English عن التحالف اتصل بنا العدد 30 - تموز/ يوليو 2024 الرئيسسة
تطورات اقليمية

تمويل التحول الأخضر في اليمن

أصبح اليمن من أكثر البلدان عُرضة للجفاف، والفيضانات، وتفشي الأمراض، وارتفاع منسوب مستوى سطح البحر. ومع دخول اليمن في نزاع مسلح بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي قبل تسع سنوات، أصبحت كذلك، من أقل الدول استعداداً للاستجابة لتلك الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية.

 

ووفقًا لدراسة نشرتها مؤخراً جمعية رعاية الأسرة اليمنية التي ترعاها الحكومة، يعاني اليمن من تأثيرات كبيرة للتغير المناخي، والتي سيكون لها آثار سلبية على جميع جوانب اقتصاد البلاد ومواردها الفقيرة. واعتبرت الدراسة بأن الوضع الحالي في اليمن تحذيرًا لبقية العالم، حول ما قد يحدث إذا لم يتم التعامل مع تأثيرات التغير المناخي بطرق استجابة فعالة.

 

وتُصنف اليمن كأحد أكثر البلدان تعرضًا للمخاطر الطبيعية، وتأثيرات التغير المناخي الضارة، وبالتالي، فقد أصبحت إمكانية تعرض السكان للزلازل، وموجات تسونامي، والفيضانات الساحلية، والأنهار، والأعاصير، والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر أمرًا مقلقًا.

 

واستناداً إلى دراسة أولية صدرت في عام 2022 وهي المسار الصديق للبيئة: رصد التحوّل الأخضر في العالم العربي، بالتعاون مع شركائها في شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية (ANND)، عملت شبكة حقوق الأرض والسكن،(HLRN) ، على تطوير أدوات موثوقة، تضم معلومات وبيانات يسهل الوصول إليها، عن العمل المتعلق بتغير المناخ في سياسات التحول الأخضر في البلدان العربية في عام 2022. وجاء هذا الجهد استجابةً للحاجة المستمرة لتوفير المعلومات العامة للجميع.

 

منهجية البحث

 

لتطوير أداة لفهم أفضل للتحول الأخضر في بلداننا، كان التحدي الأساسي الأول، هو جمع كافة المعلومات ذات الصلة والمشتتة في عدة مصادر، ونسجها في تنسيق موحد وسهل الوصول. فقط عندها يمكن جمع هذه المعلومات وعرضها، مما يسهل على الجميع مراقبة العمل المناخي في مصدر واحد.

 

وقد تمكنت شبكة حقوق الأرض والسكن، من تنفيذ هذه الخطوة الأساسية من خلال إنتاج مصفوفة موحدة بفئات مشتركة وعناصر محددة، مما يمكّن البحث باستخدام بيانات مختلفة. ويتيح هذا التنسيق المشترك التحليل داخل البلدان، وكذلك يوفر أساسًا للتحليل المقارن بين البلدان.

 

الشركاء في تمويل المناخ

 

الطريقة والهدف من تلك المصفوفة هو تضمين جميع المشاريع والمصنفة باعتبارها ممولة منذ عام 2010، من خلال عملية متعددة الأطراف، ولا سيما الآليات التي تم تطويرها من خلال مسار عملية اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية، خاصة وأنه لا يمكن مراقبة جميع المشاريع الخاصة أو الثنائية التي تدعي أنها خضراء. وتغطي تلك المراجعة المشاريع المدعومة من المؤسسات والآليات متعددة الأطراف لتمويل المناخ الأخضر:

 

  • صندوق الاستثمار في المناخ (CIF–Climate Investment Fund)
  • البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ((EBRD–European Bank for Reconstruction and Development
  • صندوق المناخ الأخضر (GCF–Green Climate Fund)
  • مرفق البيئة العالمية (GEF–Global Environment Facility)
  • صندوق التحول للشرق الأوسط / شمال إفريقيا (MENA– Middle East/North Africa Transition Fund)
  • البنك الدولي (WB–World Bank).

 

فمنذ عام 2010، قدمت خمسة من الهيئات الرئيسية السبعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المشاركة في تمويل المناخ تمويلاً لعدة مشاريع بأحجام متفاوتة في اليمن. والصندوقان اللذان امتنعا عن المساهمة في التحول الكبير في اليمن خلال تلك الفترة هما صندوق التحول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

 

التخفيف مقابل التكيف؟

 

تهدف غالبية مبادرات التحول الأخضر والممولة من الخارج في اليمن، إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك ضمن الاتجاه العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ذلك، نجد أن استراتيجيات التكيف تشكل حوالي 57.9% من جملة هذه المشاريع. و تبلغ القيمة الإجمالية (لثلاثة عشر مشروعًا) المعنية بالتكيف في اليمن، ما يزيد قليلاً عن مليار دولار أمريكي، لكن قيمة المبادرات التسعة المتعلقة بالتخفيف تقدر بحوالي ستة مليارات دولار أمريكي. خُصصت خمسة من المشاريع التي تم مراجعتها، للتأثير على أعمال التكيف والتخفيف، وجميعها تساعد المؤسسات المالية.

 

أيضًا، لا يمكن بشكل قاطع تصنيف أربعة من المبادرات العشرين المعلنة، والمتعلقة بالتحول الأخضر، والمنجزة منذ عام 2010 على أنها مشاريع تخفيف أو تكيف. ويمكن أيضًا فحص أهمية هذه المشاريع في سياسات التحول الأخضر بشكل أعمق.

 

التوزيع عبر مجالات التنمية

 

وُزعت تلك المشاريع على معظم قطاعات التنمية، منها ستة مشاريع في قطاع الزراعة، وثلاثة أخرين في قطاع الطاقة، وأربعة في قطاع المياه والصرف الصحي. تم أيضًا الإشراف على تنفيذ المبادرات الأربعة، التي تهدف إلى حماية البيئة، منها ثلاثة مبادرات تتعلق بالبنية التحتية الحضرية والبيئية، بالإضافة إلى مبادرة أخرى، لإدارة النفايات الصلبة. وقد نُفذ مشروع واحد فقط في كل من القطاعات التالية: الصناعة، التعدين والمحاجر، النقل، والزراعة.

 

كما لا يوجد لدى اليمن أي مشاريع تهتم بتحسين قطاع الإسكان. وقد دعم صندوق التكيف مشروعًا واحدًا فقط، يركز على قطاعي المياه والصرف الصحي والزراعة.

 

وبينما أدار مرفق البيئة العالمي مشروعًا واحدًا متواضعًا في اليمن، و تم منحه أقل من 17 مليون دولار أمريكي في شكل منح، تتطلب جميعها تمويلًا مشتركًا من مجموعة من المصادر المحلية والدولية. يعتبر البنك الدولي أحد أبرز المؤسسات المالية التي تمول التحول الأخضر في اليمن، حيث تم تقديم تمويل لـ 11 مشروعًا مختلفًا. هناك ثلاثة مشاريع تتعلق بالزراعة، اثنان تتعلقان بالطاقة، اثنان تتعلقان بالمياه والصرف الصحي، اثنان تتعلقان بالموارد الطبيعية، واثنان آخران يتعلقان بالبنية التحتية الحضرية والبيئية.

 

من ناحية أخرى، هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها بخصوص صندوق الاستثمار في المناخ، لأنه يدعم ثلاثة مشاريع ممولة من قبل المقترضين، دون توفير أي معلومات عن المشاريع أو عملية التمويل. يبدو أيضًا أنه لا يوجد نشاط في اليمن من قبل البنك الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وصندوق التحول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا يحتوي موقع الصندوق على أي معلومات تتعلق بالمبادرات المتعلقة ببلد اليمن.

 

وهناك مشروع واحد يدعمه البنك الدولي، يقدم توفير فرص عمل قصيرة الأجل، والوصول إلى خدمات أساسية مختارة للفئات الأكثر ضعفًا. ويبدو أن هذا المشروع يخدم أهدافًا إنسانية و/أو تنموية، ولكن ارتباطه بتغير المناخ غير واضح.

 

تتبع مسار المال

 

تم استثمار إجمالي ما يقرب من 1,060.16 مليار دولار أمريكي على مدى سنوات عدة، ومن مصادر مختلفة وفي مراحل مختلفة. كان اليمن المستفيد من أكبر مبالغ التمويل على الإطلاق، حيث بلغ إجمالي المنح 860.16 مليون دولار أمريكي، والمبلغ الأصغر 200 دولار في هيئة قروض. ويبدو أنه لم يتم دعم أي مشروع من المصادر المحلية (العامة) أو من حصص المستثمرين الخاصين.

 

القطاعين العام والخاص

 

من بين 20 مبادرة قد تم تقييمها، هناك 13 مشروعًا نُفذت للقطاع العام. ومن المتوقع أن تصل قيمة هذه المشاريع إلى 1,058.71 مليار دولار أمريكي، بينما يبلغ إجمالي المنح حوالي 835.6 مليون دولار أمريكي. وفي المقابل، فإن المشاريع الستة التي تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 4.11 مليون دولار أمريكي هي مخصصة للتنفيذ لصالح القطاع الخاص.

 

ويبدو أن جميع المنظمات الممولة تعطي الأولوية لتمويل مبادرات القطاع العام، بالإضافة إلى تلك الموجودة في القطاع الخاص، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالزراعة. ومع ذلك، لا يمكن القول بيقين تام أن هناك أي آلية تمويل متخصصة في مجال معين من مجالات التنمية؛ بدلاً من ذلك، يتم تنويع تمويل المشاريع في مختلف المجالات.

 

المديونية

 

خلال فترة مراجعة مشاريع التمويل الأخضر، قام أيضًا البنك الدولي بتمويل، ستة مبادرات للتحول الأخضر في اليمن، بهدف تقليل تأثيرات تغير المناخ. وتم توزيعها على مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك المؤسسات المالية، ومساعدة الاستثمار العام، وقطاعات الطاقة والموارد الطبيعية، والاستثمار المتجاوب مع المناخ. بينما تم إدراج مشروعين آخرين للبنك الدولي باعتبارهم ضمن المشاريع الخضراء. وفي الواقع، يبدو أن اثنين على الأقل من هذه المشاريع، مرتبطان بتحديات التعافي من جائحة كوفيد، بدلاً من تدابير التكيف أو التخفيف من تغير المناخ. ويأتي هذا من الاقتراض السيادي، الذي يبلغ قيمته 200 مليون دولار.

 

استنتاجات

 

عند النظر إلى تلك الصورة الشاملة عن التحول الأخضر في اليمن ومن منظور تمويل المناخ المعاصر، يمكننا أن نلاحظ أن النشاط منخفض إلى حد ما، مقارنة بالبلدان الأخرى، بما في ذلك تلك التي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا تزال المشاركة العامة والوصول إلى المعلومات حول هذه المبادرات المهمة مطلوبة، لكن بعض التحديات لا تزال قائمة،  ومنها على سبيل المثال، تقديم معلومات عن المشروع من قبل كل آلية تمويل على حدة، وحتى غالبًا بعملة منفصلة. ويمكن أن يسهل تحسين التنسيق، وتوحيد القياس ومركزية البيانات، والنماذج، والعروض التقديمية على الجميع الوصول إلى المعلومات ذات الصلة عبر أساليب التمويل المختلفة.

 

وتُظهر الاستراتيجية المستخدمة لمعالجة التأثيرات المناخية الكارثية أيضًا، بعض التوازن بين جهود التكيف والتخفيف. لكن النتيجة المنخفضة مقارنة ببعض الدول المجاورة، تشير إلى التقليل من أهمية التخفيف؛ بينما تهدف الأغلبية إلى التكيف مع ما ستواجهه. ولكن كلاهما على حد سواء من التدابير العاجلة.

 

وهناك اتجاهات متميزة أخرى تستحق المزيد من البحث والتدقيق. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن تحتوي تقارير التنفيذ وتقييمات المشاريع - التي لا يزال معظمها في مرحلة التنفيذ - على معلومات عن المستفيدين في كل من القطاعين العام والخاص على حد سواء. وبالتالي، فإن الردود على هذه الاستفسارات تكشف أيضًا عن مدى تأثير التمويل المناخي على الأصول الوطنية الخاضعة لرقابة الدولة، أو حتى تسريع وتيرة خصخصة السلع والخدمات العامة الأساسية. ومن الشواغل العامة المهمة الأخرى، التي تحتاج إلى مزيد من البحث - خاصة في البلدان المجاورة - حجم الدين العام ومدى إمكانية سداده.

 

فيما لا تزال هناك أولوية متزايدة أيضاً عن التمويل اللازم لاسترداد مختلف التكاليف والخسائر والأضرار ، المتكبدة بسبب آثار تغير المناخ. ويعد هذا هو موضوع صندوق الخسائر والأضرار الجديد، الذي أنشئ في المؤتمر الأخير للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ رقم 28 (2023) في دبي، الإمارات، وهذه المهمة تختلف عن التخفيف أو التكيف.

 

وبينما في الوقت الحالي، يهيمن الخطاب فيما بين الدول على الخطاب المتعلق بالخسائر والأضرار، لا تزال هناك حاجة إلى استراتيجية، وأكثر ملاءمة للناس، وتركز عليهم باعتبارهم المرتكز الرئيسي، لمعالجة التحديات المشتركة لكارثة الآثار المناخية التي نواجهها جميعًا.

 

كذلك هناك  بعض التناقضات التي تنشأ بسبب النقص النسبي في مشاركة الدول العربية، في تمويل مبادرات التحول الأخضر، خاصة فيما يتعلق بالتمييز بين السياسات الدولية والممارسات المحلية، وبين الأداء المحلي والسلوك خارج حدود الولاية الإقليمية للدولة. وعلى الجانب الإيجابي، التزمت مجموعة التنسيق العربية (ACG) بتوفير 50 مليار دولار أمريكي في التمويل الأخضر، فيما بين بلدان الجنوب بحلول عام 2030. واعتبارًا من يونيو/حزيران 2024، أوفت مجموعة التنسيق العربية بـ 17 مليار دولار من هذا التعهد.

 

وللتخفيف من آثار التغير المناخي أو التكيف معه، يجب أن يشارك المجتمع المدني في جميع الأنشطة الوطنية والإقليمية والدولية نحو التحول الأخضر. وترتبط المؤسسات العامة، بما في ذلك الحكومة، والمجتمع المدني كمكونات مشتركة للدولة، وأن يكون بينها ترابط وثيق في القضايا التي تؤثر علينا جميعًا، كما يتضح من خلال العمل المناخي والتحول الأخضر. ويجب أن يكون المجتمع المدني أن يستوعب جزءًا من المبادرات والآليات التي تقودها الدولة، والعكس صحيح. ولضمان أن تكون الالتزامات التي تعهد بها القطاعان العام والخاص، وكذلك الأطراف الخارجية، مشتركة ومفيدة لجميع شرائح السكان في البلاد، فإن المشاركة المدنية أمر لا غنى عنه لتحقيق التقدم وتنفيذ تلك الوعود.

 

 

لتحميل مصفوفة تمويل الأخضر في اليمن، هنا

 

أنظر كذلك:

 

مخاطر المناخ والتكيف معه، الملف القطري: اليمن، مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية (UNDRR).

 

صورة غلاف المقالة: خريطة عن اليمن من عرض قدمه محمد اليتاري (مجلس الشباب العالمي، اليمن) في الجولة الأخيرة من منتدى الأرض الثامن بتنظيم شبكة حقوق الأرض والسكن، 12 يونيو/حزيران 2024. الصورة على صفحة المقالة هنا، تتضمن، ودون اتخاذ أية إجراءات، يتوقع الخبراء العالميون أن تتسبب آثار التغير المناخي في قتل أكثر من 121,000 شخص في اليمن بحلول عام 2060.المصدر وكالة رويترز.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN