انطلاق الحق في الأرض
لن تجدها مذكورة في جدول أعمالها إلى الآن، ولكن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية، تواجه بالفعل الحاجة إلى تطبيق صلاحيتها في تفسير العهد، بطريقة تستجيب لنمط العديد من القضايا المتعلقة بالأرض في مدى إلتزام الدول بالتنفيذ - والانتهاكات - للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاد و الاجتماعية والثقافية. كما أنه من المتوقع أن يشغل وضع تعليق عام جديد على الأراضي بموجب العهد والذي يجرى الآن، عمل لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال عام 2018.
أدت نضالات المجتمعات والشعوب من أجل الأرض إلى قيام بعض أعضاء التحالف الدولي للموئل، وغيرهم من الحركات والمنظمات، ومن بينها حركة طريق الفلاحين، لاڨيا كامبسينا، ومجموعة حقوق الأقليات، للتشبث والتأكيد على الحق في الأرض. ويحتجون بأن مثل هذا الحق من حقوق الإنسان ينبع بالفعل من التطور المعياري والفقه في النظام الدولي لحقوق الإنسان. ومع ذلك، وإلى الآن، لا يوجد مبدأ حق الإنسان في الأرض منصوص عليه بشكل صريح في الصكوك القانونية. فحتى الآن، الاعتراف الدولي بالحق في الأرض ينطبق فقط على الشعوب الأصلية من خلال إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية الصادر في 2007، (الديباجة، و الفقرات من 26-30)، والذي صدر بموافقة أغلبية الدول.
و عدد الدول التي تدعم هذا الإعلان إلى الآن، 144 دولة (بعد أن قام الرئيس أوباما في وقت متأخر بتغيير تصويت الولايات المتحدة لصالح القرار في عام 2010). كما صوتت جميع الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصالح القرار، باستثناء وفدي المغرب وإسرائيل اللذين تغيبا عن الجمعية العامة أثناء التصويت.
أما بالنسبة للفلاحين، فتناصر حركة طريق الفلاحين، لا ڤيا كامبسينا، مبدأ الحق في الأرض وغيرها من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الحق في استخدام الأراضي غير المنتجة، والاعتراف بالوظيفة الاجتماعية للأراضي، ومسئولية الدول في وضع أطر تنظيمية للجهات الفاعلة من غير الدول وممارستهم لالتزاماتهم خارج حدود الولاية الإقليمية لدولهم، وتطبيق المفهوم الأوسع للإقليم، وتعزيز الإصلاح الزراعي ذو التوجه المجتمعي، والحد من أو حظر أسواق تجارة الأراضي الكبيرة، والتركيز المفرط في ملكية الأراضي. وقد أصدرت حركة لا ڨيا كامبسينا، إعلانها الخاص، والذي يتضمن حجية أن الدول عليها تحمل إلتزامات مقابلة، بإعطاء الأولوية لحق الفلاحين في الوصول إلى أراضي الدولة، وتعزيز التراث الزراعي الوطني غير القابل للتصرف، وإنهاء سياسات التمييز في الوصول إلى الأرض، وإنشاء مناطق /أقاليم للفلاحين.
في المناقشات الأخيرة مع اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفيما بين أعضائها، حول احتمال إصدار تعليق عام جديد بشأن الأرض، لم تلتزم اللجنة بعنوان، أو ما إذا كانت ستفسر العهد على أنه سينشئ مبدأ الحق في الأرض. وفي أسباب ظهور مثل هذا الموضوع كحق إنساني جديد، يتعين أن يتجاوز مفهوم الأرض اختبار صفة العالمية، بما يتجاوز المعايير والسياقات، والمجتمعات الفلاحية والشعوب الأصلية، القائمة على الأرض، وبطرق هامة، يجب أن ينطبق حق الإنسان في الأرض على الجميع، بما في ذلك في السياق الحضري.
من أجل تحقيق وضعية حق الإنسان، ينبغي أن يتغلب أي تفسير للأرض على الانطباع بأنه يشكل مجرد فئة فرعية من حق الإنسان في الملكية. فالحق في الملكية منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 17)، باعتباره شيئًا يمكن أن يُمتلك كفرد أو بالاشتراك مع الآخرين.
عندما تم إقرار العهود الدولية لحقوق الإنسان قبل خمسين عاماً، لم تنجح الملكية في أن تتجاوز صفة العالمية، لتكون مكفولة كاحتياج عام ومشترك بين جميع البشر. غير أن حق الإنسان في الملكية وما يقترن به من حظر ضد التجريد التعسفي، قد عاد في الصكوك اللاحقة لحقوق الإنسان التي تنطبق على فئات محددة، ومن بينها، النساء، والأطفال، واللاجئون، والعمال، والأشخاص ذوو الإعاقة. و لعقود أيضاً، تم الاعتراف بالوظيفة الاجتماعية للأراضي والممتلكات في العديد من دساتير الدول، وعلى نحو مماثل يظهر هذا المفهوم فيما يتعلق بالأرض في الأجندة الحضرية الجديدة (الفقرة 69)، حول الملكية من منظور المسؤولية الاجتماعية المتأصلة عن المستخدمين أو المالكين.
ويمكن أيضاً، لإقرار التعليق العام للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بـ حق الإنسان في الأرض أن يرسي المحتوى المعياري للأرض في المقاربات الفلسفية مثل نظرية الاحتياج الإنساني، ونظرية العدالة. فالأبعاد المقابلة للأرض كحق من حقوق الإنسان، تعتمد على فهم الأرض على أنها احتياج بشري عالمي، فضلاً عن، التمتع به من خلال ممارسة الإنصاف والمساواة. ثم يأتي لاحقاً، البعد الخاص بالملكية كاهتمام ثانوي.
فالقيام بقضية قانونية من أجل حق إنساني جديد في الأرض، يستتبع عملية مماثلة، تؤدي إلى تفسير المعاهدة، والاعتراف العام بالمياه كحق من حقوق الإنسان، أولاً في التعليق العام رقم 15 (2002)، الصادر من اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولاحقاً، قرار الجمعية العامة رقم A/RES/64/292 (2010). كلا المصدرين من القانون الدولي التفسيري، يؤكدان أن مياه الشرب الآمنة والنظيفة والمرافق الصحية لا غنى عنها للحفاظ على حياة الإنسان وكرامته، فضلاً عن أنها مكون أساسي لإعمال جميع حقوق الإنسان. وكما يمكن القول بأن الماء يشكل عنصرًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان. الحق في الحياة والغذاء والصحة والسكن الملائم ، قد يجد تطوير التعليق العام الجديد المقترح أن الأرض جزء لا يتجزأ من الحقوق الفردية و / أو الجماعية في الغذاء والسكن الملائم والعمل اللائق وسبل المعيشة والثقافة وغير القابلة للتصرف الحق في تقرير المصير.
إن إعداد تعليق عام جديد على الأراضي بموجب العهد، يوفر فرصة لاستكشاف علاقة حقوق الإنسان لكل شخص في الأرض، بداية من اعتبار الأرض كاحتياج بشري، حيث أن الجميع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض، بشكل لا يقل عن قوة سحب الجاذبية. فتحديد الاحتياجات والظروف الإنسانية المشتركة وإن كانت متباينة للعدالة، فيما يتعلق بالأرض، في تعليق عام جديد، من شأنه تمكين لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من كتابة فصل جديد مطلوب في تفسير العهد، بالتشاور مع الموضوعات المختلفة للعهد.
|