English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 5 - كانون الثاني/ يناير 2013 الرئيسسة
تطورات اقليمية

العدالة الانتقالية في أعقاب الربيع العربي

مع تواصل موجات الانتفاضات الشعبية في دول الربيع العربي على مدار العامين الماضيين، فُتح بشكل واسع مدى أهمية الحاجة لملف العدالة الانتقالية، حيث أصبح نجاح الربيع العربي يتوقف على مدى الاهتمام بتطبيق مبادئ الحقوق والإنصاف، بعد تورط الأنظمة السابقة في ممارسة فساد ممنهج، من الاستيلاء على الموارد الدولة و نهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، وتقنينها بتشريعات لإضفاء طابع المشروعية عليها، أثراً كبيراً في ارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وإفقار و تهميش المجتمع لصالح الطبقة الحاكمة وأعوانها. للمزيد انظر العدد الأول من أحوال الأرض.

النماذج التي قدمت حول صياغة آليات العدالة الانتقالية، لم تكن ملبية بالقدر الكافي لمطالب الانتفاضات الشعبية من تحقيق العدل والمساواة والإنصاف وإعادة البناء الاجتماعي، ورد اعتبار وممتلكات ضحايا تلك الأنظمة، واستعادة الأصول المنهوبة، فضلا عن أنها لم تراعي الخصوصيات الثقافية لمجتمعاتها.

فالمشروع التونسي، و على الرغم من اتباعه السيناريو الكلاسيكي للعدالة الانتقالية، باستثناء إنشاء وزارة خاصة بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. تمت محاكم اللجوء إلى إجراءات متسرعة ومتعجلة في عدد من المحاكمات، وتم التعامل مع جرائم النظام السابق بشكل عام دون تحديد جرائم بعينها أو لفترة زمنية محددة للأفعال المزعومة، بما يتناقض مع البحث عن الحقيقة وتحديد المسئولية وتم القيام بتحديد الآليات تم دون تشاور مناسب وحقيقي مع الجهات المحلية، فهو مشروع ظاهره يتناول آليات العدالة الانتقالية لكن مضمونه يرتكز على انتهاج المصالحة والتفاهمات القبلية، لذلك وافتقرت إلى معايير تحدد معرفة حقيقة ما جرى في العديد من القضايا التي مست أرواح الليبيين وأموالهم وممتلكاتهم.

أما فيما يخص المشروع المصري، فالتشابك بين انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية قويا بشكل خاص، لا سيما وأن استثمارات المؤسسة العسكرية لها دور مؤثر في الاقتصاد المحلي، فضلاً عن أن التعاون الدولي للتحقيق فيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية التي ارتكبت لم يثمر عن شئ بسبب عدم توافر إرادة سياسية حقيقية. وقد تم مؤخراً إنهاء مشروع آليات العدالة الانتقالية واقتراح بإنشاء محكمة لنظر في انتهاكات النظام السابق، من أعضاء مجلس الشورى الذي يقوم ببعض الأمور التشريعية في تلك الفترة، ولكن المشروع لم يحدد معايير المسئولية والمحاسبة عن الجرائم الاقتصادية، وكذلك المحاكمات التي تتم لمسئولي النظام السابق فيما يتعلق بنهب الأراضي مازلت تنظر أمام المحاكم العادية، وهو ما أثر على قيمة العدالة لأن النظام الجنائي العادي صمم حين تكون الانتهاكات هي الاستثناء، مما خلق خلافات حول الأمور الإجرائية والطعون فيما يتعلق بالإدانات في المرحلة الانتقالية. وعلى الرغم من قرار رئيس الوزراء بإنشاء لجنة لاسترداد الأراضي. نجد أن  الحكومة الحالية تقوم بعقد صفقات مع مسئولي وبعض رجال الأعمال في نظام مبارك ممن يواجهون تهماً بارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان والفساد، دون أي اعتبار لفكرة الإساءة للمجتمع، وكأن أصول الدولة التي نهبت هي أموال خاصة مملوكة لهم.

أما الحال في اليمن والبحرين فقد لجأ إلى النموذج المغربي في وضع آليات العدالة الانتقالية، ففي اليمن كما هو في مصر فلا يزال نفوذ النظام السابق في اليمن مؤثرا على الرغم من استقالة عبد الله علي صالح، من خلال مساعديه وأفراد عائلته، وأن آليات العدالة الانتقالية تمت صياغتها دون تشاور، ولا يزال الانتهاكات والتعدي على الأراضي لم يأخذ على محمل الجد، خاصة مع اتفاق الحصانة للرئيس السابق من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، ليدل على الطبيعة الرجعية لمواجهة الوضع. أما البحرين فقد وضع النظام الملكي مذكرة يمكن اعتبارها إجراءات للعدالة الانتقالية، وأنشئت اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق من قبل الملك لكن دون أي نوع من تغيير للنظام أو الثورة، ولا يمكن اعتبار البحرين في تجربة انتقالية على الإطلاق، فالعائلة الملكية هي الحكم والخصم، ولا زالت تسيطر على مقدرات وموارد الدولة، ولم يتم تنفيذ توصيات تقرير لجنة التحقيق البرلمانية بشأن أملاك الدولة العامة والخاصة.

تجربة العدالة الانتقالية في بلدان الربيع العربي، أصبحت تستخدم كمقياس لنجاح الثورة، ولذلك تم الإسراع في اتخاذ إجراءات العدالة الانتقالية، دون تشاور كاف و قبل ظهور أي توافق في الآراء بشأن الوصول تسوية سياسية، مما أثرت على مضمون تلك المشاريع من حيث التشاور، المعايير الحقيقية للمحاسبة و المسئولية، خاصة في قضية البحث عن الحقيقة وتوثيق الانتهاكات المتعلقة بنهب الموارد الطبيعية والاستيلاء على المال العام، وهي القضية الأهم في الغرض من تطبيق العدالة الانتقالية، فلا تزال قضية الملكية وضمان حيازة الأراضي لا تتمتع بحماية كافية من قبل قوانين ومؤسسات الدولة ولم تتغير المنظومة التي كانت سببا في استشراء الفساد وسيطرة النظام الحاكم وليس مؤسسات الدولة على موارد وثروت المجتمع.

وهذا ما كان مأمول من صياغة إجراءات العدالة الانتقالية، لتحاسب وتغلق ملف الفساد في الماضي بعيدا عن المساومات والصفقات مع المسئولين السابقين، وأيضا تمنع حدوث مثل تلك الانتهاكات في المستقبل، وهناك تجارب كثيرة اهتمت بتلك الرؤية مثل وكانت أوضاعها مشابهة لبلدان الربيع العربي خاصة مصر واليمن وتونس، فلجنة الأخلاقيات و مكافحة الفساد، واللجنة الوطنية للأراضي في كينيا تعمل على استرداد الأراضي المنهوبة دون صفقات أو تصالح مع مرتكبي تلك الانتهاكات، وسنت قوانين تمكينية للأراضي في عام 2012. أيضا، تجربة كولومبيا في استرداد الممتلكات ومنع انتزاع الملكية والتهجير، حيث وضعت الحكومة الكولومبية مجموعة من السياسات لتسهيل استرداد الأراضي ودعم حقوق مالكي الأراضي لكي تتمكن من منع مزيد من التهجير ولتمكين عودة من أُرغموا على ترك منازلهم. هذه التجارب وغيرها توفر دروس تشتد الحاجة إليها لعمليات العدالة الانتقالية التابعة للربيع العربي.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN