English عن التحالف اتصل بنا العدد 22- آذار / مارس 2021 الرئيسسة
تطورات اقليمية

فلسطين أمام الجنائية الدولية

في خطوة غير مسبوقة، أصدر مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في مارس/أذار 2021، بياناً بفتح تحقيق بشأن الوضع في فلسطين، وأن هذا التحقيق سيغطي الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة، والمزمع ارتكابها منذ عام 2014. وتأتي تلك الخطوة عقب قرار أخر أصدرته الدائرة التمهيدية للمحكمة، في شباط/فبراير 2021، أن هناك اختصاص قضائياً للمحكمة على أراضي دولة فلسطين المحتلة منذ عام 1967، والتي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشرقية، باعتبارها في طرفاً في ميثاق روما الأساسي.

وهذا القرار الذي يمثل انتقال من مرحلة التحقيق الأولي، إلى مرحلة التحقيق في عدد من الجرائم الجسيمة المزمع ارتكابها منذ عام 2014، بما في ذلك ممارسات الاستيطان وخاصة توطين المدنين الإسرائيليين، قد أتى عقب بيان من مكتب المدعية العام فاتو بنسودة (Fatou Bensouda) يطالب قضاة الدائرة التمهيدية الأولى، لاستصدار قرار لتوضيح النطاق الاقليمي لاختصاص المحكمة عن الحالة في فلسطين والتي أتمت دراسة أولية- استغرقت نحو خمس سنوات- في كانون الأول/ديسمبر2019. وهو ما أكدته الدائرة التمهيدية بالأغلبية في فبراير/شباط 2021، بأن للمحكمة لديها اختصاص في الحالة في فلسطين، وأن النطاق الإقليمي يشمل غزة والضفة الغربية، والقدس الشرقية. وبناءً على تقييمها لملاحظات قدمتها أطراف عدة من دول، ومنظمات دولية وغيرهم من أصحاب المصلحة، أتفقت المحكمة على أن فلسطين دولة طرف في نظام روما الأساسي، وهو ما يلزم المكتب بفتح تحقيق، وفقاً لمعايير نظام روما الأساسي.

وعلى الرغم من تقديم العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والفلسطينية، ملفات موثقة عن جرائم الاحتلال الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة، فالتحقيق في تلك الجرائم عملية معقدة وتحتاج إلى وقت طويل الأمد، خاصة مع العقبات التي تضعها كل من حكومة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، سياسياً وفنياً للإفلات من العقاب. كما قد يكون هناك تحدياً أخر، بشأن النظر في الجرائم يزعم أنها ارتكبتها في غزة من قبل أطراف فلسطينية، حيث أن اختصاص المحكمة يأتي بعد اختصاص المحاكم المحلية، وفقاً للمادة 17.1 من نظام روما الأساسي، وبالتالي المحكمة غير مخولة بالنظر في جرائم إذا كانتتجري تحقيقات ذات الصلة من اختصاص القضاء داخل الدولة. والادعاء بأن التحقيقات المحلية جارية هو ما تقوم به السلطات الإسرائيلية لعرقلة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية.

وفيما يتعلق بإفادت أصدقاء المحكمة عن حالة فلسطين، طالبت المدعية العامة للمحكمة من الدائرة التمهيدية، السماح بتقييم إفادات أصدقاء المحكمة، والتأكيد على ضرورة تبني منهجاً تشاركياً، ومفتوحاً للبت في تلك القضية المعروضة. وقد تلقت الدائرة التمهيدية، 43 إفادة، وفضلا عن إفادات دولة فلسطين، قدمت سبع إفادات من دول، وبينها والمانيا، استرليا، والبرازيل، والنمسا، والتشيك، وهنغاريا، وأوغندا، وعارضت الدول السبع إجراء تحقيق عن إفاداتها. إضافة إلى إفاداتين من قبل منظمتين دولتيين، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، هذان أيدتان إجراء تحقيق. فيما تم تقديم بقية الإفادات من أصحاب المصلحة الأخرين من أكاديميين، ونقابات محامين، ومنظمات مجتمع مدني، إضافة إلى إفادة مقدمة من مكتب تمثيل الضحايا في المحكمة.

وإضافة إلى إفادات أصحاب المحكمة، قدمت كذلك إفادات نيابة عن ضحايا فلسطينيين، كأفراد من الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، وكذلك إفادات عن مركز الميزان لحقوق الإنسان، الحق: القانون في خدمة الإنسان، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقو الإنسان، تم تقديمها من محامون دوليون وفلسطينييون.

أما عن الأبعاد الخاصة بمدى الاختصاص الإقليمي والزماني للمحكمة، وأكدت الغرفة التمهيدية، باختصاص المحكمة بجميع الجرائم المرتكبة منذ حزيران/يونيو 2014، وفي كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، على اعتبار أن فلسطين دولة طرف في نظام روما الأساسي، عقب الاعتراف بها كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، وبالتالي تم إقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الشعب في تقرير مصيره، ليشمل كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا الحق يشكل عرفاً أساسياً في قواعد القانون الدولي. مما يعد إعادة اعتبار للقانون الدولي، في حالة فلسطين التي لاتزال تخضع ًلاحتلال مستمر منذ 70 عاماً، لم يخضع يوماً للمساءلة، ويعطي فرصة للدول التي لديها علاقات تعاون مع إسرائيل أن تعيد النظر فيها، بسبب فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة.

إن قرار المحكمة بشأن مقبولية تحقيقها في الجرائم في فلسطين محدود النطاق بشدة، ومن غير المرجح أن تسمح إسرائيل للمحكمة بالتحقيق على الأرض، أو الوصول إلى المتهمين الإسرائيليين. ومع ذلك، فقد حققت المحكمة بالفعل انتصارًا رمزيًا كبيراً لأولئك الذين سعوا منذ فترة طويلة العدالة على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ككل.

وقد أكد البروفيسور مايكل لينك (Michael Lynk)، المقرر الخاص بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ترحيبه بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وأعتبره خطوة كبيرة نحو إنهاء سياسة الإفلات من العقاب وضمان العدالة. وذكر المقرر الخاص بأن الأجهزة السياسية الرئيسية للأمم المتحدة، قد فشلت مراراً في إنفاذ مجموعة قراراتها الهامة بشأن الاحتلال الإسرائيلي. وهذا الحكم سيقدم أملاً عميقاً لمن يعتقدون أان العواقب، وليس التغاضي، هو ما يلزم أن يكون الرد على ارتكاب الجرائم الجسيمة.

انظر أيضًا المناقشة التي استضافتها FXB Harvard حول أحدث حكم للمحكمة الجنائية الدولية: التداعيات حول العدل بين إسرائيل وفلسطين وحقوق الإنسان والصحة مع رانيا محارب وريتشارد فالك وأيوانيس كالبوزوس.

 

الصورة: مبنى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي. المصدر، الأمم المتحدة.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN