English عن التحالف اتصل بنا العدد 15 - آذار / مارس 2017 الرئيسسة
تطورات عالمية

المكاسب والخسائر من أجندة الموئل الثالث

كلما خضعت أية سياسة عالمية للاستعراض الدوري وإعادة النظر، فإن تلك العملية قد تنطوي على احتمالية اسقاط المبادئ التي تم إقرارها سابقاً و إنشاء مبادئ أخرى جديدة. فضلا عن أن الصيغة الجديدة لتلك المبادئ لا تعد بأن تكون أكثر تقدماً أو أكثر ملائمة من الصيغة السابقة، على الرغم من التوقعات الشعبية تجاه الصياغة الجديدة. بل إنه في كثير من الأحيان يكون النضال من أجل الحفاظ على الانجازات السابقة، وفي نفس الوقت يسعى إلى الحصول على تعهدات جديدة تعكس الدروس المستفادة، ووضوح أكبر للمفاهيم، و الممارسة التطورية في مواجهة التحديات الجديدة.

وبالعودة للنظر إلى عملية الموئل الثالث التي قادت إلى إقرار الأجندة الحضرية الجديدة، فالقيام بعملية حصر للمكتسبات والخسائر المعيارية هو أمر جوهري لتقييم مدى التقدم العالمي ــ أو التراجع ــ في وضع المعايير الجماعية والتي من المفترض أن تعالج التحديات المستمرة والناشئة. وكما هو الوضع في مؤتمرات الأمم المتحدة والعمليات الأخرى الخاصة بصنع السياسات، فإن الحد الأدنى من المعايير يدعو إلى تجديد التعهدات بشأن تحقيق الأهداف المتكاملة لمنظومة الأمم المتحدة المعنية بالسلم والأمن، والمضي قدما في التنمية وحقوق الإنسان، كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

وقد أصدرت معظم مؤتمرات الأمم المتحدة تلك، صكوك تفسيرية لتوجيه الجهود الفردية والجماعية للدول نحو تحقيق المزيد من تلك الأهداف والغايات العالمية. إلا أن، السكرتير العام لعملية الموئل الثالث، والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية جون كلاوس، قد اقترحا تحولا جذريا، يتوخى انقطاعا واضحا وصريحا عن الماضي، خاصة عن الاتفاقات السابقة لكل من الموئل الأول (1976)، والموئل الثاني (1996).

وفقد بلورت الجولتان الأولى والثانية لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية مفهوم الموئل باعتباره نهجاً إقليمياً وقطاعياً شاملاً لتخطيط المستوطنات البشرية، والذي يضع التركيز على الروابط بين الريف والحضر، ويعامل القرى والمدن على أنهما طرفا الكيان المتصل بالمستوطنات البشرية في نظام ايكولوجي مشترك. وقد نحت جانباً سكرتارية الموئل الثالث ذلك النهج الشامل تجاه التنمية المستدامة، ومع الاقتراح بأن التحضر أمر لا مفر منه فقد تسبب في احداث تحولا من أعلى لأسفل ليحل محل الرؤية الأكثر عالمية لمؤتمرات الموئل السابقة.

وفي عام 2016، تم استبدال تلك الأجندات التأسيسية بـالأجندة الحضرية الجديدة التي تعكس سبل استغلال التحضر بشكل لا يمكن التصدي له وغير قابل على للتحدي. وقد تحول التعهد الرئيسي للأجندة السابقة بالتنمية المتوازنة بين الريف والحضر، إلى الاقتصار على تفضيل السياق الحضري والاحتفاء به، والسعي إلى اقصاء سكان الريف وقضاياهم، باستثناء ما يخدم مصالح المدن، على الرغم من التعهد الذي أقرته أجندة التنمية المستدامة 2030 بعدم إغفال أي أحد، وكذلك الإنذار العالمي عن مساهمة التحضر في ظاهرة تغير المناخ المدمرة.    

هناك اختلاف رئيسي أخر في عملية الموئل الثالث وهو التحول الفعلي من التعهد بالنهج القائم على مبادئ حقوق الإنسان، والافتقار إلى التركيز على الحوكمة الرشيدة والعدالة الاجتماعية والتي كانت قضايا مركزية في الموئل الثاني. وبالرغم من ذكر الأجندة الحضرية الجديدة على النحو الواجب مبادئ حقوق الإنسان في المساواة، و عدم التمييز، والمساءلة، والتضامن، إلا أنها لا تشدد على التعهدات القانونية القائمة للدول، أو تفعيل إطار عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة، وترك القليل من التوجيه بشأن كيفية إعمال تلك الواجبات القائمة على التعهدات الملزمة. 

وقد اسقطت الأجندة الحضرية الجديدة تعهد الموئل الثاني 1996 ـ والذي ذكر 61 مرة في أجندة الموئل الثاني ـ بالإعمال التدريجي للحق في السكن الملائم، واستبدالها بثلاثة إشارات أقل تعهدا تحقيق الإعمال الكامل للحق في السكن الملائم (الفقرة 13/أ)، وتعزيز السياسات التي من شأنها أن تدعم تلك الحقوق (الفقرة 31) ونحن سوف نعزز من تحقيقها (الفقرة 105).

نصت أجندة الموئل (1996)، على التعهد بمنع ومعالجة الإخلاء، و إنهاء التشرد. في حين لم تعكس عملية الموئل الثالث مثل تلك الوعود، وتعكس مفهوم ضيق لمعالجة الانتهاكات المتعلقة بالحق في السكن الملائم وأسبابه الهيكلية. وتشير لغة الأجندة الحضرية الجديدة الأكثر غموضاً، إلى تعزيز لوائح ملائمة وقابلة للإنفاذ لمنع ومكافحة المضاربة، والتشرد، والمحرومين من المأوى، والإخلاء القسري التعسفي (الفقرة 111). إضافة إلى منع الإخلاء القسري التعسفي والتركيز على الأشخاص المحرومين من المأوى (الفقرة 31).

كذلك، من الجدير بالملاحظة أن نص الأجندة الحضرية الجديدة يعتبر طموحاً بشكل كبير، ولكنه أقل من الناحية العملية مقارنة بسابقته من أجندة الموئل. وقد استوعبت المفاوضات، وخاصة في أثناء الاجتماع الثالث للجنة التحضيرية التي عقدت في يوليو/تموز 2016، جهود كلا من الولايات المتحدة وكندا لإدراج الوصف الزائد للإخلاء القسري غير المرغوب باعتباره تعسفياً، كما لو أن الإخلاء القسري يمكن أن يكون غير تعسفياً وفقاً لتعريفهم القانوني.

وقد اقرت خطة عمل فانكوفر للموئل الصادرة في 1976، كيف أن أيديولوجيات الدول تنعكس في سياساتهم المعنية بالمستوطنات البشرية  ومحذرة بأن تلك الصكوك كونها تتمتع بسلطة للتغير.... فلا يجب أن يتم استخدامها لتجريد الناس من مساكنهم وأراضيهم، أو لترسيخ الامتيازات والاستغلال. هذا الاعتراف بالأسباب الجذرية لانتهاكات والتوجيه المعياري نحو تصحيحها قد تم اسقاطها من مائدة مفاوضات الموئل الثالث وإرجاءها والترحيب بدلا من ذلك بدور الأعمال والقطاع الخاص (48 ،53 ،82 ،126 ،132 ،139-143) وبنوك التنمية (82 ،132 ،139 ،140 ،142) تجاه تحقيق حقوق الموئل.

وفيما يتعلق بإغفالات ذات صلة، فقد تجنبت عملية الموئل الثالث والأجندة الحضرية الجديدة التي نتجت عنها، القضايا الملحة مثل أزمة الهجرة العالمية، والانتهاكات المستمرة لتدمير موئل الإنسان، و إشكاليات التحضر في سياق التغير المناخي، والتفاوت غير المسبوق بين الدخل والثروة والمتجسد في التنمية الحضرية، وضرورة دعم الدولة للإنتاج الاجتماعي الشعبي للموئل. وقد يشكل رفض الموئل الثاني، واخفاق الأجندة الحضرية الجديدة في إدماج تلك الدروس جزء لا يمكن محوه من تراثها الماضي نحو المستقبل.

ولكن في الوقت نفسه، تضمنت الأجندة الحضرية الجديدة بعض الإيجابيات، والمفاهيم الجديدة، على الرغم من عدم صياغتها في لغة تتمتع بخصوصية إلزامية أو تشغيلية. فعلى سبيل المثال، نجد أن الأجندة تتوخى المدن والمستوطنات البشرية التي تؤدي وظيفتها الاجتماعية، ومن بينها الوظيفية الاجتماعية والإيكولوجية للأرض (13/أ، 59). ولكن لا تزال تلك الرؤية مفتقدة لأجزاء تشغيلية في الأجندة الحضرية الجديدة.

وتتماشى تلك الاسهامات الإيجابية المحددة لأجندة الموئل الثالث مع غيرها من المصطلحات المؤيدة منذ مدة، لا سيما الرؤية المشتركة والتي وُضعت كتمهيد للأجندة، واعترفت بمفهوم ورؤية الحق في المدينة، والذي نصت عليه بعض الحكومات الوطنية والمحلية في تشريعاتها، واعلاناتها ومواثيقها السياسية. إضافة إلى الشعور بالامتنان من الاعتراف بدور الحركات الاجتماعية الحضرية في تعزيز مطالب الحق في المدينة ومبادئ الحكم في المقابل، والتي أخضعتها الأجندة الحضرية الجديدة تحت رؤية المدن للجميع. ذلك المصطلح لم يكن معتاداً، ولم يتم تعريفه بعد، ويبدو أنه تمت صياغته لأجل تلك المناسبة الخاصة للموئل الثالث، فضلا عن أن النسخة المترجمة للعربية بشأن الوثيقة وتناول تلك الرؤية تحتاج إلى صياغة أكثر وضوحاً فيما يتعلق بتعريب المصطلحات والمفاهيم.  ولو لا ذلك الكتاب الهام والذي يحمل نفس العنوان ونشره التحالف الدولي للموئل للموئل في عام (2012)، والمخصص تحديداً لتناول مفهوم الحق في المدينة لظل ذلك مفهوم المدن للجميع غامضاً.

ومن الانجازات الإيجابية الأخرى لعملية الموئل الثالث هو اعتراف أجندتها الحضرية الجديدة الثابت بأن التنمية الحضرية يجب أن تسعى إلى المساواة بين الجنسين وأن السياسات والنهج المراعي للاعتبارات الجنسانية هو المعيار الأساسي للفترة الحالية.كما نشكر الجهود المضنية للجماعات الضغط، لاسيما من قبل أصدقائنا وزملائنا من لجنة Huairou، واعتراف الأجندة الحضرية الجديدة بشكل خاص كذلك، باحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم في المشاركة، والتعهد بمكافحة التمييز ضدهم. إلا أن روسيا ومصر سوف يظلا من الدول التي تحول دائما دون الاعتراف بالتمييز القائم على الهوية أو التوجه الجنسي، إضافة إلى التزامات الدول بالقضاء على هذا الشكل من أشكال تمييز.

وتحفل الأجندة بالعديد من المكاسب والخسائر مقارنة عما سبقها من أجندات. وعن الموئل الثالث، اصدر التحالف الدولي للموئل بيان بشأن موقفهم من الفجوات التي لازالت موجودة والأولويات التي تُركت دون معالجة للسنوات العشرين القادمة في تنفيذ السياسة العالمية الجديدة. فمنذ إقرار الأجندة الحضرية الجديدة، اشترك التحالف الدولي للموئل في عملية استشارية لتقييم تلك المكاسب والخسائر مع الأعضاء. وستكون نتائج ذلك الاستعراض بمثابة أساس توجيهي لعملية الرصد والتقييم للوثيقة المعيارية الجديدة وتنفيذها. وتتمتع شبكة حقوق الأرض والسكن بوضع لقيادة مرصد التحالف بشأن موئل حقوق الإنسان في السنوات القادمة لمراقبة تعهدات الموئل الثالث، كما فعلت سابقا في الفترة ما بعد الموئل الثاني.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN