English عن التحالف اتصل بنا الاصدار السابع -آب/ أغسطس 2013 الرئيسسة
تطورات اقليمية

اسطنبول: حديقة جيزي من احتجاج محلي إلى تضامن عالمي

تحول ما بدا على أنه احتجاج للمطالبة باستعادة الحيز العام في وسط العاصمة اسطنبول، إلى موجات من التظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء البلاد في استجابة لتصاعد سيطرة التنمية الخاصة على الحيز العام. ففي 27 مايو/ أيار تجمع ما يقرب من 70 شخص من مناصري الحق في المدينة في ميدان تقسيم، في محاولة لوقف تدمير حديقة جيزي، والتي تعد واحدة من الحدائق و الأماكن العامة القليلة المتبقية في اسطنبول؛ بسبب صدور قرار لإعادة تخطيط ميدان تقسيم، والذي يعد مكان مركزي للتجمع في أكبر مدينة تركية، وتحويله إلى مجرد مكان لساحة سيارات، وفنادق سياحية، ومركز حضري عقيم الملامح.

 وفي أثناء الاحتجاجات الأولى للمتظاهرين في حديقة جيزي في تركيا، أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بأنه إن لم يتم إخلاء ساحة تقسيم، فإن قوات أمن هذه الدولة تعرف كيف يتم إخلائه. وقد تزامن هذا مع دخول قوات الشرطة الميدان بخراطيم المياه، وقنابل الغاز المسيل للدموع، وغيرها من الأساليب الأمنية الوحشية للسيطرة على الحشود، ولكن لم ينفض الحشد، واستمر في التزايد مع احتجاجات موازية في العديد من المدن والأحياء الأخرى في جميع أنحاء الدولة. وفي 31 مايو/ أيار، وصل عدد المتظاهرين وزاد إلى ما بين  5.000–10.000متظاهر في وسط المدينة، بسبب الرد العنيف والقاسي من قبل قوات الشرطة.

 وقد شارك أعضاء التحالف الدولي للموئل، والمنضمين معهم في المسيرة الشعبية والتي ضمت نشطاء محليين، وأشخاص متخصصين؛ كما رافق التحالف الدولي للموئل – شبكة حقوق الأرض والسكن، حركة الحضر في اسطنبول، و بيوت الناس في موجات التظاهرات والقمع، وشاركت بوجه خاص، الاتحاد العام للمهندسين والمعماريين الأتراك (TMMOB)، في اختصام الحكومة قضائياً على فرض خططها و ممارسة أعضاء برلمان الحزب الحاكم الانتقام منهم

 دائما ما تحاول تركيا أن تضع نفسها كدولة مستقرة ديمقراطية، بخلاف اعتبارها دولة مضطربة في نطاق الجغرافيا السياسية، فهي مثل علامة تجارية يتم تسويقها ودعمها للعالم الخارجي من قبل الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية (AKP)، مع الحفاظ على أمن الدولة الوطني النيوليبرالي، في أكثر الأفعال التي تم تبريرها باسم الاستقرار.

  وقد تراكمت قائمة طويلة من المظالم لدى الشعب التركي من أفعال الحكومة، من خلال تزايد الهجمات على المجتمع، ومن بينها وسائل الإعلام والصحفيين، وحقوق العمال، وحتى السلوك الأخلاقي. وهذا ما دفع المتظاهرين للنزول إلى الشارع لأسباب مختلفة، حيث خلقت الحركة الاجتماعية العفوية، حالة دينامية في أياً من مفاهيم الديمقراطية، والتقدم والنظام النيوليبرالي، يمكن أن تثير حولها الشكوك و تحديدها في إطار شعبي.  

 وعلى الرغم من تجذر الثقافة السياسية في الدولة التركية الحديثة مع النظام العلماني، إلا أنه في السنوات الأخيرة، اتخذت السياسة التركية توجها نحو مسار اليمين الإسلامي المحافظ على نحو متزايد، بالتزامن مع ميل سياسات الدولة  نحو السياسات الرأسمالية المهمينة، وسياسات الاقتصاد النيوليبرالي. وقد حدثت كل تلك التغييرات مع تزايد نفوذ كلا من عبدالله جول رئيس حزب العدالة والتنمية، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

 هذا التوجه للاستجابة الشعبية والمقاومة، لا يعتبر نموذجا فريداً في تركيا فقط، بل تناولته أعداد سابقة من نشرة أحوال الأرض، متمثلا في الحركات التي امتدت عبر إقليم الشرق الأوسط و شمال إفريقيا أثناء اندلاع تظاهرات الربيع العربي منذ بداية 2011. حيث شهدت بلدان الربيع العربي، مقاومة شعبية لمشاريع مماثلة لإعادة التخطيط الحضري، ومنها على سبيل المثال خطة القاهرة 2050، ومشاريع إعمار سوليدير بيروت. حتى أن مقاومة تلك النماذج التي أعتبرت من أقصى أولويات تنمية القطاع الخاص قد رددت أصداء عالمية، ووضعهم مقارنة مع حركة احتلو وول ستريت، والمتزامنة مع حركة المقاومة في جميع أنحاء البرازيل، ضد أوجه الإنفاق غير المناسب على التنمية في الحضر للتجهيز لدورة نهائيات كأس العالم المقبلة ودورة الألعاب الاولمبية الصيفية. وقياسا على ذلك، فقد حثت حركة الإسطنبوليين بشكل رسمي لجنة الأولمبياد الدولية لمنع اختيار مدينتهم لتكون مقر دورة الألعاب الاولمبية لعام 2020.

 فقد تجسدت تلك الايدلوجية الجديدة لتلك الاستفهمات الشعبية، في حركات المقاومة الحضرية في جميع انحاء العالم. ولكنها تأخذ طابع معين في إقليم الشرق الاوسط وشمال إفريقيا. وفي سياق المفاهيم الواضحة بشكل مبين في المطالبة بالحق في المدينة، تزايد ذلك المفهوم لدى المقاومين بأن المدينة تمثل ذلك الفضاء الجماعي المتنوع والغني ثقافياً، والذي ينتمي إلى كل  سكانها، والتي تتضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وجميع مبادئ حقوق الإنسان. فالعنصر الرئيسي لتلك الأيدلوجية هو الوظيفة الاجتماعية للمدينة، والتي تعلن فكرة أن يجب أن تأخذ المدينة على عاتقها تنفيذ مشاريع واستثمارات لصالح جميع المجتمع في الحضر، وفي إطار معايير العدالة التوزيعية، والتكامل الاقتصادي، واحترام الثقافة، والاستدامة البيئية، لضمان رفاهية جميع سكانها. ويطرح ذلك التوجه الأكثر اجتماعية للتقدم بأن يجب أن تعزز صياغة وتنفيذ السياسات العامة للعدل الاجتماعي، والتوازن البيئي في استخدام الفضاء الحضري. وبالأساس، يعتبر الحق في المدينة، هو تزاوج بين إدارة الفضاء والأشخاص فيما يتعلق بتحقيق الحد الأقصى لإدراك حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في الفضاءات الاجتماعية.

 وقد تبلور مفهوم الحق في المدينة في تركيا، ونقطة التقاء للمفاهيم، على خلفية أحداث حديقة جيزي، وغيرها من الاحتجاجات الراهنة، ونشر الكثير من علامات الاستفاهم عن مشاريع التنمية الحضرية الأخرى التي تفرضها الحكومة. حيث سمح مفهوم الحق في المدينة لتطور حركة عدم الانحياز في تركيا، في حين أنه لم يكن هناك حزب سياسي واحد لدعم الاحتجاجات. وعقدت منتديات عامة في 30 حديقة أخرى في اسطنبول، و في مدن أخرى من ضمنها أنقرة وأزمير وأضنة ومرسين وإسكيشهير، من أجل تواصل الحوار والنقاش، وكذلك للحفاظ على المقاومة بنفس روح جيزي. كما بدأ وضع خطط لخلق ممارسات ملموسة مثل ورش عمل لسكان الحي، وتحديد استراتيجية التواصل لمواجهة الدعاية الحكومية.

 ولا يزال هناك ما يشهد، حول كيفية استمرار تلك العملية لتظهر للعيان. فإن روح جيزي سوف تتواصل لتكون وسيلة والتي من يعيد من خلالها المواطنين الأتراك التأكيد على حقوقهم والمظالم ضد استغلال الحكومة، وسوف يراقب العالم ما يقرره الحزب الحاكم AKP، فيما إذا كان سيستمر في مساره الراهن من قمع صيحات الاحتجاج الشعبي، أو سوف يقوم بإصلاحات نحو نقاشات بناءة من شأنها أن تعزز الديمقراطية الشفافة استجابة للإرادة الشعبية.

 لذلك فإن حركة حديقة جيزي، تمثل ما هو اكثر من مجرد الحفاظ على حديقة عامة في تركيا، فهي تمثل نضال من أجل زيادة الرغبة للحضريين في جميع أنحاء العالم في حقهم في الفضاء العام، والتخطيط القائم على التنمية الاجتماعية، وما هو أكثر من ذلك، ضد أجندة الليبرالية الجديدة العالمية.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN