English عن التحالف اتصل بنا الاصدار - تموز/يوليو 2012 الرئيسسة
تطورات عالمية

ربيع عربي للإصلاحات الدستورية

تعرضت عملية اختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور في مصر إلى عوائق كثيرة تعكس الواقع الحالي في البلاد من استقطاب القوى السياسية للشارع وأغلبية المواطنين على أرضية سياسية بعينها على حساب المصالح العليا للوطن في حاضره ومستقبله. وقد انتهى الصراع على تشكيل اللجنة التأسيسية الذي يشهد محاولات استفراد التيار الإسلامي بأغلبية اللجنة بناء على أغلبيته في البرلمان، شهد نهاية منصفة إلى حد ما من القضاء المصري إذا أعلن بطلان تشكيل نسبة 50% من أعضاء اللجنة من أعضاء البرلمان.

كان الأمر قبل حكم المحكمة الإدارية العليا متفق على أتن يكون المائة عوض مقسمين إلى 50% من أعضاء البرلمان و50% من مؤسسات الدولة والجامعات والنقابات المهنية والاتحادات العمالية وغير ذلك من الشخصيات العامة وقد كان رد الليبراليين والنشطاء الديمقراطيين وغيرهم متمثلا في احتجاج شديد واعتراض على نسبة الخمسين في المئة للأعضاء المنتخبين التي ستأتي من البرلمان نفسه. فقد كانت هذه النسبة قد تغيرت في اللحظة الأخيرة من 40% ، إلى 50% وهو ما أسفر عن مقاطعة كثير من الأحزاب الليبرالية للعملية برمتها. وهؤلاء المنسحبون يعتقدون أن الجمعية التأسيسية سوف تمثل برلمانًا يعد بالرغم من انتخابه بطريقة ديمقراطية، غير ممثلاً لكل أطياف الشعب والمصالح الوطنية الحقيقية. على سبيل المثال، النساء والأقباط يشكلون 2% فقط. والمقترحات التي تم مناقشتها في البرلمان حتى الآن معنية بقضايا ثقافية، ولا تعر اهتمامًا للقضايا المهمة والحيوية من اقتصاد وسياسات خارجية.

تونس أيضًا في طريقها للجدل على دستورها الجديد عبر اللجنة التأسيسية ما بعد الثورة. ولكن سياسات الهوية لاتزال تتدخل لتهميش الأوليات المادية من قضايا المحاسبة وحقوق الضحايا والتوافق الوطني.

وإعادة كتابة الدستور عملية تتضمن مقومات يمكن أن توفر الفرصة للمجتمع المدني والمواطنين لعمل إصلاح حقيقي، وممارسة المواطنة بفاعلية وتصنيب ريادة وطليعة لمنع أي إساءة لاستخدام السلطة في المستقبل مثلما حدق في النظام السابق ويحدث في النظام الحالي. وكثير من المقترحات الدستورية الجادة ترتبط بالموئل في المساعدة على بناء العمران القانوني للدولة. وفي هذا الصدد، تجب الإشارة إلى ما تعنيه الدولة بوصفهما مكونة من (1) الأرض، (2) الشعب، (3) والمؤسسات، بما فيها الحكومة. والنص على الحق في السكن الملائم والمياه والأرض في الدستور أمر حيوي وغاية في الأهمية.

والجدير بالذكر هنا أن المواد التي تنص على أن الملكية يجب أن تنجز وظيفتها الاجتماعية موجودة في عديد من الدساتير بما فيها الدستور المصري الحالي. وهذا ما يحدد التزام المالك بضمان اعتبار الملكية ضمن سياق الحاجات الأوسع للمجتمع، وهو ما يعني أن الوظيفة الاجتماعية ينبغي أن تحقق توازنًا بين حقوق الملكية الخاصة والحق في السكن ومصادر العيش للجميع. وتضمين الوظيفة الاجتماعية والنص عليها إنما ينسجم أيضًا مع أعمق التقاليد الأخلاقية والدينية بما فيها المعايير الإسلامية وكذلك العربية ما قبل الإسلام.

ودساتير الدولة الأخرى التي تم إعادة تشكيلها من جديد تقدم أمثلة قيمة عن كيفية تحقيق هذا. فالوظيفة الاجتماعية للملكية معترف بها بالفعل في دساتير الإكوادور وكولومبيا وكينيا وجنوب أفريقيا والبرازيل. والفارق الرئيسي بين هذه الدول وما يجري في الربيع العربي هو مدى عوق التعليم والتربية المدنية التي تسبق التغيرات الدستورية، حيث أن مفاهيم مثل الوظيفة الاجتماعية للملكية، والحق في السكن الملائم وحقوق الأرض لطالما تم تفنيدها والجدل حولها عبر مشاركة قوية وإصرار من حركات اجتماعية عريضة.

دستور كولومبيا يلزم الحكومات أن تروج وتعزز لكثير من الالتزامات الإيجابية للدولة، وأيضًا تجسيد المواد السلبية لحماية الحقوق مثل منع المصادرة التعسفية للملكية. وتنص المادة 59 صراحة على أن الملكية تنطوي على وظيفة اجتماعية أصيلة تتضمن ما يرتبط بها من التزامات على الدولة. وحول المصلحة العامة، فإن المادة 58 تنص على أن هذه القيمة دائمًا ما تفوق المصالح الخاصة.

 أما دستور الإكوادور فينص أيضًا في المادة 30 منه على أن الأشخاص ينبغي أن يتمتعوا بالجق في موئلاً آمنًا وصحيًا ومسكنًا لائقًا. وهذا الحق مكفول أيضًا في مواد منفصلة خصوصًا للمسنين والمعاقين. والطرق والوسائل التي تستخدمها الدولة لتنظيم استخدام الأرض منصوص عليها أيضًا بصورة أكثر تحديدًا، على سبيل المثال، من خلال منح التربح من المضاربات على الأرض وتغيير استخدام الأرض من الريف إلى الحضر، أو من العام إلى الخاص (المادة 376). وبالمثل، فإن المادة 282 تحرّم الاستئثار بمساحات كبيرة من الأراضي وتركيز ملكية الأراضي، واحتكار أو خصخصة المياه. وهذه الأخيرة تكررت وتبلورت أكثر في المادتين 12 و318.

كذلك في الدستور البرازيلي، تؤكد المادة 170 منه على أن النظام الاقتصادي ينبغي أن يتعامل مع الملكية الخاصة في سياق وظيفتها الاجتماعية. ويكفل الدستور البرازيلي التعويض في حالة الخسارة أو الضرر الذي يلحق بالملكية وينص على فرض ضريبة لتثبيط عملية الاحتفاظ بملكيات غير منتجة خصوصًا بإسناد ما يقابل ذلك من سلطة على البلديات المحلية (50% من العوائد الضريبية) والتي قد تكون تدريجية... لضمان تحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية. وثمة مبدأ شبيهًا تم تبنيه في تشريع منفصل في كولومبيا، حيث يستعيد قانون تنمية الأراضي Land Development Law 388 (1997) القيم التي تم خلقها اجتماعيًا (plusvalía) لمنفعة العامة والفقراء. ومثل هذا النوع من تقرير المصير على المستوى المحلي بمشاركة ديمقراطية من شأنه في الواقع أن يكون أمرًا ثوريًا للحكم المحلي في منطقة الشرق الأوسط/شمال أفريقيا.

وكذلك الدساتير الأفريقية غير العربية المذكورة هنا لا تذكر صراحة شيئًا عن الوظيفة الاجتماعية للملكية، ولكنها في المقابل تعترف بـ الحق في سكن ملائم وفي المتناول منصوص عليه في كل من الدستور الكيني ودستور جنوب أفريقيا. فضلاً عن ذلك، فإنها تحرم الحرمان التعسفي من الملكية. والنص الدستوري القوي في هذين البلدين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد مكن من التشريع التدريجي لمعالجة ومنع الإخلاء القسري والتأكيد على حق الضحايا في جبر الضرر.

وفيما يتعلق بالالتزامات الأخرى للدولة في احترام وحماية وإعمال الحق في السكن (المادى 7) فإن دستور جنوب إفريقيا ينص على أن الدولة يجب أن تتخذ تدابير معقولة وتشريعية في إطار الموارد المتاحة لتحقيق الإعمال التدريجي لهذا الحق (المادة 26.2). ولكنه لا ينص على كيف سيحدث هذا. وهذه هي المهمة المفصلة للمشرعين وصانعي السياسات والقضاة.

أما فيما يتعلق بالأرض، فإن الدستور في جنوب إفريقيا وكينيا يحتوي على مواد أكثر تحديدًا. فالدستور الكيني، مثله مثل نظيره البرازيلي، مع تأكيده على تخطيط الدولة يؤكد على أن مبادئ إدارة الأرض ينبغي أن تكون متسقة مع سياسات الأرض الوطنية.  والمادة 62.2 من الدستور تنص على أن الأراضي العامة ينبغي أن تكون مخولة وفي يد حكومة إقليمية في صالح الناس المقيمين في الإقليم. وينص الدستور أيضًا على أن الأرض العامة ينبعي ألا التصرف بها أو استخدامها إلا [عبر] قانون من البرلمان يحدد طبيعة ومدة التصرف أو الاستخدام (المادة 62.4). والدستور الكيني أيضًا  يوضح وظائف اللجنة الوطنية للأرض لتشمل الاستهلال في البحوث والتحقيقات والتوصية للاستعادة اللائقة من أجل الظلم الحالي أو التاريخي المرتبط بالأرض (المادة: 67.2[e]).

وإعادة صياغة الدساتير في الربيع العربي يغلب عليها حاليًا مسائل التمثيل النيابي لتشمل كل القطاعات من المواطنين. ولكن المرحلة الراهنة تنبئ بالقليل فيما يتعلق بالاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو المطلب الذي يكمن في قلب ثورة الشعب.

وعند الاعتبار في الموئل وما يربتط به من حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية والوظيفة الاجتماعية للملكية، فإن توضيحها والنص عليها في الدستور وتطبيقها نجد الخبرة الدولية ترشدنا إلى مهام محددة لا غنى عنها للقائمين على تضمين هذه الحقوق والقاعدة الشعبية وراؤهم، وهذه المهام أهما:

(1) الاعتبار في الاستخدام متعدد الأبعاد للأرض والسكن وكيفية توفير الملكية لمجموعة من الحقوق والمسئوليات الاجتماعية، بدلا من أن تكون مجرد اعتبار اقتصادي. وهذا ما ينبغي أن يتم بالتركيز على كيفية استخدام الناس للأرض في الحياة اليومية ومصادر الرزق.

(2) هذا التقرير يحتاج أن ينفذ بواسطة المجتمعات ومن خلال المشاركة المجتمعية، وليس فقط من خلال الانخراط في هياكل السلطة الرسمية المركزية أو المحلية مثل المحافظات والبلديات. فالانخراط والمشاركة مع المجتمع يجب ألا يقوم ببساطة على الممثلين المنخبين لذاتهم أو المحسوبية المتشرة والمحاباة للأقرباء والحاشية، بل سجي أن يتم إشراك الأقليات والنساء، والشباب والمجتمعات المعتمدة اعتمادًا كاملا على الأرض بوصف هؤلاء جميعًأ مشاركين في صنع القرار. وتعد مشاركة النساء ذات أهمية خاصة للتخطيط البديل سواء كحماة للسكن وفي الوقت نفسه كأشخاص معرضين للسيطرة الخاصة (في الأماكن العامة والمنزل).

(3) وبالرغم من أن الدولة والحكومات المتعاقبة لديها دور كبير لتقوم به في تنظيم ووضع شروط ضمان الوظيفة الاجتماعية للملكية وتحققها (عن طريق التنظيم وفرض الضرائب التدريجية وحقوق الملكية، الخ)، فإن الوظيفة الاجتماعية يجب أن تتحقق في نهاية المطاف  عن طريق مشاركة هؤلاء ممن سيستخدمون الملكية وبالاستخدام الفعال للأراضي التي ياء استخدامها على نحو أكثر اجتماعية وإنتاجًا. وهو ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع من خلال تكنيكات أو الوسائل الفنية للإنتاج الاجتماعي للموئل. (انظر أمثلة على هذا المشروع عبر هذه الوصلة: http://www.hic-mena.org/arabic/spage.php?id=pW4=]

(4) الاعتراف بأن قضية الأرض وسياسة السكن لا محالة  تسبب صراعات مصالح وليست قضايا اتفاق محايد. والقائمون على صياغة الدستور يجب أن يكونوا أمناء في الإفصاح عن مواقفهم وما يتمتعون به من ملكية. فالوظيفة الاجتماعية للمشكلة كنص دستوري من الممكن أن تكون أساسا جيدًا للمطالبة الحكومات لاحقًا بصياغة سياسات سكن وإدارة أراضي أكثر تحديدًا.

(5) الاعتراف بالمناطق غير الرسمية كجزء لا يتجزأ من الاقتصاد وامتلاك الديناميات الخاصة بها. وهذا التفاعل المعقد بين الاقتصاد الداخلي للعشوائيات والنفوذ والتأثير الخارجي للحكومة وسياستها يجب أن يقيم بحزمة من الحقوق والاعتبارات.

(6) يجب أن ينظر أيضًا إلى الأرض الزراعية بوصفها ذات وظيفة اجتماعية في سياق المجتمع المحلي، وأيضًا كقيمة استراتيجية للأمة والسيادة الغذائية. والمواد الدستورية التي تحظر المستثمرين الأجانب من شراء الأراضي لا تكفي لمنع الاستيلاء على الأراضي ونهبها وحرمان صغار المنتجين الأصليين الموردين الأساسيين لغذاء المواطنين. والسماح للمستثمرين بتأجير مساحات شاسعة من الأراضي لمدد مطولة يمكن أن يكون له أثر استنزافي على السيادة الغذائية كمنح حرية التصرف وعلى مستوى كبير في حيازة الأرض لملاك من الخارج (أرث الاستعمار والاحتلال الاستيطاني لم يبعد أبدًا عن الخاطر في هذا السياق.)

(7) ويجب أن نفكر في أن الملاك وأصحاب الحيازة يشكلون مدى واسعًا من الفاعلين، من الأفراد إلى الجماعات، إلى الدولة، (مع عدم الخلط مع الحكومات) إلى الشركات، والتي بعمل بعضها خارج الولاية الإقليمية للدولة. ومن ثم، فإن تطبيق الوظيفة الاجتماعية لملكية الأراضي، وتعقيدات التعامل مع هؤلاء الأطراف المختلفين يجب أن يوضع ي الاعتبار في المصلحة الوطني والرفاهة العامة للسكان، وليس فقط كصدر للأموال.

والشيء الأهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه في هذه العملية الفريدة من الإصلاح الدستوري هو التشاور على المستوى الوطني حول هذه القضايا الحيوية بطريقة تخلق ثقافة المواطنة وتعضدها. يمكن لخبير واحد أو عملية بطريركية مقصورة على العاصمة أن تنجح في أن تحل محل التبادل الحقيقي والمشاركة على المستوى الوطني والذي يجب أن ينعكس في نص الدستور الجديد. والتشاور حول قضايا السكن المتضمنة والقيم التي نراهن عليها وسط القاعدة الشعبية الأكبر للأمة (أو الأمم) في إطار الدولة ستساعد بلدان الربيع العربي على الإلحاق بباقي العالم الديمقراطي والمتحول إلى الديمقراطية، مع الاستفادة من الدروس المذكورة آنفًا.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN