English عن التحالف اتصل بنا العدد 27 - كانون الأول/ديسمبر 2022 الرئيسسة
تطورات عالمية

جريمة" الإهلاك السكنى"

المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالسكن اللائق بالاكريشنان راجاغوبال القى الضوء على كيفية استمرار الانتهاكات الجسيمة للحق في السكن اللائق بطريقة غير مسبوقة أثناء النزاع العنيف وبعده. استمرارالهجوم والقصف والتفجير، وغير ذلك من أشكال هدم الأهداف المدنية، وتدمير مدن وقرى بأكملها. كما تؤدي هذه الانتهاكات الى تشرد الملايين على الرغم من تطور حقوق الإنسان والقانون الإنساني والجنائي في العصر الحديث.

ركز تقريره الأخير، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة الحق في السكن اللائق أثناء النزاع العنيف، على الاستهداف المستمر للمنازل وعلى الممارسة المستمرة للنزاع والاحتلال والحرب. ويحلل التقرير التحديات القانونية والسياسية والعملية التي تواجه منع وإنهاء والاستجابة للتدمير الشامل المنهجي والمتعمد للمنازل أثناء النزاع العنيف. ويدعو إلى الاعتراف بأن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي بوصف إهلاك سكني، وهي جريمة منفصلة بموجب القانون الجنائي الدولي. ويختتم التقرير بمجموعة من التوصيات لمنع هذه الممارسة والقضاء عليها، وكذلك وضع حد للإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق السكن.

وفي حدث جانبي عُقد في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022، في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة، استضاف مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومركز حقوق الإنسان والعدالة العالمية (CHRGJ)، في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، السيد راجاغوبالان (Rajagopalan)، وأربعة أعضاء من اللجنة لاستكشاف الاقتراح. وشارك في حلقة النقاش خوسيه ألفاريز (José Alvarez)، أستاذ القانون الدولي في لجنة حقوق الإنسان والعدالة، والسيد جوزيف شكلا، منسق شبكة حقوق السكن والأرض- التحالف الدولي للموئل؛ والسيدة بري أكيسونBreeAkesson)، من جامعة ويلفريد لورييه، كلية العمل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمشاركة المجتمعية SJCE؛ وكيارا توريلي (Chiara Torelli)، باحثة رئيسية في مجال العنف المتفجر في منظمة العمل على العنف المسلح.

بالنسبة للمصطلح حديث العهد، domicide أو الإهلاك السكنى، قد يبدو أنها كلمة زائفة أو كلمة مختلقة. إن الجدل الدائر للاعتراف بالمصطلح في القانون الجنائي الدولي مستوحى من أصل كلمة genocide الإبادة الجماعية، وهي التدمير المتعمد لشعب - عادة ما يتم تعريفه على أنه مجموعة عرقية أو قومية أو عنصرية أو دينية - كليا أو جزئيا. وقد صاغ القاضي البولندي رافائيل ليمكين (Raphael Lemkin)، المصطلح في عام 1944، حيث جمع بين الكلمة اليونانية γένος (الناس، أو العرق) مع اللاحقة اللاتينية caedo   (فعل القتل).

قد لا يكون معنى كلمة يقتل قابلاً للاستخدام فيما يتعلق بالجماد والأشياء غير الحية. ومع ذلك، إذا نظرنا بشكل أعمق في أصل الفعل، نجد أن له مشتقات ذات معاني ذات صلة مثل يقطع أو يبتر أو يمزق أو يضرب. بالمعنى الأوسع، لفظ الاهلاك السكني ينطوى على الضرب والهجوم في المكان الذي يعيش فيه الناس.

أيد منسق التحالف الدولي للموئل-شبكة حقوق الارض والسكن، الاقتراح حيث أن هذا المصطلح الجديد سيأخذ مكانه في الجريمة الدولية بسبب الحاجة إلى مزيد من التحديد في المصطلحات القانونية. وقد تم بالفعل تعريف Forced evictions عمليات الإخلاء القسري و نقل السكانpopulation transfer” قانونيًا. فهي تشير إلى مجموعة من الانتهاكات الجسيمة والجرائم الأكثر خطورة. فكل مصطلح له سمات مميزة في تطبيقه. وقد أكدت لجنة حقوق الإنسان في عامي 1993  و 2004  أن الإخلاء القسري يشكل انتهاكاً جسيماً لحق الإنسان في السكن، ضمن حقوق أخرى من حقوق الإنسان. حيث يمكن ممارسته ضد أسرة واحدة أو مجموعة من الأسر. وتنطوي الجريمة الخطيرة المتمثلة في نقل السكان على ممارسة مماثلة، ولكنها لا تشير عادة إلا إلى عمليات واسعة النطاق، تنطوي على عوامل دفع وجذب مع الغرض التمييزي وتأثير الهندسة الديموغرافية.

والأكثر شيوعا هو أن نقل السكان يتم عندما وحيثما تسعى قوة غير مشروعة إلى زرع مجموعة سكانية ممتثلة، من أجل الاستحواذ على الأراضي، والسيطرة عليها بشكل دائم. إن جرائم نقل السكان هي جرائم عابرة للحدود بطبيعتها؛ غير أن نفس الممارسة المحظورة قد تحدث داخل إقليم الدولة. في هذه الحالة، يشار إليها باسم التلاعب الديموغرافي. ويمكن تنفيذ جرائم نقل السكان بالقوة و/أو بأي مزيج من التكتيكات والوسائل، بما في ذلك الوسائل القسرية والتزايدية والتحفيزية والتي تستند الى تطبيق القانون التمييزي.

وقد يشمل تدمير المنازل الحرب القانونية، كالتي تُمارس منذ فترة طويلة ضد سكان القدس الفلسطينيين، على سبيل المثال، حيث تنطوي انتهاكات حقوقهم في السكن والأرض، على قيود وحشية، لوضع إقامتهم في عاصمتهم. وتتضمن هذه الاجراءات القديمة والجديدة على فصل الأسر، على الرغم من تحديد لجنة القانون الدولي بأن النقل القسري لأعضاء مجموعة ما، خاصة عندما يتعلق الأمر بفصل أفراد الأسرة، يُمكن أن يشكل أيضا إبادة جماعية . باختصار يعد تطبيق لمصطلح الإبادة الجماعية، ويمكن تصنيف هذه الطريقة أيضًا على أنها إهلاك سكنى.

ومع ذلك، فإن الإهلاك السكني، يشير إلى التدمير المتعمد للمنازل. بعد الحرب العالمية الثانية حدثت عملية نقل السكان للألمان في إقليم السوديت (Sudeten)، حيث تُركت معظم منازلهم بعد أن تم اجبارهم بالقوة بالاتجاه غربًا في وقت السلم المفترض. وفي التطهير العرقي عام 48-1947 النكبة الفلسطينية، دمرت القوات الإسرائيلية معظم القرى الفلسطينية، البالغ عددها 531، أي ما يعادل 156,000 منزل تقريبًا، من بين مبان أخرى، وغالبا ما يتم تغطيتها بزراعة غابات غير محلية، حتى لا يترك أي شيء لللاجئين للعودة إليه. وتعد هذه الأفعال الإجرامية إبادة للأجناس. وعلى النقيض من ذلك، فإن هناك سياسة فصل عرقي مماثلة تصيب الأسر القبرصية، الخاضعة لنقل السكان منذ عام 1974، ولكن في كثير من الحالات، تظل منازلها - غالبا ما تكون فارغة - عبر الخط الأخضر.

وخارج سياق نقل السكان والإبادة الجماعية، يمكن أن يكون الاهلاك السكني هو المصطلح المناسب لوصف استهداف حزب بهاراتيا جاناتا الحالي لمنازل المسلمين كوسيلة للاضطهاد في الهند، واستخدام تكتيكات الاقتراض المطبقة في أماكن أخرى.. ولأهداف مماثلة لأهداف الميليشيات الإسرائيلية في النكبة، فإن تدمير جيش ميانمار الحارق لقرى الروهينجا سيضيف الاهلاك السكني في سجل جرائمه الخطيرة.

وقد تم تعريف المصطلحات القانونية الإخلاء القسري و نقل السكان بشكل جيد في القانون الدولي. ومع ذلك، فإن كل منها يختلف أيضًا عن مصطلح Domicide ”  “وهو الهجوم العنيف أو غيره من الهجمات القسرية على المنزل؛ أي الوحدة السكنية، أو منطقة الإقامة التي يعيش فيها المدنيون. فهذا يختلف عن الأمثلة الأخرى التي تظل فيها المنازل والأسر المستهدفة سليمة.

تُركت معظم منازل الألمان في إقليم السوديت (Sudeten) بعد الحرب قائمة بعد أن تم إجبار سكانها على السير غربًا في وقت السلم المفترض ، وحتى القرى الفلسطينية البالغ عددها 531 التي تم تطهيرها عرقياً في 1947-1948 ومنازلهم التي يبلغ عددها حوالي 156000 منزل، من بين البنايات الأخرى ، ظلت فترة طويلة بعد هجرها من السكان ، إلى أن قامت دولة إسرائيل ومؤسساتها القانونية شبه الحكومية العنصرية بتجريفها وتغطيتها بزراعة الغابات غير المحلية. بالمثل سياسة الفصل العرقي تصيب الأسر القبرصية الخاضعة لنقل السكان منذ عام 1974، ولكن في كثير من الحالات، تظل منازلها قائمة - وغالبا تكون فارغة - عبر الخط الأخضر.

من ناحية أخرى، فإن الاهلاك السكني هو فعل محدد للغاية يتمثل في مهاجمة منازل المدنيين، بما في ذلك الهياكل المادية والمناطق المحيطة بها، غالبًا في سياق النزاع العنيف و/أو الاحتلال و/أو الحرب المعلنة. وقد تكون هذه الأفعال بوسائل تدميرية، تؤدي أيضا إلى «الإخلاء القسري» على نطاق واسع، ولكن هذا المصطلح القانوني الدقيق وتصنيف الانتهاك الجسيم، قد لاي بعران بشكل كافي عن حالة الإهلاك السكني.

وعلاوة على ذلك، وبصرف النظر عن نقل السكان، يمكن أن يحدث الإهلاك السكني، عندما يكون الهدف التكتيكي هو معاقبة السكان بشكل غير قانوني، أو اضطهادهم، أو تجريدهم من ممتلكاتهم، و/أو إفقارهم، حتى بدون الغرض أو الأثر المترتب على، تشريدهم أو استبدالهم. بل إن الإهلاك السكني، في حد ذاته، فعل جنائي قد يرتبط، ولكنه يقع من الناحية النظرية بين جرائم الإخلاء القسري المحددة بالفعل، والمحظورة، وبين جرائم نقل السكان.

في محاكمات نورمبرغ للمتهمين النازيين، ألفريد جودل (Alfred Jodl)، وألفريد روزمبيرغ (AlfredRosemberg)، أدين الأول بجرائم تشمل حرق القرى النرويجية وتدمير القرى والبلدات البولندية. اشتهر روزنبرغ بنهب منازل اليهود، على الرغم من وصفهم بأنهم اهلاك سكني، فقد قام المدعين العامين في نورمبرغ إلى تقليص اتهامهم بارتكاب جريمة حرب غير محددة إلى حد ما وهي السلب. وفي حكم أكتوبر 2022 بشأن الإخلاء الجماعي وتدمير منازل وأراضي الماساي في تنزانيا، رفض قضاة محكمة شرق إفريقيا القضية لعدم وجود أدلة على الضرر الناجم عن الاهلاك السكني.

ختاماً

يحتاج الممارسون القانونيون إلى مصطلحات أكثر وضوحا وفهما أفضل لمصطلح الاهلاك السكنى  كجريمة في القانون الدولي والمحلي. وكما أشار المقرر الخاص في تقريره، فإن هذه الأفعال محظورة بالفعل في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ومع ذلك أن المعاملة الأكثر وضوحاً للفعل المحظور في القانون الإنساني الدولي IHL لا تزال متروكة للتفسير ضمن الفئة العامة لتدمير الممتلكات المدنية. ومن الواضح أن السكن اللائق هو أكثر بكثير من مجرد ملكية. من الناحية المفاهيمية والقانونية، ويجب التعامل مع الاهلاك السكني وفقا لشروطه الخاصة.

ويجب أن يشمل تعريفها القانوني الاعتراف بأن الاهلاك السكني هو انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان وخرقا خطيرا للقانون الإنساني الدولي. مع إعطاء الأولوية الأولى لضحاياه والأشخاص المتضررين، تتطلب سبل الانتصاف التنفيذ الكامل لإطار جبر الضرر، بما في ذلك الحق في الاسترداد المادي والمعنوي، والعودة، وإعادة التوطين، ورد الاعتبار، والتعويض عن القيم غير الخاضعة للاسترداد، وضمانات عدم التكرار، وارضاء الضحايا.

وقد تخضع الملاحقة القضائية والعقوبة للجناة وغير ذلك من أشكال العدالة، لعمليات العدالة الانتقالية الطويلة الأجل. وينبغي ألا يُستخدم بطء ملاحقة الجناة، والفصل في مسؤوليتهم كذريعة للتأخير، ومن ثم حرمان ضحايا الإهلاك السكني من سبل الانتصاف والتعويض.

ويمكن أن ينطوي أي فعل يعاقب عليه القانون على مجموعة من الجرائم أو على أركان الجريمة في أي وقت. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدقة في القانون لتحديد واعتراف وتعريف جريمة الإهلاك السكني في المعجم القانوني والصكوك الواجبة التطبيق لإنهاء ومنع ومعالجة ممارستها المستمرة.

 

الصورة: رسم جرافيك من جريمة الاهلاك السكني:  القانون الجنائي الدولي في اشد الحاجة الى التحديث

 المصدر: المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية.


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN