English عن التحالف اتصل بنا الاصدار 31 - كانون الأول/ ديسمبر 2024 الرئيسسة
تطورات اقليمية

النزوح المستدام و المنسي في أنحاء السودان

عام ونصف قد مرت على اندلاع الحرب الأهلية التي طالت أنحاء السودان، منذ إبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع التي كانت تحت قيادتها. هذه الحرب التي أودت بحياة 18,000 سوداني، وجرح 33,000، وإجبار 11 مليون شخص على النزوح والفرار من منازلهم. من بينهم 2 مليون، يبحثون عن المأوى واللجوء في دول الجوار، وبشكل أساسي تشاد، جنوب السودان، ومصر، وكذلك منهم من لجأ إلى دول أبعد، مثل أوغندا، وكينيا. فقد أصبح 30% من الشعب السوداني نازحاً، وأكثر من نصف هولاء النازحين هم من النساء، حاملين على أكتافهم أطفالهم تحت سن الخمس سنوات الذين يشكلون أكثر من ربع عدد النازحين.

فقد شهدت الأزمة الإنسانية في السودان ــ والذي يضم أكبر عدد من السكان وأكبر مساحة من الأراضي في أفريقيا ــ المزيد من التدهور، منذ صدور العدد الأخير من نشرة أحوال الأرض. حيث يواجه 24.6 مليون وهم حوالي نصف عدد سكان الشعب السوداني، مستوى الجوع الشديد وانعدام الأمن الغذائي، في حين أن 70-80 ٪ من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع أصبحت خارج الخدمة. كما أن هناك 19 مليون طفل محرومون تماما من الالتحاق بالمدرسة، و 2.9 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، إضافة إلى 729,000 طفل تحت سن الخامسة يعانون سوء تغذية حادًا وشديدًا.

كما تُظهر الإحصاءات الواردة من آلية تتبع النزوح العالمية(DTM)، التابعة لمنظمة الهجرة الدولية، والتي تشمل النازحين قبل وبعد 15 أبريل/نيسان 2023، أن أزمة النزوح التي طال أمدها في السودان تمثل أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث أن واحد من كل ثمانية نازحين على مستوى العالم هو نازح سوداني، وأن السودان تضم حوالي 13% من عدد النازحين داخلياً على مستوى العالم.

استهداف مجتمعات الشعوب الأصلية

لقد أدى هذا الصراع الكارثي إلى التدمير الشديد لمئات المنازل والقرى بسبب الحرائق وإلحاق الأضرار بالبنية التحتية الحيوية، خاصة في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وموطن لمليون ونصف نسمة، التي شهدت تدمير شديد، عقب مداهمتها من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات الموالية لها، وارتكبت جرائم وصفت بأنها `تطهير عرقي`، شملت عمليات الاغتصاب، والنهب للممتلكات، الموجه ضد قبيلة المساليت في جميع أنحاء دارفور.

وقد شهد شهر مارس من العام الماضي، أعلى معدل شهري في رصد انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالموئل، حيث وقعت 39 حادثة إحراق متعمد، ودمرت قوات الدعم السريع العديد من القرى في دارفور بأكملها، ومنها أرداماتا، والجنينة، ومستري، وتندلتي، وقتلت وشردت الآلاف من قبيلة المساليت.

وبينما كان طرفي القتال يكثفون هجماتهم ضد بعضهم البعض في العديد من الأماكن، لم تسلم كذلك منطقة جبال النوبة من تلك الهجمات، والتي عانى سكانها لعقود من ممارسات النظام السابق محمد عمر البشير، وظلت تدافع تحت ميليشيات الحركة الشعبية لتحرير السودان، ضد هجمات الجوية للجيش السوداني، وغيرها من الاعتداءات على حياتهم، وأراضيهم، وسيادتهم على الغذاء، وتواجه في الوقت الحالي، مجاعة شديدة، فيما يستضيفون ما بين 700 ألف إلى مليون نازح سوداني، في 15 مخيماً، ولا يخدمهم سوى ممر إنساني واحد غير ممهد.

مخاطر بيئية إضافية 

إضافة إلى ذلك، زادت الفيضانات وحادثة انهيار السد من معاناة النازحين داخلياً. في الفترة مابين 1 إبريل/نيسان إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقعت 140 حادث تشريد مفاجئ نتيجة حدوث مخاطر بيئية شديدة، إضافة إلى حوادث الحرائق، والفياضات التي تم رصدها في وقت سابق، من بينها 12 حالة تشريد نتيجة الحرائق، و128 حادث تشريد نتيجة الأمطار الغزيرة والفيضانات في 16 ولاية عبر أنحاء السودان، أدت إلى تضرر 38,046 أسرة أو حوالي (192,030 شخص).

فيما أدت حادثة انهيار سد أربعات في 24 أغسطس/آب الماضي، نتيجة الأمطارالشديدة، إلى مقتل 30 شخص، وتضرر ما يرقب من 50,000 شخص في 70 قرية حول السد، من بينهم 20 قرية دمرت بالكامل. وقد نتج عن تلك الفياضات تدمير أكثر من 25,000 مأوى ومنشأة مجتمعية، مما أجبر العديد من النازحين على النزوح مرة أخرى، والبحث عن مأوى أخر لدى المجتمعات المضيفة والمدارس.

الإخفاق في الاستجابة العالمية للأزمة

لاتزال جهود المجتمع الدولي لوقف اطلاق النار غير كافية ومشتتة، حيث ارتكب طرفي النزاع، انتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق، من بينها القصف العشوائي، والمباشر، والغارات الجوية ضد المدنيين، والمدارس، والمستشفيات، وشبكات الاتصالات، ومرافق المياه الحيوية، وإمدادات الكهرباء. وذلك على الرغم من إعلان جدة الصادر في 11 مارس/آيار 2023، لتعهد طرفي النزاع بحماية المدنيين السودانيين، (إعلان جدة)، وتحديد القواعد التي صرحوا بأنها ستوجه ممارساتهم لضمان إيصال المساعدة الإنسانية والخدمات الأساسية، والرعاية الصحية، وحصر الموتى ودفنهم بشكل لائق.

وستظل فرص الإغاثة الإنسانية، وصنع السلام، أمراً بعيد المنال، طالما أن هناك أطراف خارجية تغذي وتدعم طرفي الصراع، حيث تشير المصادر الأممية وغيرها من المصادر الموثوقة، إلى دور كل من دولة الإمارات وروسيا باعتبارهما طرفين أساسيين في إطالة أمد المعاناة في السودان. في الوقت ذاته، لم تتم الاستجابة إلا بجزء بسيط من نداء للتمويل الذي وجهته الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2024، لجمع 4.1 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، ومع تغاضي الدول الغربية، شكلت دولة الإمارات الرابط الأساسي بين الحروب الإقليمية طويلة الأمد، والاحتلال الأجنبي والنزوح، الذي يظهر في دولة اليمن المجاورة عبر البحر الأحمر.

ورغم ذلك، يظل طرفي النزاع والأطراف الخارجية الداعمة لهم، جناة مسئولين عن أفعالهم، ولكنهم يتمتعون بالإفلات من العقاب، وفي غياب نهج متكامل إزاء العدالة التصالحية. كما تعيق مثل هذه العقبات التي من صنع الإنسان، التحدي طويل الأجل الذي يواجه تحقيق السلام والتنمية الدائمين، على الصعيد الإنساني والحقوقي. بل إن مواجهة هذا التحدي يجعل قضية رد المساكن والأراضي والممتلكات، وتطبيق جبر الضرر، التى لا تزال مستحقة لجميع النازحين قسرياً، أمراً بعيد المنال.

الصورة: نازحون سودانييون من عمليات القتال، يتنقلون من المناطق الحدودية إلى جنوب السودان. المصدر: كاريتاس جنوب السودان.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN