English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 4 - تشرين الأول/أكتوبر 2012 الرئيسسة
تطورات اقليمية

اختلالات التطور الحضري بالمغرب

لقد عرفت ظاهرة التحضر بالمغرب خلال القرن العشرين تسارعا كبيرا نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي أفرزها الاستعمار، حيث لجأت سلطات الحماية إلى إنشاء أحياء سكنية خارج أصوار المدن العتيقة بالإضافة إلى إنشاء مراكز حضرية جديدة وتنمية المدن الساحلية التي تعتمد على تجارة التصدير والاستيراد؛ كما ساهم النمو الديمغرافي والهجرة القروية بشكل كبير في تنامي سكان المدن الذين ارتفع عددهم من 20% من مجموع السكان سنة 1936   إلى 58.30%  سنة 2011 حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط.  كما ارتفع عدد المراكز الحضرية من 27 مركز سنة 1900 إلى 400 مركز سنة 2004. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تفكيك النسيج الحضري الأصلي وإعادة توزيع الوظائف الحضرية.

بالإضافة، فقد أدت السياسات العمرانية المتبعة منذ الاستقلال والتي ظلت تتميز بتحكم الهاجس الأمني إلى تفاقم المشاكل وتدهور المجال الحضري، كما أن العولمة وسياسية التقويم الهيكلي التي فرضت على المغرب من قبل المؤسسات المالية الدولية زادت بما لا يدع مجال للشك، من تعميق الاختلالات البنيوية في المجتمع المغربي وتأزيم الأوضاع الاجتماعية سواء في المدينة أو في القرية.  ومن أهم الانعكاسات التي أفرزتها هذه السياسات نسجل:

  • تمركز جل المدن بالسواحل والمناطق الفلاحية والصناعية واستقطابها للهجرة القروية وحرمان العالم القروي من جزء من طاقته الحيوية ورأسماله البشري وتعميق التفاوتات المجالية داخل التراب الوطني خاصة بين القرية والمدينة؛
  • توسع المدن على حساب الأراضي الزراعية والغابات والمجال الساحلي وقلة الحدائق والمجالات الخضراء وسط المدن وغياب التناسق الجمالي في النسيج العمراني؛
  • ارتفاع الطلب على السكن وعلى التجهيزات الأساسية في المراكز الحضرية كالطرق والماء الشروب والصرف الصحي والإنارة وتزايد حدة تلوث الهواء والماء والأرض وتراكم النفايات بشتى أنواعها؛
  • ارتفاع نسبة البطالة والفقروتنامي ظاهرة الباعة المتجولين ونقص الخدمات الاجتماعية خاصة النقل الحضري والمدارس والمستشفيات والخدمات الثقافية والرياضية؛
  • انتشار السكن العشوائي في ضواحي المدن، وتزايد الضغط على المدن العتيقة مما تسبب في تآكلها وتدهور معالمها المادية والثقافية، وانهيار بعضها.

وقد ساهم الفساد المستشري في الأوساط الإدارية والسياسية  في تدهور المجال الحضري بشكل كبير حيث تتجاهل لوبيات العقار بتواطئ مع السلطات المحلية، تصاميم التهيئة الخاصة بالمدن وتقيم مجمعات سكنية في أماكن ليست مخصصة لذلك كالمجالات الخضراء .

كما أن السلطات قامت في كثير من الأحيان بالتساهل وحتى تشجيع السكن الغير قانوني والسكن الصفيحي من أجل أهداف سياسية وأمنية، حيث عمدت خلال الاستحقاقات الانتخابية إلى استعمال سكان هذه الأحياء كوعاء انتخابي لمساندة مرشح أو حزب ما. وقد كرست السلطات المغربية هذه المقاربة الأمنية عندما حاولت الحد من الاحتجاجات التي عرفها المغرب منذ انطلاق ما سمي بالربيع العربي وذلك بتشجيع السكن العشوائي، وقد بلغ عدد الوحدات السكنية العشوائية التي رصدت خلال السنة الماضية، حسب وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، 44 ألف حالة. إلا أن القوات العمومية قامت بعد تنصيب حكومة بنكيران بهدم مجموعة من هذه المساكن بطريقة انتقائية وبدون سابق إنذار في بعض الحالات وتشريد المواطنين في عز البرد القارس في العديد من المدن المغربية (أكادير، الجديدة، سلا، طنجة، مراكش، آسفي، القنيطرة، المحمدية، مكناس...)، ويدخل ذلك في إطار ما تسميه الحكومة نصف ملتحية بمحاربة السكن غير القانوني أو السكن العشوائي.

وقد قامت الحكومة المغربية خلال المنتدى الحضري العالمي المنعقد بنابلي من 1 إلى 7 سبتمبر 2012 بالتسويق لسياساتها في مجال التعمير والمدينة محاولة إقناع المشاركين بجدوى مشاريعها الكبرى كمشروع القطار الفائق السرعة الذي سيربط بين الدار البيضاء وطنجة والذي يعتبره المغاربة نموذجا صارخا لتبذير المال العام في مشاريع ليست من أولويات المواطنين ولا اهتماماتهم ويناضلون من أجل إلغائه، ومشروعي ترامواي الرباط والبيضاء اللذين ساهما في تفاقم أزمة النقل الحضري بدل حلها؛ ومشاريع القضاء على السكن العشوائي التي تعرف اختلالات كبيرة بسبب غياب استراتيجية واضحة لسياسة المدينة وتفشي الفساد داخل الأوساط الإدارية والسياسية والتي أنتجت مساكن أقل ما يقال عنها أنها تفتقد لأبسط مقومات السكن اللائق الذي يحفظ كرامة المواطنين. كما سوقت لمشاريع المدن الجديدة التي ترمي إلى تخفيف حدة الكثافة السكانية عن بعض المدن الكبيرة كالرباط والبيضاء ومراكش وطنجة والتي لم تنجح لحد الساعة في استقطاب الباحثين عن السكن بسبب افتقارها  للتجهيزات الجماعية خاصة المدارس والمستشفيات ومناطق التشغيل والنقل الحضري في اتجاه أماكن العمل.

وكما يوضح أحد المقالات المرفقة في هذا العدد عن السياسات العربية والتخطيط الحضري، بأن الرؤية التحليلية النقدية لنماذج التخطيط الحضري من الأمور اللازمة، لكي يتم وضع الإجراءات البديلة التي قد تسود في إطار ديمقراطي.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN