English عن التحالف اتصل بنا الإصدار الثامن - كانون الأول / ديسمبر 2013 الرئيسسة
تطورات اقليمية

الوقوف على أرض غير ثابتة: وضع التملك بالتقادم في مصر

لقد عكس العامل الوحيد والرئيسي في النظم المبكرة لإدارة الأراضي، في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سيطرة التيارات الإسلامية المختلفة، مع تقاليدها ومبادئها القائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة. ففي القرن التاسع عشر دوّنت الإدارة العثماني نظم حيازة الأراضي التي كانت سائدة آنذاك، في مجموعة من اللوائح التي لا تزال تتبعها الحكومات في غالبية الإقليم. إلا أن الدول المستقلة الناشئة في القرن العشرين، قامت بإعادة توزيع الأراضي الزراعية، وخلق طبقة جديدة من القواعد.

ووسط هذه التطورات، لم تعالج نظم حيازة الأراضي بشكل ناجح، العديد من حالات عدم المساواة والغبن القديم، بل وخلق حالات جديدة، من ضمنها مشاكل الأسر المعدمين في الريف والحضر، وصغار الفلاحين، واستمرار النضال من أجل التنافس على بقايا الأراضي الزراعية المحدودة والمجزأة، فضلا عن استمرار فقدان مناطق الرعي التقليدية.

وقد أدى انعدام الاتساق والانسجام بين القوانين واللوائح المتعددة، فضلا عن وسائل التنفيذ المتعارضة، إلى غموض قانوني لحيازة الأراضي، خاصة للفقراء، الذين يعتمدون على الموارد البيئية في مأواهم. وغالباً ما يؤدى عدم حل مثل تلك الأوضاع إلى آثار سلبية مثل نزع الملكية، والإخلاء القسري. ويتوافق ذلك مع الوضع العالمي، فغالباً ما تكون الحقوق في الحيازة بوضع اليد والمنصوص عليها في القانون، محدودة أو مرفوضة باللوائح اللاحقة عليها (تقرير رولنيك، فقرة 84).

الممارسة الشائعة القديمة في مصر فيما يتعلق بوضع اليد، من خلال الاستيلاء على قطعة أرض دون أي وثيقة إثبات قانونية، يشكل تحديا كبيراً للدولة في إستصلاح الأراضي الحضرية من أجل إعادة الإعمار، وكذلك الأراضي الصحراوية والأراضي الممتدة على طول ضفاف النيل. وفي كثير من الأحيان تؤدي الخلافات الناتجة إلى مواجهات وربما إلى العنف. وغالباً ما تكون الأرضي الصحراوية هي الأراضي التي يتم استصلاحها، ولكن أصبحت أيضاً المراكز الحضرية، مناطق لتنازع الحيازة، لا سيما في إطار خطط إعادة الإعمار التي كان يتم الدفع بها في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وقد ظهرت الآن الصراعات بين مختلف الأطراف، بدءاً من العائلات الكبيرة، وصغار الفلاحين وأصحاب الأراضي، وحتى الشركات الكبيرة، سواء كانت تلك الأطراف لديهم حقوق قانونية من عدمه.

ويعتبر نظام وضع اليد شكل من أشكال الحيازة المكتسبة، حيث يعود تاريخها إلى الأحاديث النبوية في الإسلام، في باب ما ذكر في إحياء أرض الموات حيث قال من أحيى أرضا ميتة فهي له.. سواء كانت فيها قرب من العمران أم بعد سواء أذن لها لإمام في ذلك أم لم يأذن.

ومنذ عهد العثمانيين، الذين حكموا مصر من الفترة 1517- 1798، كانت حيازة الأراضي تنقسم إلى قسمين: الملكية الخاصة والملكية العامة ( ملكية الأراضي المملوكة للدولة). وقد طبق العثمانيون قوانين جديدة في 1858 لضمان تلقي مقدار من الدخل بشكل منتظم ومحدد، كضرائب، ومصروفات، وأعشار، لخزينة الدولة بناء على قيمة الإيجار، لأن الدولة تعتبر نفسها هي المالك الحقيقي للأرض، وبالتالي الحفاظ على الحق في جمع دخل منها.

وقد حدد قانون الأراضي العثماني الصادر في 21 إبريل/ نيسان 1858، خمس فئات محددة من ملكية الأراضي: الملك، الوقف، الأميرية، المتروكة، والموات.

عالج القانون المصري الحالي الحيازة المكتسبة في القانون المدني الذي أقر في 1949 في المادة (968)، والتي أتبعت إلى حد كبير النموذج الفرنسي. هذا التطور التشريعي قد ألغى التراث القانوني العثماني، بما فيها المفهوم العثماني للأراضي الميري الواسعة، والتي من المفترض أنها تنتمي إلى السلطان العثماني.

فقد استبدل المفهوم الحديث لأرض الدولة بتلك الفئات، وقسمت تلك الأصول العامة إلى فئتين: ملك الدولة العام (Public Property of the State)، وملك الدولة الخاص (Private property of the State).

في مصر، كانت الحيازة المكتسبةفي السابقبشأن الأرضي غير التابعة للدولة، أو غير المملوكة، مسموحة من الناحية النظرية في ظل الشروط التالية:

  • حيازة دون انقطاع لأكثر من 15 سنة، مع نية الحائز في اكتساب تلك الملكية لنفسه؛

  • أن تكون الحيازة بوضع اليد مستقرة مستمرة، ولم تخضع لأي نزاع قانوني، أو صراع، أو تنفيذ الحيازة ضد أطراف أخرى؛

  • يجب أن يكون الغرض من الملكية من أجل وظيفة أو استخدام مشروع (وليس استخدامها في أعمال غير مشروعة، مثل تجارة المخدرات، أو تجارة الجنس غير المرخصة، وغيرها)؛

  • ينبغي أن يكون الغرض من الملكية مرتبط بعقار (المباني أو الأراضي داخل مناطق التخطيط)، أو الأراضي الزراعية، الأراضي الشاغرة الناتجة عن هدم مباني قائمة؛

  • بموجب القانون بشكل، والقانون المدني المصري بشكل خاص، يجب أن لا تكون الحيازة بوضع اليد للملكية قد تحققت شروطها بالإكراه. وهذا يتفق مع المبدأ القانوني العام ما بني على باطل فهو باطل “ exinjuria jus non oritur، أو What is Built on Illegitimacy is Illegitimate” .

ثم تم حظر الحيازة بوضع اليد للملكية الخاصة أو الأراضي غير المملوكة بموجب مجموعة التصنفيات والشروط الأخرى:

  1. الأراضي المملوكة للدولة؛

  2. الملكية التي يتم استخدامها في أغراض غير مشروعة؛

  3. الأراضي المتروكة بدون تعمير أو استخدامها في الزراعة (مثل أراضي الصحراء، وغيرها)، حيث أن تلك الأراضي خضعت لأول مطلب مضاد لحيازتهامن قبل وزارة الدفاع، لاستخدامها في أغراض عسكرية؛

  4. الأراضي التي تخضع لنزاع قانوني على ملكيتها في خلال فترة 15 سنة تمثل تحديا لمطلب واضع اليد في حيازتها بمضى تلك المدة؛

  5. اعتراف الحائز بحق شخص أخر في الملكية الحقيقية (مثل دفع الضرائب العقارية أو مصاريف إدارية بإسم ذلك المالك الحقيقي)؛

  6. المالك الذي يتخلى بإرادته عن دعواه بالملكية للأخرين.

الحيازة بوضع اليد في حالة الميراث

للأشخاص الذين يرثون ملكية بوضع اليد  لهم الحق في الملكية، ولكن لا يطالب بها، لأن الفترة المطلوبة لإقرار الحيازة بوضع اليد هي 33 سنة دون انقطاع للملكية، وهي تمييزا عن فترة 15 سنة في الحالات الأخرى.

ملكية الدولة للعقارات والاوقاف الخيرية

قبل المادة 970 من القانون المدني كانت الحيازة بوضع اليد مسموح بها على ممتلكات الأوقاف الإسلامية أو المسيحية، والتي تم تعديلها في عام 1957، بحظر الحيازة بوضع اليد على هذه الفئات من الممتلكات. ثم تبعها تعديل في عام 1970 يسمح للهيئات الإدارية للدولة، بإزالة التعديات على الممتلكات العامة دون حكم قضائي، أما الحالة يتطلب فيها من الهيئات الإدارية الحصول على حكم قضائي عندما يكون لدى المالك عقد مسجل رسمي يثبت حقه في الملكية.

تنظيم الملكية غير المشروعة

في عامي 1948 و 2006، كانت القوانين والمراسيم تسمح لهيئات الدولة الإدارية ببيع ممتلكات وضع اليد لحائزيها بموجب لوائح وشروط معينة إلا أن، السلطات قد طبقت تلك النصوص بشكل ضيق جداً، خاصة في تقنين حقوق الحيازة بوضع اليد في الأحياء غير الرسمية. أما من الناحية العملية فقد تم تطبيق ذلك النمط من الحيازة بوضع اليد بشكل واسع للمستثمرين المستفيدين من الاستيلاء على الأراضي المملوكة للدولة، لاسيما في مشاريع استصلاح الأراضي ومشاريع تعمير الصحراء، و بتكلفة عامة ضخمة للبنية التحتية وتوصيل المرافق وخدمات المياه.

وفي حالات نادرة، كانت مطالب الحيازة بوضع اليد في الأحياء غير الرسمية مثل عزبة خيرالله، و جزيرتي القرصاية والدهب، على الرغم من أن المدعون لديهم حقهم الخاص في الاستمرار في استخدام الأراضي من خلال حق الانتفاع، ولكن دون الحق في بيع أو توريث الأرض. ولم يكن حكم القضاء المصري، بحق واضعي اليد في حيازة تلك الأراضي، مبنياً على النصوص الحرفية للقانون، ولكن على أساس السلطة التقديرية للقاضي في تحديد المصلحة الاجتماعية، حيث أن العواقب الاقتصادية والاجتماعية ستتجاوز المصالح القانونية في حالة الأمر بالتشريد أو الطرد.

إصلاح أراضي مناطق الحضر

عقب سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم في عام 1952، ظهرت بعض التشريعات الخاصة على سبيل المثال بشأن تنظيم أراضي الحضر. بينما قبل ذلك، كان يمكن وفقاً للقانون المدني المصري، أن يحصل أي شخص على حيازة قانونية آمنة لأي نوع من الأراضي، إذا استمرت حيازته للأرض حيازة آمنة مستقرة، ولمدة 15 عاماً وكان ذلك معمولاً به أيضاً منذ عام 1934 وقبل إقرار القانون المدني المصري.

بعد ذلك، ميزت التشريعات المصرية الشروط الخاصة بالحيازة بوضع اليد فيما يخص الأراضي الحضرية، عن الأراضي الصحراوية؛ فالقانون 124 لسنة 1958، نص على أن المطالبة بحيازة الأراضي الصحراوية ( والتي لا تدخل في نطاق التخطيط العمراني، أو ضمن الأراضي المستصلحة)، ينبغي أن يحصل على موافقة من وزارة الدفاع، بأن تلك الأرض ليست داخلة ضمن نطاق الأغراض العسكرية، أو في نزاع بحيازتها من قبل الدولة. (أنظر الشرط 3 من شروط حظر الحيازة السابق ذكرها). فالقانون 124 لم يجعل مطالبة الدولة بذلك الإدعاء، أو الإعلان عن أن اعتبار تلك الأرض ضمن الأغراض العسكرية، سابقا على مطالبة واضع اليد بالاعتراف القانوني لحيازته تلك الأرض.

ومنذ تطبيق القانون 124 على الأراضي الصحراوية بشكل صريح مستثنياً أنواع الأراضي الأخرى (أراضي التخطيط العمراني، أو الأراضي الزراعية)، إلا أنه قد أغفل تخويل المؤسسات الدولة العسكرية، أو أي هيئة أخرى للمطالبة بأراض من فئات الأراضي الأخرى. و دائماً ما يكون الخلاف بين الدولة وبين طالبي الحيازة بوضع اليد على تصنيف الأراضي الداخلة في نطاق التخطيط العمراني هل هي ضمن أملاك الدولة العامة، أم أملاكها الخاصة. حيث أن الأراضي الزراعية جميعها مملوكة ويكون النزاع بوضع اليد عليها أشد وتخضع لقوانين مقيدة أخرى.

ثم حظرت التشريعات اللاحقة، إمكانية مطالبة واضعي اليد بالحيازة كما جاء وفقا للقانون 100 لسنة 1964، والذي وسع سيطرة الأراضي الدولة على الأراضي غير المستخدمة، وأعطى المؤسسة العسكرية الحيازة الخاصة وحقوق الاستحواذ على الأراضي الصحراوية؛ كذلك القانون 143 لسنة 1981، قام بتوسيع تلك الصلاحيات ووضع شروط التعويض في حالات المصادرة .

وقد أصبح ممارسة الحيازة بوضع اليد أكثر انتشاراً، وأخذت شكل التجاوزات الفردية على أراضي الدولة، مع مبادرة الرئيس السادات باستصلاح الأراضي الصحراوية، لإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، مستغلين نص المادة 874 من القانون المدني المصري، والسماح لأي شخص بتملك الأرض في مقابل زراعتها، إلى أن صدر القانون 143 لسنة 1981، ليجرم بشكل فعال أشكال الحيازة بوضع اليد على معظم أراضي الدولة.

وعلى الرغم من ذلك، ظلت ممارسة الحيازة بوضع اليد مستمرة حتى جاء القانون 30 لسنة 1984، وأعطى مهلة ستة أشهر لتقنين أوضاع طالبي الحيازة بوضع اليد للزراعة، ثم صدر القانون 134 لسنة 2006، وأعطى فرصة أخرى لواضعي اليد لتسوية حيازاتهم المزروعة بالفعل، وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت وتيرة الاستيلاء بوضع اليد مرة أخرى في عام 2008، عندما توقفت الدولة عن فرض الحظر على تلك الممارسة.

والواقع، أن الدولة لم تكن شاملة أو متسقة في نزاعها مع حيازات وضع اليد في مناطق التحضر، سواء كانت خاضعة لخطط تعمير من عدمه. و يبدو أن الجمع بين قوانين محددة وممارسة مبدأ دعه يعمل، شكلت حالة من نادرة وقليلة من نماذج إصلاح الأراضي الحضرية. هذا الفارق جعل الحيازات بوضع اليد في مصر جدير بالملاحظة، وأن الحقوق المنصوص عليها بموجب القانون المدني المصري، ثم وضع حد أقصي للمطالبة بحيازات وضع اليد على الأراضي الحضرية بموجب القانون 1954، لم ترافقه أي برامج من المساعدة القانونية لأولئك الذين يطالبون بالحيازة، إضافة إلى أن عواقب افتقارهم للاستحقاقات القانونية، يترك مجالاً كبيراً للغموض والخلاف.  

ودائما ما ينشأ الإدعاء من قبل الدولة أو أطراف أخرى بحيازة الأرض، بعد أن يكون سكان تلك الأرض قد ارتضوا ما يقتضيه وضعهم القانوني للمطالبة بحيازتهم بوضع اليد. إلا أن السكان في كثير من الأحيان، لا يعلمون أن الدولة تطالب بالأرض التي يسكنوها، أو يدعمون أطراف أخرى يطالبون بها، إلا عندما يواجهون بدعاوى مضادة بحيازة تلك الأرض حين يطالبون هم بحيازتها بوضع اليد (سواء كانت رسمية أم غير)، والتي قد تظهر في شكل إكراه، أ والتهديد بالإخلاء، أو حظر أعمال الترميم والصيانة والتي تؤدي إلى الانهيار.

وهذه هي شكاوى العديد من سكان منطقة مثلث ماسبيرو بوسط القاهرة، حيث حافظ الكثير من السكان على الإقامة في الحي والذي يعود تاريخه إلى الفترة العثمانية؛ في حين، أن نفس الأرض تمثل أولوية في خطط إعادة التطوير التي تتسم بالإفراط في مستوى الرفاهية المعيشية  والتي يطلق عليها القاهرة 2050، وهي جزء الآن من خطة تطوير مصر 2052، وهو مشروع ضخم لإزالة المناطق السكنية القديمة وإعادة بناء المدينة التي استمرت إلى ما بعد عهد مبارك؛ وبالتالي فالنزاع الناتج على حيازة هذه المساحة السكنية، تعطي مثالا للغموض، والمخاطر الكبيرة للغموض القانوني بشأن الحيازة بوضع اليد وأمن الحيازة للأراضي التي يعتمد المصريون عليها والتي لازالت تعاني منذ زمن.              


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN