English عن التحالف اتصل بنا العدد 23 - تموز/ يوليو 2021 الرئيسسة
تطورات اقليمية

غزة: السيادة الغذائية تحت القصف

رغم أننا لا نعرف حتى الآن المدى الكامل للتأثيرات البيئية التي خلفتها تدابير الاحتلال الإسرائيلي، على غزة على مدى السنوات العديدة الماضية، فإن نقطة واحدة مؤكدة: وهي أن هدف إسرائيل الرئيسي يتلخص في حرمان الفلسطينيين من مواردهم الطبيعية، وسبل معيشتهم بشكل كامل.

واليوم، يعيش شعب غزة كارثة إنسانية ممتدة. وهناك عدد من الهيئات المنشأة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والهيئات المنشأة بموجب معاهدات دولية، ومن بينها مجلس حقوق الإنسان، ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة القضاء على التمييز العنصري، قد سبق وأن حذرت من فداحة هذا الموقف. فقد تدهورت الأوضاع في غزة من سيئ إلى أسوأ على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.

وتتمتع حالياً أسرة واحدة فقط من كل عشر أسر في غزة بمياه نقية، والأزمة التي تفاقمت بسبب الأضرار الناجمة عن العدوان العسكري الإسرائيلي المتكرر (الرصاص المسكوب 2008-2009، وعمود السحاب 2012، وعملية الجرف الصامد 2014). وأدى ذلك إلى إلحاق أضرار واسعة النطاق بالبنية الأساسية لتوزيع المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي. وعلاوة على ذلك، فإن الحصار الإسرائيل لغزة، والمستمر منذ عام 2007 ، يحول دون استيراد المواد اللازمة لإعادة بناء، وصيانة وتشغيل شبكات المياه المنزلية، ومياه الصرف الصحي. وحتى المواد البسيطة مثل فلتر ترشيح المياه، والكلور لتنقية المياه، لا تتوفر في كثير من الأحيان. وأدى عدم كفاية شبكة معالجة المياه أيضا إلى إلحاق الضرر بالنظام الإيكولوجي البحري، حيث أبلغ الصيادون عن العثور على مياه الصرف الصحي الخام، وغير المعالجة في شبكاتهم.

وقد دمرت هجمات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، النظام الغذائي من خلال تدابير مباشرة وغير مباشرة لا حصر لها. فالإغلاق الدائم لغزة يحول دون دخول العديد من الإمدادات الزراعية، بما في ذلك بعض الأسمدة والأعلاف للماشية. وتتجلى هذه التدابير أيضا من خلال القيود الواسعة النطاق التي يفرضها الاحتلال على الوصول إلى الأراضي والمياه والأسواق. وقد وصفت الأمم المتحدة غزة بأنها غير مناسبة للسكن البشري، بسبب هذا العدوان المستمر.

وكان للحصار البحري الإسرائيلي أيضا أثر مدمر على صناعة صيد الأسماك في غزة. وبموجب اتفاقات أوسلو، اقتصر الصيادون الفلسطينيون على الصيد في غضون مسافة 20 ميلا بحريا فقط من الشاطئ. بالرغم من ذلك فان إسرائيل، منذ أوسلو، تُخفض هذا الحد من جانب واحد عدة مرات في السنة، إلى ما يصل إلى 3 أميال بحرية أو تحظر الصيد تماما.

ويشكل صيد الأسماك مصدرا هاما للعمالة في غزة، تضطلع به إلى حد كبير الأسر الفقيرة. ويرتبط عمق المياه وأنواع وكميات الأسماك المتاحة في البحر ارتباطا مباشرا بالبعد عن الشاطئ، وبالتالي فإن صيد صائد الأسماك يتناقص بشكل كبير عندما تفرض إسرائيل قيودا على المسافة. كما أن السيطرة الإسرائيلية على حدود غزة البحرية تعني أن الأسماك كثيراً ما تُمنع من الوصول إلى أسواق تصدير أكثر ربحاً. ورغم أن المأكولات البحرية تشكل مصدراً محلياً صحياً للبروتين والمغذيات الذي ظل لفترة طويلة جزءاً من النظام الغذائي التقليدي في غزة، حيث يعتمد 80% من الفلسطينيين في غزة على المساعدات الغذائية، فإن القليل منهم يستطيعون الآن تحمل تكاليف الكميات الشحيحة أحياناً من الأسماك التي يتم جلبها إلى الشاطئ.

وكان هذا الاستهداف للأمن الغذائي واضحا وجليا في آخر حرب في عام 2021 ، التي أطلق عليها مقاتلو غزة اسم معركة سيف القدس. وخلال هجماتها على المحتجين الفلسطينيين في القدس، أغلقت إسرائيل تماما مياه صيد الأسماك في غزة، وقصفت موانئ غزة البحرية بعد أيام قليلة من إغلاقها. كما استهدف القصف المكثف محاصيل الخضروات والحبوب، ومزارع الدواجن والمواشي، والمزارع السمكية، والمرافق الزراعية، وخلايا النحل، كما ألحق أضرارا بالغة بها. ومات أكثر من 8000 من النحل نتيجة للهجمات الإسرائيلية.

وخلال هذه المحنة، لم يتمكن مزارعو غزة أيضا من الوصول إلى مزارعهم للعمل، وأخذ منتجاتهم إلى الأسواق. فوفقاً للتقديرات الأولية لوزارة الزراعة الفلسطينية، تبلغ الخسائر الزراعية 204 مليون دولار. ووفقا لوكيل وزارة الزراعة في غزة، قوات الاحتلال الإسرائيلية استهدفت عمداً الزراعة في غزة، عندما رأت مدى النجاح والاكتفاء الذاتي اللذين يسير بهما الفلسطينيون في غزة بخطى ثابتة.

ومنذ أن فككت إسرائيل مستعمراتها غير القانونية في غزة في عام 2005، بعد أن استنفدت مستعمراتها الزراعية أحواض المياه العذبة التي تشتهر بها غزة تحت الأرض، حرصت السلطة القائمة بالاحتلال على جعل غزة غير قابلة للحياة بالنسبة للفلسطينيين. وسعى الاحتلال بشتى الوسائل إلى حرمان سكان غزة من حقوقهم الأساسية، في الحصول على مواردهم واستثمارها، بدءا بالأرض والمياه. وعندما يقاوم سكان غزة، شنت إسرائيل مرارا هجمات عدوانية لشل الحياة وسبل العيش، مستهدفة القطاع الزراعي.

وتقدر القيمة المتراكمة للخسائر المباشرة وغير المباشرة، التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة أثناء الاعتداءات الإسرائيلية الواسعة النطاق وحدها (2008، 2012، 2014، و2021)، بالإضافة إلى تجريف الأراضي الزراعية الفلسطينية في الفترة ما بين اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وعام 2006، بنحو 339.1 مليون دولار أميركي، تكبدت غزة منها خسائر بلغت 257.1 مليون دولار أميركي. رغما أن قيمة الأشجار والأراضي بالنسبة للمزارع الفلسطيني والشعب الفلسطيني عموما لا تقدر بثمن.

والآن في عام 2021، الآثار المدمرة للهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، وحيث يكافح السكان من أجل البقاء على قيد الحياة، أصبحت معروفة على نطاق واسع، على الرغم من الاحتلال الذي منع وسائط الإعلام، من الاضطلاع بعملها في كشف الحقائق. بالرغم أن الجرائم المخفية قد تكون بالتالي أكبر من الجرائم المعروفة. وفي سياق نضال الشعب الفلسطيني من أجل وجوده، يرقى هدف وأثر جميع هجمات الاحتلال الإسرائيلي إلى التطهير العرقي بكل الوسائل الممكنة. وإلحاق الضرر بالبيئة والنظام الغذائي جزء لا يتجزأ من هذا الهدف.

ومثل هذه العواقب لجميع الشعوب التي لا تستطيع ممارسة حقها في تقرير المصير، أو استخدام مواردها الطبيعية والتصرف فيها. وكما لوحظ في غزة، فإن نتيجة هذا القمع غالبا ما تكون الدمار والجوع والموت.

صورة الصفحة الاولى: كان المزارعون الفلسطينيون يحصدون البصل في وادي الأردن بالضفة الغربية تحت التهديد المستمر بالضم الإسرائيلي ومصادرة الأراضي وقطع المياه في 10 شباط/فبراير 2020،  المصدر: مجدي محمد

 صورة هذه الصفحة: المرأة الفلسطينية تعمل في الزراعة كشكل من أشكال المقاومة الوطنية. المصدر: الشبكه.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN