصالح الاقتصادية الأجنبية، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، يعد تهديدًا لوحدة ورخاء تلك الأراضي، وأن أي سلطة إدارية تحرم الشعوب المستعمرة في المناطق التي لا تتمتع بالحكم الذاتي في ممارسة حقوقهم الشرعية على مواردهم الطبيعية ... ينتهك الالتزامات التي اضطلعت بها في إطار ميثاق الأمم المتحدة [الفقرة 11].

وفي تلك الرسالة المهمة والمقدرة شددت الأمم المتحدة على المبدأ الواضح والراسخ الخاص بـ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية بوصفه حق الشعوب والأمم في استخدام وتنظيم الموارد الطبيعية في أراضيها في صالح تنمية أمتها وحسن العيش. ولقد أعادت الدول التأكيد على ذلك الحق عام 1966 ضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأيضًا فيما تلى ذلك من قرارات الجمعية العامة.

والمبدأ الجوهري الخاص بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية كمحصلة أو نتيجة تابعة لمبدأ السيادة على الأرض أو الحق في تقرير المصير، يعد بلا نزاع جزء من القانون العرفي الدولي. ويتم تحديد مجال وتطبيق المبدأ من قبل الشعوب أو الشعب القائم على الأرض.

وارتباط السيادة بالأرض هو ارتباط جوهري وعضوي. وثمة مزيد من الاعتراف والإقرار بالآثار الناجمة عن الصراع والاحتلال والحرب على الناس وحقوقهم على أرضهم موجودة في تطوير المعايير مثل الخطوط التوجيهية الجديدة لمنظمة الأغذية والزراعة/الفاو حول الإدارة المسئولة عن حيازة الأراضي، والمصايد، والغابات في سياق الأمن الغذائي القومي. ومثل قرار جبر الضرر الخاص بالجمعية العامة الذي تلى الرأي الاستشاري للمحكمة الجنائية الدولية، والجهة المقررة في منظمة الأغذية والزراعة أكدت أيضًا على الحقوق نفسها للضحايا فيما يتعلق بأرضهم ومواردهم الطبيعية.

كما يعد اليوم أيضًا مخلدًا للذكرى العشرين لعملية المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة يوغسلافيا السابقة واتهام ما لا يقل عن 15 من السياسيين والقادة العسكريين المعهمين بإجبار الناس على الخروج من أراضيهم ومساكنهم (تم تبرئة أحدهم). ومن بينهم مُمتيشلو كرايشنيك Momčilo Krajišnik، الرتبة الأعلى ضمن صف السياسيين الصرب الذي يفترض أن يحاكم على جرائم في يوغسلافيا السابقة.

كما يشهد الشهر هذا، الاحتفال بمرور أول عقد على إدخال نظام روما Rome Statute’s  حيز التنفيذ وتأسيس محكمة العدل الدولي International Court of Justice (ICC) والتي أصدرت حكمًا واحدًا حتى اليومone conviction . ولكن، ثمة مرتكبين آخرين معرضين لإصدار الحكم عليهم لجرائم ذات صلة، تشمل على الأقل أحد المدافعين من جيش المقاومة الأوغندي Lord’s Resistance Army (Uganda)، وستة أشخاص على عمليات الإخلاء وعنف ما بعد الانتخابات في كينيا، وأربعة أشخاص سودانيين مطلوبين على جرائم مشابهة. comparable crimes.

وفي الوقت الذي قد تساهم فيه هذه المحاكمات في عمليات العدالة الانتقالية في تلك البلدان المتضررة، فإن المحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تظل انتقائية selective. ويظل السؤال الملح هنا ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تستطيع إنجاز وقف مثل هذه الانتهاكات أم لا.

هذا العدد التذكاري من نشرة أحوال الأرض يقدم تغطية إذن لعلامات بارزة من التطور المعياري فيما يتعلق بالأبعاد الحقوقية للأرض. كذلك يعكس هذا العدد الحصانة نفسها المصيرية للأرض وشعبها.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN