English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 31 - كانون الأول/ ديسمبر 2024 الرئيسسة
تطورات اقليمية

أوضاع المزارعين الفلسطينيين: عام من الإبادة الجماعية الإسرائيلية

المقاومة من أجل البقاء من خلال النضال من أجل السيادة على الغذاء

لأكثر من عام، ولا تزال فلسطين تعاني من العدوان الغاشم وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، والمتزامن مع 76 عاماً من الاستعمار الاستيطاني المستمر، والنهب الممنهج للأراضي، والاعتداءات المتعمدة على النظم الغذائية الأصلية. وهذه الذكرى المظلمة هي بمثابة تذكير صارخ بتصاعد حدة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، في جميع أنحاء فلسطين، من قطاع غزة، إلى الضفة الغربية والمناطق المحتلة منذ عام 1948. فالعواقب كارثية، حيث لا تزال المعاناة والدمار غير المسبوق يلحقان بالشعب الفلسطيني.

لقد دأبت إسرائيل على نشر العنف بشكل ممنهج، وفرض الحصار على الموارد، والتدمير المتعمد للأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية. مما أدى إلى حدوث مجامعة من صنع الإنسان، في قطاع غزة، وتفاقم حدة الأمن الغذائي في كافة أنحاء الضفة الغربية. وفي خضم تلك الاعتداءات يتعرض المزارعون الفلسطينيون، وهم حراس الأرض، والقوام الرئيسي لإنتاج الغذاء، لأضرار بالغة في سبل معيشتهم، وإرثهم الثقافي، وسيادتهم على الغذاء، نتيجة الحصار المفروض عليهم، حيث تهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى محو وجودهم، وإنهاء اعتمادهم على ذاتهم، وقطع ارتباطهم بالأرض.

نبذة عامة عن الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة

لقد أدى عدوان الإبادة الجماعية من إسرائيل على قطاع غزة، إلى دفع القطاع الزراعي إلى حافة الإنهيار، تاركاً الأرض التي كانت مزدهرة في يوم من الأيام، في حالة خراب. ولم يكن حجم الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في قطاع غزة عرضياً،بل هو خطة محسوبة لخلق مجاعة من صنع الإنسان، مما أدى إلى تجريف الأرض، وتدمير سبل العيش لمن يعتمدون عليها. فالعدوان الإسرائيلي لم يستهدف بشكل ممنهج الأراضي فسحب، بل أيضًا البنية التحتية التي تدعم إنتاج الغذاء في قطاع غزة. والهدف الأساسي من ذلك، هو تجويع السكان للاستسلام، من خلال القضاء على قدرة المزارعين الفلسطينيين على الزراعة والحصاد وإطعام شعبهم.

وخلال الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى الأول من سبتمبر/أيلول 2024، الحق القصف الإسرائيلي دمار كارثياً بالقطاع الزراعي في غزة، فوفقاً للتقييمات التي أجرتها كل من منظمة الفاو وبرنامج الأمم المتحدة لجمع صور الأقمار الصناعية للمناطق المتضررة (UNOSAT)، والبيانات المقدمة من السلطات الزراعية المحلية، تظهر أن حجم الأضرار واسع النطاق، حيث دمرت القوات الإسرائيلية 67.6% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وقضت على 10,183 هكتارًا من إجمالي 15,053 هكتارًا. وهذا الرقم يمثل أكثر من مجرد مساحة أرض، لأنه يرمز إلى مجتمعات بأكملها قد جردت من سبل عيشها، وانغمست بشكل أعمق في انعدام الأمن الغذائي.

وقد شملت المناطق الأكثر دماراً، خان يونس والتي دمرت 61.5% من أراضيها الزراعية، شمال غزة والتي دمرت 78.2 من أراضيها الزراعية بشكل غير مسبوق. وقد أمتدت آثار الدمار إلى كافة مقومات إنتاج الغذاء في قطاع غزة، حيث تم القضاء على 71.2% من بساتينها، و67.1% من محاصيلها، و58.5% من مزارع الخضروات. فيما شهدت بعض المناطق تدميراً سبه كامل، فعلى سبيل المثال، تم تدمير 86.2 من البساتين والمحاصيل الشجرية في مدينة غزة، مما أدى إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية من 2100 هكتار إلى 293 هكتار فقط. ومن الأمور المثيرة للقلق بنفس القدر، الأضرار التي لحقت بالصوبات الزراعية، والتي تشكل أهمية حيوية لإنتاج الغذاء على مدار العام. وفي جميع أنحاء قطاع غزة، تم تدمير 44.3٪ من الصوبات الزراعية، وكان التدمير شبه كامل في مدينة غزة، حيث تم القضاء على 99.7٪ من تلك الصوبات، ولم يعد يوجد مساحة صالحة لزراعة الخضروات.

ولم يتوقف الدمار عند المحاصيل، بل تم إنهاء البنية الزراعية بشكل ممنهج في قطاع غزة، من بينها تدمير 606 حظيرة منزلية، 583 مزرعة دواجن، 427 مزرعة أغنام، إلى جانب مئات المخازن الزراعية، وأحواض المياه العذبة، وحظائر المواشي. كما تضرر قطاع الصيد، والذي يعد مصدر أساسي آخر للغذاء، نتيجة الاعتداءات البحرية الإسرائيلية، ما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء في غزة. علاوة على ذلك، تم تدمير موارد المياه في القطاع، من بينها 1188 بئراً زراعية، أي أن أكثر من نصف إجمالي الآبار في قطاع غزة قد تم تدميرها. كما أدى تدمير محطات معالجة مياه الصرف الصحي في القطاع إلى تفاقم الكارثة، حيث أن لها دورًا حاسمًا في الري والاستدامة البيئية. كما أدت الهجمات الإسرائيلية إلى تحطيم الألواح الشمسية، وآبار الإنعاش الرئيسية، والبنية الأساسية الحيوية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والبيئية.

استهداف السيادة الغذائية الفلسطينية

لقد أدت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، إلى تفاقم العنف الهيكلي ضد المجتمعات الريفية الفلسطينية، واستهداف كل من مواردهم وأراضيهم. فقد أصبح استخدام الغذاء والموارد الأساسية كسلاح، سمة مميزة للعنف الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين. فقد أدى تدمير البنية التحتية الزراعية الرئيسية، إلى جانب الحصار المفروض منذ 17 عامًا، إلى تدمير قدرة القطاع على إعالة نفسه. كما تتضمن استراتيجية إسرائيل لتسليح قضية الغذاء، خلق حالة من المجاعة في القطاع، كعقاب وحشي متعمد يهدف إلى تجويع الفلسطينيين وارغامهم على الخضوع.

وفي الوقت ذاته، تمارس إسرائيل نفس الاستراتيجيات في الضفة الغربية، ولكن بمظاهر مختلفة. يواجه المزارعون الفلسطينيون اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين المتواصلة، وزيادة حالات نهب الأراضي. فالمستوطنون يقومون بشكل منظم باقتلاع الأشجار، وتسميم المحاصيل، ومنع الوصول إلى أراضي المزارعين، وبدعم مادي وعقائدي من الحكومة الإسرائيلية. وبجانب الاعتداءات المستمرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، والإغلاق العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، وتسارع وتيرة التوسع الاستيطاني، وفرض 793 حاجزا أمام حركة التنقل، تفاقم من معاناة المزارعين والمجتمعات الريفية الفلسطينية، في مواجهة الاعتداءات الممنهجة من قبل المستوطنين، وتحرمهم بشكل قاسي من حصد محاصيلهم، أو حتى من الوصول إلى أراضيهم.

كما أن تدمير الأراضي والمنازل والبنية التحتية الحيوية، لا يعرض حياة الفلسطينيين للخطر فحسب، بل يهدد كذلك، سبل عيشهم، حيث تستهدف الاعتداءات من قبل المستوطنين الإسرائيليين، وبشكل استراتيجي المنطقة (ج)، والتي تعتبر هدفاً رئيسياً للتوسع الإستيطاني الإسرائيلي، لأنها الجزء الأكبر والأكثر خصوبة في الضفة الغربية، وتعتبر سلة الغذاء التاريخية للضفة، لذلك فما يسمى بـ”المنطقة (ج)“ تمثل أهمية بالغة لسبل معيشة الفلسطينيين، وزراعتهم، ومراعيهم، ونظمهم الغذائية.

الدعوة إلى تحرك وتضامن دولي عاجل

وبعد مرور عام على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان المحتل الإسرائيلي، يظل الكفاح من أجل السيادة الغذائية الفلسطينية ركيزة أساسية، ضمن الكفاح الأكبر من أجل العدالة، والكرامة، والتحرر من الاحتلال. ويأتي المزارعون والعمال الزراعيين الفلسطينيين، حراس أرضنا و أنظمتنا الغذائية الحيوية، في صدارة المحاولات الإسرائيلية الممنهجة، التي تهدف إلى محو وجودهم، وسبل معيشتهم، ومستقبلهم. فالاعتداءات المتعمدة على الزراعة الفلسطينية ليست فقط حربًا على الأرض، بل هي حرب على الهوية الفلسطينية، والصمود، والبقاء.

ولذلك، يدعو اتحاد لجان العمل الزراعي الفلسطيني، وبشكل عاجل، جميع الشعوب، والمنظمات الدولية، والحركات الشعبية، وأصحاب الضمائر الواعية إلى التحرك بشكل عاجل. فحياة الفلسطينيين، وأراضيهم، وحقوقهم تواجه خطراً وجودياً، ويجب على المجتمع الدولي أن ينهض للدفاع عنهم جماعياً. فليس هناك وقت للانتظار، فالوقوف مكتوفي الأيدي، بينما يواجه المزارعون الفلسطينيون بشكل وحشي، إقتلاعهم من أراضيهم، وتجويعهم، وتهجيرهم، يعد تواطؤاً مع نظام الفصل العنصري الاستعماري الإسرائيلي.

لقد أعلنت محكمة العدل الدولية بالفعل، أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين غير قانوني، وطالبت بالوقف الفوري للأنشطة الاستيطانية وتفكيك البنية التحتية للفصل العنصري. فيما أكدت مجدداً الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك القرارات، ودعت إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غضون اثني عشر شهرا، ومطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل. وتلك القرارات الدولية ليست مجرد اقتراحات؛ بل هي التزامات قانونية ملزمة، ويجب على المجتمع العالمي إنفاذها.

وإزاء التدمير الإسرائيلي الممنهج، واستهدافها الوحشي للمزارعين الفلسطينيين، ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته. ونطالب بمحاسبة «إسرائيل» على انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، ومن بينها، استخدامها التجويع كسلاح حرب، وفرض عقوبات شاملة، بما في ذلك حظر الأسلحة والتجارة.

كما نوجه النداء إلى الحركات الاجتماعية، والمجتمع المدني، في أرجاء العالم، إلى تكثيف دعمهم للشعب الفلسطيني، فيجب إظهار التضامن وذلك من خلال الإجراءات التي تقوض آليات الاحتلال والاستعمار والاستغلال، فهذا نضال عالمي ضد الظلم، ويجب أن ننهض بشكل جماعي.

لتكن هذه المناسبة دعوة للعمل وليس لليأس. فلسطين ستنهض، وسيصمد مزارعوها، و سنسير معًا نحو الحرية والكرامة والسيادة.

اتحاد لجان العمل الزراعي- فلسطين،  7 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

للإطلاع على البيان الأصلي (بالإنجليزية)

 

الصورة: مزارع فلسطيني يحرث الأرض بالقرب من الحدود الشرقية في قطاع غزة تحت مراقبة مدفع دبابة إسرائيلية متوغلة


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN