English عن التحالف اتصل بنا الإصدار الثامن - كانون الأول / ديسمبر 2013 الرئيسسة
تطورات اقليمية

استثمار الأراضي في جنوب السودان: لعبة خطرة في أحدث دولة في العالم

في يوليو/ تموز من العام 2011، وبعد ثلاثون عاماً من الحرب الأهلية والذي أدى إلى تدمير المساكن والأرض و الاقتصاد، نشأت دولة جنوب السودان دولة حرة مستقرة. هذه الدولة الضعيفة والمشتتة على الرغم من اعتمادها على المساعدات بشكل كبير، إلا أن الفساد المستشري فيها جعلها هدفا مربحا للاستثمارات الخاصة والاستحواذ على الأراضي بشكل واسع الانتشار. و يشكل التوجه الحالي لنهب الأراضي للدول الإفريقية، ودور المستثمرين الأجانب، فضلاً عن المراقبة اللاحقة على الموارد الطبيعية القيِّمة، شكلا جديدا من أشكال الهيمنة والتي تمثل تهديدا خطيراً على تأسيس وتعزيز سيادة الدولة، وحق الناس في الوصول إلى الموارد الضرورية إداراتها من أجل تحقيق حقهم في الغذاء.

الاستحواذ على الأراضي في مرحلة ما بعد الصراع

تفتقر الدول الناشئة في مرحلة ما بعد الصراع مثل دولة جنوب السودان، إلى الاستثمار فضلا عن قلة الموارد الطبيعية لديها لعرضها على السوق العالمية. وتعتبر الاستثمارات الأجنبية في الأراضي عامل جذب مخادع.[1] فبين عامي 2007 و2010، استحوذت الشركات الأجنبية سواء التابعة للحكومات أو الأفراد، على 2.64 مليون هيكتار من الأراضي في جنوب السودان، والتي توازي تقريبا مساحة دولة مثل سلوفينيا.[2] مما يعني أنه في يوم 9 يوليو/تموز 2011، والذي أعلن فيه قيام دولة جنوب السودان وانتهاء اتفاق السلام الشامل[3] كان ما يقرب من 9% من إقليم دولة الجنوب خاضع بالفعل للسيطرة الأجنبية ولا زالت هذه النسبة مستمرة.   

فقدرة الدولة على تأجير الأراضي، أو جعلها في المقام الأول يرجع إلى الافتقار إلى عدم وضوح حيازة الأراضي، وتحديداً، الافتقار إلى التماسك بين الحيازة العرفية والقيمة التشريعية للقوانين المنظمة للأراضي.  فأكثر من 90% من الأراضي في دول جنوب الصحراء يتم تنظيمها في إطار غير رسمي، رغم أن الدولة تمتلك رسمياً تلك الأراضي، وأن الذين يستخدمونها ليس لديهم سند رسمي أو ملكية لها.[4]

الوضع في جنوب السودان صعب للغاية، بسبب نزوح الكثير من الأشخاص من أراضيهم السابقة نتيجة الصراع. إضافة إلى أن تدخل المؤسسات التمويلية الدولية مثل البنك الدولي، وغيره من الجهات الدولية الفاعلة، في سياسات إصلاح الأراضي، خلق بيئة ملائمة للغاية للاستثمارات الأجنبية.[5] ويدعي العديد من مؤيدي تلك الصفقات بأن الاستثمار الزراعي سوف يتصدى لقضية انعدام الأمن الغذائي المحلي، إلا أن، معظمهم يتصرفون بشكل ينطوى على الكثير من الغموض، لأن المعلومات الخاصة بتحويل الأموال، وتحديد الأطراف الرئيسية ودوافعهم الحقيقية، لا يزال هدف بعيد المنال.

وقد وثق الباحثون، وبالأخص من خلال معهد أوكلاند، هذه الظاهرة بشكل دقيق[6]. حيث أوضحت تقاريرها بأن جميع الاستثمارات التي يتم تنفيذها في جنوب السودان تنطوي على الكثير من المخاطر لكلا الطرفين، ولكن تحديداً للمجتمعات المحلية؛ لأنه على الرغم من أن الحكومة في جنوب السودان تقوم باتخاذ خطوات نحو تطوير سياسات الأراضي، إلا أنها تفتقر إلى نظام واضح لحيازة الأراضي.

فبدون قواعد واضحة ومتسقة من جانب الحكومة، فسوف يتم حرمان العديد من المجتمعات المحلية المهددة من حقهم في الموافقة المسبقة و الحرة والمستنيرة[7] فضلا عن تعرضهم للتشريد. وبشكل جوهري ما يتم فقده فقد هو في الغالب ما يسمى بالمنفعة المجتمعية العائدة من تلك الاستثمارات الزراعية.   

الوصول إلى الأرض

طبقاً لبرنامج الغذاء العالمي، ما يقرب من 90% من الأسر في جنوب السودان يعتمدون على الزراعة، وتربية المواشي وصيد الأسماك، أو الغابات لتلبية احتياجاتهم، مما يوحي ضمنياً اعتمادهم الأساسي على الوصول إلى الأرض. 

كما أن معظم الصفقات الكبرى للأراضي التي تمت تشمل أراضي يتم استخدامها بالفعل من قبل المجتمعات المحلية، ويقع معظمها في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، حيث يعتمد العشرات وحتى مئات الآلاف من الأشخاص على الأرض والموارد الطبيعية في تدبير معيشتهم اليومية.[8]  وتهدد بشكل خطير عمليات نهب الأراضي التي تتم على نطاق واسع في جنوب السودان العديد من الأسر في كيفية تلبية احتياجاتهم الأساسية. و تشير الصفقات الخاصة بالأراضي إلى أن الأرض يمكن لها أن تدعم كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية، وإنتاج كمية وفيرة من الطعام، بينما يتوقع برنامج الغذاء العالمي بأن تقديم المساعدات الغذائية في عام 2013 يصل إلى 2.8 مليون شخص في جنوب السودان، أو ما يقرب من 28% من مجموع السكان.[9]  

نحو المضي قدماً

لقد جاء الوقت للتساؤل حول الالتزامات الأخلاقية والقانونية لحكومة جنوب السودان، بسبب ترحيبها بالاستثمارات الأجنبية في القطاع الزراعي والذي يهدف بالأساس إلى تصدير المواد الغذائية. في حين أن نسبة كبيرة السكان المحليين يفتقرون إلى سبل الوصول إلى الغذاء، وبالتالي، عدم تمكنهم من تحقيق حقهم في الغذاء.

وعلى الرغم من أن جنوب السودان أصبحت دولة عضو بالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، فإنها لم إلى الآن لم تنضم إلى العديد من معاهدات الحماية الدولية الرئيسية، بما فيها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية، فضلا عن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول/ غامبيا)، والذي يحوي قراءة متقدمة لمبادئ حقوق الإنسان، ويحمل المبادئ الأساسية للسيادة الغذائية، وهي السيطرة المحلية على النظام الغذائي. فقد نصت صراحة المادة 21 من الميثاق على توفير الحماية استغلال الموارد الطبيعية واستعادة الحقبة الاستعمارية الماضية من خلال الاستغلال الاقتصادي الأجنبي وخاصة ما تمارسه الاحتكارات الدولية، وأنه يجب أن يتم قرأته في ضوء التهديدات الحالية لنهب الأراضي، حيث تنص على أن تتصرف جميع الشعوب بحرية فى ثرواتها ومواردها الطبيعية. ويمارس هذا الحق لمصلحة السكان وحدهم. ولا يجوز حرمان شعب من هذا الحق بأي حال من الأحوال؛ في حالة الاستيلاء، للشعب الذي تم الاستيلاء على ممتلكاته الحق المشروع فى استردادها وفى التعويض الملائم؛ يمارس التصرف الحر فى الثروات والموارد الطبيعية دون مساس بالالتزام بتنمية تعاون اقتصادي دولي قائم على أساس الاحترام المتبادل والتبادل المنصف ومبادئ القانون الدولي؛ تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق بصفة فردية أو جماعية بممارسة حق التصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية بهدف تقوية الوحدة الأفريقية والتضامن الأفريقي؛ وتتعهد الدول الأطراف فى هذا الميثاق بالقضاء على كل أشكال الاستغلال الاقتصادي الأجنبي وخاصة ما تمارسه الاحتكارات الدولية وذلك تمكينا لشعوبها من الاستفادة بصورة تامة من المكاسب الناتجة عن مواردها الطبيعية. أيضا توفر وثائق حقوق الإنسان إطار معياري هام عن مسئولية الالتزام القانوني للدولة. ومن ضروري أن يتحرك جنوب السودان في ذلك الاتجاه، بداية بالتصديق على تلك الصكوك والعمل على الالتزام بها وتنفيذها.

أيضا هناك مجال أخر ينبغي التركيز عليه خلال تلك الفترة الانتقالية، وهي الالتزامات الخارجية للدول التي تستثمر في جنوب السودان.[10] فلابد للمستثمرين الأجانب أن يتبعوا إجراءات صارمة فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في الدول التي تستثمر فيها، ويجب أن يكون ذلك محل ضمان من الدول من خلال الامتثال لالتزاماتهم الحقوقية.

كذلك هناك، وثائق دولية أخرى، يمكن للدولة أن تسترشد بها، وقد تم إقرارها حديثاً، وهي الخطوط التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسؤولة للحيازة[11] والصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، خاصة عند تنفيذ سياسات الأراضي الجديدة التي اعتمدتها حكومة جنوب السودان.[12]

إلى الآن، لم يستفد معظم السكان من الانفصال، ولم تشهد الخدمات الأساسية أو وسائل المعيشة أي تحسن. فتلك الدولة الجديدة تواجها ضرورة ملحة بوضع الشعب قبل الأرباح، وأن الاستراتيجيات التي تسمح بالسيطرة المحلية على الموارد الطبيعية، ليس فقط ستعزز الاقتصاد المحلي بطريقة ملائمة ثقافياً، ولكن أيضاً سيكون لديها القدرة على خفض الاعتماد المساعدات. 

كما أن تلك الموجة الحالية لشراء الأراضي عبر أنحاء جنوب السودان لم يتم الإعلان عنها بشكل كامل، وذلك بسبب الوضع السياسي غير المستقر، لذلك، لا بد لحكومة وشعب جنوب السودان أن يتحرك الآن لعكس الاتجاه لضمان الدعم والحفاظ على حقوقهم في مواردهم. وبالتالي سوف تكون هذه إستراتيجية رئيسية لأحدث دولة بالعالم، للوصول إلى الاستقلال الحقيقي والحرية.

 

(هذه المقالة نشرت لأول مرة في العدد 2013 من مطبوعة الحق في الغذاء والمراقبة الغذائية)   



[1] Alexandra Spieldoch, “Global Land Grab,” Foreign Policy in Focus, 2009. www.fpif.org/articles/global_land_grab.

[2] David K. Deng, The New Frontier: A Baseline Survey of Large-scale Investment in Southern-Sudan, Norwegian People’s Aid, 2011.  http://southsudaninfo.net/wp-content/uploads/reference_library/reports/new_frontier_large-scale_land_grab_sout_sudan.pdf

[3] The Comprehensive Peace Agreement (CPA) was an agreement signed between the north and south of Sudan in 2005, and put a formal end to 21 years of civil war.

[4] O. De Schutter, Large-scale Land Acquisitions and Leases: A Set of Core Principles and Measures to Address the Human Rights Challenge,OHCHR, 2009. www.srfood.org/images/stories/pdf/otherdocuments/20090611_large-scale-land-acquisitions_en.pdf

[5][5] S. Daniel & A. Mittal, (Mis)investment in Agriculture: The Role of the International Finance Corporation in Global Land Grabs, Oakland Institute: 2010. www.oaklandinstitute.org/misinvestment-agriculture-role-internationalfinance-corporation-global-land-grab

[6] For more detailed information on specific cases, please see: David K. Deng, “Country Report: South Sudan,” Understanding Land Investment Deals in Africa, 2011.

www.oaklandinstitute.org/sites/oaklandinstitute.org/files/OI_country_report_south_sudan_1.pdf  and Oxfam Briefing Paper n°151, Land and Power,

the growing scandal surrounding the new wave of investment in land, 22 Sept. 2011, pp.13–14. www.oxfamnovib.nl/Redactie/Downloads/Rapporten/bp151-land-powerrights-acquisitions-220911-en.pdf.   The Land Matrix also provides a list of most publicized land deals, size of the invested area and the

financials involved, which can be found here: www.landmatrix.org/get-the-detail/by-targetcountry/south-sudan

[9] South Sudan: Overview, World Food Programme, 2013. www.wfp.org/countries/south-sudan/overview

[10] For more information on the extra-territorial obligations of States, visit: www.etoconsortium.org

[11] “Voluntary Guidelines on the Responsible Governance of Tenure.” Natural Resources

and Environment: About the Voluntary Guidelines on Tenure. FAO. www.fao.org/nr/tenure/voluntary-guidelines/en

[12] Draft Land Policy, Southern Sudan Land Commission, Government of South Sudan, 2011. At the time this article was written the final approved policy was not available.

The above information was taken from the policy draft written in 2011, which can be found here: www.scribd.com/doc/49322360/Draft-Land-Policy


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN