English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 4 - تشرين الأول/أكتوبر 2012 الرئيسسة
تطورات اقليمية

السياسة العربية والتخطيط الحضري

 ...مهما اختلفت الأسباب، فالنتيجة دائما ما تكون واحدة، لأن الأزقة والحارات المزرية تختفي لصالح الإسراف في الثناء على الذات من البرجوازية على حساب هذا النجاح الهائل، غير أنها تعاود الظهور في أماكن أخرى... فالضرورة الاقتصادية التي أوجدتهم في المكان الأول، ستعيد انتاجها في الأماكن الأخرى

فردريك إنجلز، مسألة السكن (1872)

من المحبط إلى حد كبير أن هذه الفقرات التي كتبها إنجلز منذ مائة أربعون عاماً ، مازالت تنطبق على وضع المدن العالمية في الوقت الحالي ، بما فيها إقليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وهنا يدفع  ديفيد هارفي David Harvey الجغرافي الشهير، بأن هذا التجديد للمشهد الحضري عبر حركة الحضرنة urbanization ، هو مجرد عرض لحاجة الرأسمالية لإعادة الاستثمار، واستيعاب فائض رأس المال الذي يستخرج من الطبقات العاملة، ولكن تتحكم فيه فئة قليلة. ويحاج هارفي بأن الحركات الاجتماعية الحضرية تسعى في هذا الإطار، لتحقيق قدر أكبر من السيطرة الديمقراطية على إنتاج الفائض والانتفاع به. ونظرًا لأن العملية الحضرية هي قناة رئيسية لاستخدام الفائض، فإن إرساء إدارة ديمقراطية لاستغلاله يشكل الحق في المدينة.     

وبطبيعة الحال، وفي إطار العولمة، تم استنساخ تلك العملية في المدن العربية. فعملية التخطيط وبعيدًا عن البراءة، يتم وصفها بأنها مساحات لحوار مدني لأن التحكم الاجتماعي هو العنصر الحاسم في ذلك. فالمدن هي مساحات لخطاب مكثف وتفاعل شديد، وبالتالي، ، تصبح السبب المباشر في وجود الحركات الاجتماعية.

لقد تغيرت المدن العربية تغيرًا كبيرًا عما كانت عليه في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، عندما سيطرت البلديات على التخطيط الحضري، وتوفير السكن المدعوم للمواطنين. أما الآن، فإن التركيز ينصب على بالأساس على نحو الاعتبارات الاقتصادية لا على الاعتبارات الاجتماعية. ف التخطيط الحضري يؤثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يشكل في واقع الأمر دوافع التخطيط العمراني في المقام الأول. أما فيما يتعلق بالمدن العربية فإن الصراع، والاحتلال، والحروب، تدخل من ضمن تلك العوامل.

عقب انتهاء الحرب في لبنان، تولت شركة سوليدير إعادة إعمار مدينة بيروت. وقد تعرضت تلك العملية لانتقادات بالتسرع والسطحية، وأنها تسببت في العديد من حالات التشريد في قلب مدينة بيروت. وبدلاً من أن تأخذ الحكومة اللبنانية في بدء مصالحة اجتماعية حقيقية لإنهاء الاختلاف الطائفي، تركت مجال إعادة الإعمار والبناء للقطاع الخاص، والذي بدوره قام بأعمال سطحية في مجال إعادة الإعمار ورؤى المستقبل فيما يتعلق بالتنمية.

وقد بدا هذا واضحا، من خلال تقليص المساحات العامة، وهدم أجزاء كبيرة من وسط المدينة لإفساح الطريق أمام مراكز التسوق الحضرية، والتي تخدم فقط فئة النخبة في المجتمع اللبناني والسياح، منفصلة عن بقية المجتمع اللبناني، لأن فرص إعادة البناء والمصالحة الاجتماعية لم تكن جزءا من خطط إعادة البناء.

فعلى سبيل المثال، أصبحت المدينة مقسمة شرقا وغربا على أسس طائفية خلال الحرب. فالمكان الوحيد الذي شكل مساحة شاملة للجميع وهو ساحة الشهداء، تم خصخصته تحت عمليات إعادة الإعمار، وأصبح عامة الناس غير قادرين على الوصول إلى أجزاء كبيرة من الغابات.

كذلك، مدينة رام الله في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من المدن التي سببت صدمة أيضاً، ليس بسبب الانقسامات الطائفية كما هو في لبنان، ولكن بسبب وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتي يحاصرها الاحتلال بمستعمرات المستوطنين، ونقاط التفتيش، وتقييد حركة السكان في التنقل، كتذكير دائم بالقمع الواقع على الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك، شهدت المدينة في السنوات الأخيرة نوع من الطفرة الحضرية، وتحسين حياة الطبقات المتوسطة، والمساهمة في بعض ما يُوصف بنظام التطبيع.

كما تعكس خطة الدولة، فضلا عن الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية لعام 2008، اشتمالها بشكل واضح لأجندة السياسات الاقتصادية التي أقرت في ما يعرف بمرحلة إجماع ما بعد واشنطن، والتي قدمت أفكارها من قبل مؤسسة بريتون وودز، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي في أواخر التسعينيات.

فالنسبة المئوية 8+ التي شهدته الضفة الغربية في النمو الاقتصادي منذ عام 2008، يظهر فعليا في مدينة رام الله، من خلال التمدد الحضري المكثف، وتطوير السكن، ومركز تحركات المنظمات غير الحكومية، فضلا عن السلطة الفلسطينية ذاتها، بالإضافة إلى الفنادق العالمية، وظهور أنظمة تداول الأسهم و الأوراق المالية. وهذا ما أدى إلى ما يعتبره الكثيرون لوهمًا عن الأمن والسلام في فلسطين، حيث أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، لا تزال تعاني من الظلم والفقر، كما أن مدينة رام الله نفسها لا تزال تحت الحصار.

وصف الحالة الذهنية لمدينة رام الله الحضرية:

في هذا التجلي المادي الصارخ لتفرد استعمار ما بعد الكولونيالي  تتكثف حالة من الموات في قلب أزمة السياسة الفلسطينية، مظاهرها: واقع معلق ، تأجيل الحلول والمصائر الوطنية.[1]  

أما مدينة القاهرة، فقد كانت خاضعة لعمليات مستمرة لإعادة التطوير والخصخصة، مما تسبب في تشريد الآلاف من بيوتهم واستقطاب مزيد الطبقات. فرؤية القاهرة 2050، هي بمثابة التهديد المتخفي وراء طموح حلم التخطيط الحضري، والذي يهدد بعمليات هدم لمناطق شاسعة للأحياء غير الرسمية، واستبدالها بمناطق متطورة تضم الفنادق، والمطاعم والطرق الجديدة.

و تعاني خطة القاهرة 2050 من الافتقار إلى المعلومات الواضحة والشفافية، ومشاركة المواطنين والأطراف المعنية والشفافية فيما يتعلق بالجهة المسئولة عن المشروع. أما الغموض الأكبر فيتعلق بالأهداف الاجتماعية والسياسية وأساليب التخطيط لتحقيق الهدف مو ورائها. وهذا يثير بشكل خاص قلق لسكان المناطق التي ستخضع للتطوير والتنمية، لأنها بالفعل قد شهدت عددا من انتهاكات الحق في السكن، مثل التشريد والإخلاء القسري، وعسكرة الحكم المحلي ضدهم، والتخطيط من أعلى لأسفل، والإخلاء القسري الوحشي والبطريركي وهذا ما يسفر بطبيعة الحال عن فقدان الناس لشبكاتهم الاجتماعية، وسبل العيش ورأس المال الاجتماعي، وقطع إمكانية وجود حركات اجتماعية. وعلى الرغم من أن تلك الخطط  قد وضعت قبل الثورة، إلا أنها لا تزال مستمرة دون تغيير وارد، ودون مشاركة الأشخاص المتضررين في التشاور أو التعاون معهم بشأن الخطة.

وقد حدد هارفي ملامح العلاقة بين الحضرنة والرأسمالية، مشيرًا إلى أن إعادة تشكيل المدن اليوم، والمزدهرة من حيث الحجم والعدد، يعكس متصل تاريخي. فالمدن تعكس الأزمات المنظمة من التراكم وتولد الدعوة إلى التحويل الديمقراطي للقوة التي تشكل تجربة الحضر. فالتحليل النقدي لتلك النماذج من التخطيط الحضري، لا غنى عنه في انتشار تلك العمليات من التحول الديمقراطي

 


[1] Nasser Abourahme, “The bantustan sublime: reframing the colonial in Ramallah,” City: analysis of urban trends, culture, theory, policy, action, Volume 13, Number 4, December 2009.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN