English عن التحالف اتصل بنا الاصدار - تموز/يوليو 2012 الرئيسسة
تطورات عالمية

ريو + 20: غضب مبرر

الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة وتتوقع نتائج مختلفة.

ألبرت أينشتاين

في الوقت الذي التقى فيه رؤساء الدول والوفود الرسمية في ريو دي جانيرو، بالبرازيل حول آخر تقييم لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (20-22 يونيه/حزيران 2012)، أنفق كثير من منظمات المجتمع المدني صغير وكبيرة مواردً ثمينة بشرية ومالية على مدى عامين للمشاركة مع المسئولين عن الوصول إلى الاتفاق في العمليات التمهيدية، مجادلين حول التزامات الدولة العاجلة من أجل التصدي للتدمير البيئي المستعجل والبؤس الاقتصادي على مستوى الكوكب. فماذا جنوا من وراء هذا الاستثمار؟

في الوقت الذي سعى فيه المؤتمر الرسمي إلى أنماط مستدامة من الاستهلاك والإنتاج، وما جاء في وثيقته النهائية من إشارة إلى أن هذا إنما يدل على المحافظة على الممارسات الحالية. فإن المجتمع المدني ونقاد آخرين أصروا على أن إجراء الأعمال والتجارة ببساطة كما هو معتاد يعد بعيد جدًا عن المطلوب، خصوصًا في ضوء الأزمات المتعددة المستمرة التي ترجع إلى الحكم الفاشل والفاسد. 

لقد نالت قمة الأرض عام 1992 بما مثلته من حسم وتأثير رصيدًا كبيرًا من الإلهام لنتيجتين تاريخيتين دالتين، هما: تطوير اتفاقية التنوع الحيوي وخلق هيئة التغير المناخي. هذا المحصلتان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ومعتمدان على بعضهما البعض. فقد حافظ مؤتمر قمة الأرض حول التنمية المستدامة عام 1992 والذكرى العاشرة له عام 2002 في مدينة جوهانسبرج، على اتفاق عالمي حول صيغة التنمية المستدامة بوصفها تتضمن أبعاد (المساواة) الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. بيد أن المؤتمر في ريو + 20 لم يقدم أي جديد.

لقد كان من المفترض أن يكون مؤتمر ريو + 20 علامة على عقدين من التقدم بعد قمة الأرض التي رسخت الفكرة عام 1992. ولكن، معظم المراقبين لاحظوا أن الوعود والمبادئ الأساسية التي أرسيت في ريوم عام 1992 قد كُسرت وعلى نحو سافر. من المؤشرات الكبرى على تدهور الكوكب والقيادة السياسية حقيقة أن مستويات اليوم من الانبعاثات الحرارية تزيد بسرعة أكبر عما كان قبل وجود اتفاقية الأمم المتحدة حول التغير المناخي عام 1992.

فقد كانت خطة انقاذ المحيطات لأعالي البحار (نسخة إنجليزية) حزمة الحماية البيئية التي بقت لأطول وقت ممكن في قاعدة البيانات. ولكن، ثمة تحالف غير مقدس من الولايات المتحدة وفنزويلا، جنبًا إلى جانب روسيا، وكندا، أطاحوا بتلك المبادرة مخربين إياها في ظرف ساعات قليلة من صباح الثلاثاء 19 يونيه/حزيران.

تنحية المجتمع المدني جانبًا

من التطورات الأخرى ذات الصلة منذ 1992 كان الحضور الثقيل وانخراط ممثلي الشركات ومصالحها في قمة ذلك العام. وربما يفسر الارتباط الواضح بين الحكومات والمصالح الخاصة في ريو + 20 لماذا تعكس النتائج والمحصلات اتفاقًا تشكل حول تحالف من الوكلاء والفاعلين الساعيين لمزيد ومزيد من الاستهلاك والانتاج، مع الإصرار وعلى نحو مثير للسخرية على نعت ذلك بالاستدامة.

البعض يرى في هذا تتويجًا متوقعًا لما وضعه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان المعاهدة العالمية التي أزيح عنها الستار في المنتدى الاقتصادي العالمي، في ديفوس 31 يناير/كانون الأول 1999. تلك المبادرة سعت إلى الشراكة مع المؤسسات التي كانت بطبيعية الحال تنتمي إلى مبادئ حقوق الإنسان والبيئة، ومناهضة الفساد. ولكن، لم تتضمن أية محايبة على تلك المبادئ ، أو آلية محايدة لرصد تنفيذها.

وقد استدعى دافيندر لامبا Davinver Lamba الرئيس السابق للتحالف الدولي للموئل قمة الأرض عام 1992 كم منظور المدنيين، مشيرًا إلى أنه في 1992، عندما حاول المسئولون في الأمم المتحدة إدخال المصالح التجارية إلى جلسات الأطراف المعنية المتعددة حول البيئة المستدامة، عارض المجتمع المدني بشراسة هذا الاختراق الواضح من قبل المؤسسات والشركات. وقد اضاف السيد لامبا، متحدثًا من مركز المؤتمرات في ريو+20 أن هذه المرة، فإن المؤسسات والشركات هي التي تدير العرض.

لقد قيم بل ماكيبن Bill McKibben من منظمة 350.org، قمة ريو + 20 صراحة بأنها مجرد نكتة وأضاف قائلاً: أتذكر ريو من عشرين سنة خلت، كمصدر للامل، ولكننا الآن نخسر المعارك البيئية. ولا يوجد أي شيء في هذا النص يمكن أن يغير ذلك، مجرد بعض إعلانات وتصريحات بائسة.

وكان نشطاء السلام الأخضر بين من قاموا بمسيرة في اليوم الافتتاحي لقمة الأمم المتحدة، مطلقين على المؤتمر ريوم ناقص 20. وكان المدير التنفيذي للسلام الأخضر Greenpeace كومي نايدو Kumi Naidoo قد أشار إلى أنه بالرغم من هذا الاجتماع رفيع المستوى يأتي بعد عشرين سنة من قمة الأرض الأولى، فإن أغلبية المبادئ التي تم وضعها عام 1992 لم تشهد أي تقدم، بل بالعكس شهدت تقهقرًا.

وكان البيان الختامي من المجموعة الرئيسية لمنظمات المجتمع المدني للمرأة قد أكد أن ريو +20 قد ترك النساء أيضًا في حالة من الإحباط والغضب. وفي هذا السياق أشارت ساشا جابيزون Sascha Gabizon المديرة التفيذية منظمة المرأة في أوروبا من أجل مستقبل مشترك Women in Europe for a Common Future (WECF) وهي مجموعة تنسيق رئيسية إلى أن سنتين من المفاوضات قد توجت بمحصلة ريو + 20 التي تكاد تكون لا تشكل أي تقدم لحقوق المرأة وحقوق الأجيال القادمة في التنمية المستدامة. وقد عملت الجماعة الرئيسية للمرأة Women’s Major Group على المحافظة على حقوق المرأة والالتزامات بالمساواة بين الجنسين والتي تم الاتفاق عليها، ولكن الحصول على تأكيد لهذا الحقوق لم يترك وقتًا لتقدم حقيقي والتزامات بالتحرك قدمًا صوب المستقبل الذي نريده.

واستغراب المجتمع المدني من ريو + 20 كان حقيقيًا ورمزيًا في آن. وقد تم تدشين قمة الشعوب الحدث الموازي الذي ضم منظمات المجتمع المدني والجماهير، وتم تنظيمه على بعد 40 كم من الاجتماعات الرسمية. وهو ما جعل الانخراط المدني في ريو+20 أمرًا معقدًا على المستوى اللوجستي، فضلاً عن النفقات في الوقت والتكلفة والانبعاثات الكربونية لكي يلعب المجتمع المدني دورًا فاعلاً. وعلى صعيد الفكاهة، فإن الحدث الموازي الرسمي الذي يستضيف متحدثين عن حركة اجتماعية حضرية والمقررة الخاصة للأمم المتحدة عن السكن الملائم تم في منطقة مهجورة نائية.

أهداف التنمية المستدامة

وثيقة المستقبل الذي نريده لا تصك مفهومًا جديدًا لـ أهداف التنمية المستدامة. فهي ليست للإحلال محل الأهداف الإنمائية للألفية، المفترض انتهاء صلاحيتها في 2015. ولكن، وفقًا للوثيقة الختامية لـ ريو +20، فإن أهداف التنمية المستدامة ينبغي أن تتعامل مع وتدمج بطريقة متزنة كل الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وما بينها من روابط (الفقرة 246). وهذا النهج يمكن أن يخدم في السماح باستعادة بعد (المساواة) الاجتماعية للأهداف الإنمائية، والتي تم نزع مضمونها الحقوقي في عملية تنقية الأهداف الإنمائية من إعلان الألفية (2000) الذي كان أكثر استنادًا وتعزيزًا بالقانون الدولي.

وندل بولينجت Windel Bolinget من جماعة إجورا الأصلية في الفلبين، ممثلاً عن تحالف شعب كورديليرا Cordillera في القمتين 1992 و2012، يرى أن بعدًا رابعًا من الضرورة أن يضاف إلى المفهوم. موضحًا أنه من منظور الشعوب الأصلية فإن الرؤية العالمية لثقافية لشعوبنا هي أن الإنسانية يجب أن تكون منسجمة مع الطبيعة الأم. وينبغي علينا أن نتعامل مع الطبيعية  كمصدر للعيش، وليست للاستخلاص والاستنزاف. وبالنسبة للأزمات المتعددة التي يواجهها العالم اليوم ـ اقتصادية واجتماعية وسياسية ومناخية ـ فإننا، كشعب أصلي، لدينا كثير مما يمكن أن نقدمه كحلول.

الاقتصاد الأخضر

لاستيعاب الحماسة المتأرجحة حيال انخفاض الانبعاثات الكربونية التي ميزتها ما جرة مؤخرًا من عقد مؤتمر بون المناخي في مايو/أيار/ Bonn Climate Conference in May أعلن مسئولو الأمم المتحدة UN officials أن التأكيد في ريو يجب أن ينصب على أن الاقتصاد الأخضر عبر العالم، لا يتعامل مع التغير المناخي.

وباجتماعهم تحت مفهوم مشترك وهو الاقتصاد الأخضر وجد المشاركون في ريو+20 تفسيرًا جديدًا وساخرًا لهذا المفهوم المعياري بوصفه مؤشرًا ومرشدًا لعصر جديد من الاستغلال الجامح للطبيعة من أجل الربح. ولعل الخمول الذي حدث في ريو+20 والذي انتقل إلينا عبر الوثيقة الختامية، المستقبل الذي نريد، لا يظهر التزامات جديدة من قبل الحكومات وينطلق من مفهوم التزامات دولة موجودة.

ووفقًا للأستاذ البروفيسور تيم جاكسون Professor Tim Jackson، مؤلف الكتاب المؤثر الرخاء بدون نمو Prosperity Without Growth، فإن مؤتمر ريو+20 قد فشل لا في تقديم أمل جديد للإنسانية فحسب، بل وكما يعتقد جاكسون أن 190 من رؤساء الدول والوزراء الذين وقعوا الوثيقةالختامية قد خانوا بالفعل رؤية اقتصاد أخضر في فشل ذريع في المسئولية.

ولقد توصلت حركات المجتمع المدني في النهاية إلى رفض مبادرات الاقتصاد الأخضر التي روجت لها الأمم المتحدة بوصفه المنحى الأكثر برجماتية في التعامل مع الأزمات البيئية.

وأوضح ويندل بولينجت: عندما ننظر إلى المقترحات السياسية لمسودة الوثيقة التي رسمها البرنامج البيئة للأمم المتحدة، فإن الاقتصاد الأخضر في الأساس يحول الطبيعة إلى رأسمال، ومن ثم فهو في الأساس تسليع للطبيعة، ورصيدنا من الكربون والنظام البيئي ككل. فالشركات تسعى لدر الأرباح من هذه الاستثمارات. ولا تتعامل مع الأسباب الأصلية للتغير المناخي من قبيل القوة النووية، والصناعات التنجيمية، وتلوث الأنهار و[تدمير] أرضنا الأم.  

ومعظم المراقبون من الخارج للحكومة والتجارة الكبيرة يعتبرون أن ريو+20 كان فشلا بمقاييس تاريخية failure of epic proportions. وثمة مواطنون شكلوا اتفاقهم الخاص على أن الشعب لم يحصل على المستقبل الذي نريد، بسبب القادة غير المسئولين. في وهذه الأوقات من الانتفاضات الجماهيرية وحركات الاحتلال فإن غضب المجتمع المدني من فشل ريو+20 قد يدل على أن نتائج المؤتمر الحقيقي مازالت غير مرئية.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN