English عن التحالف اتصل بنا الاصدار رقم 1 - كانون اثاني/يناير 2012 الرئيسسة
تطورات اقليمية

رياح الثورات العربية تكشف جرائم نهب الأراضي المنظمة في الإقليم

منذ اندلاع ثورات الشعوب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهي تكشف حتى الآن عن مدى استشراء الفساد والإثراء غير المشروع من قبل الحكام المستبدين، بشكل منظم و ممنهج للسيطرة على مقدرات وثروات شعوب بلادهم، بشكل يفوق أي تصور. وقد شاهد الجميع حجم الثروات الفاحش الخاص بالرؤساء التي تم الإطاحة بهم واللذين هم في الطريق للإطاحة بهم، وما جمعوه من أموال وعقارات وأصول سواء في الخارج أو داخل البلدان التي كانوا يحكمونها بشكل استبدادي وقمعي، من أجل فرض سيطرتهم واستغلالهم لثروات بلدانهم، تاركين شعوب بلادهم في فقر وبطالة. حتى جاءت ثورات شعوب تلك البلاد لتكسر حاجز الصمت والقمع على الفساد الاقتصادي، وعمليات الاستثمار غير الأخلاقي التي كانت تتم تحت مسمى التنمية والتطور.                                                                                                                       

ومن أبرز القضايا التي أزاحت الثورات العربية الستار عنها، جريمة نهب الأراضي، والتي اتضح أنها كانت قاسم مشترك بين دول المنطقة التي ثارت شعوبها ضد ما عانوه من اضطهاد وقمع وإفقار من قبل حكامهم سواء في تونس، ليبيا، مصر، سوريا، اليمن، البحرين، والعراق. وهي كانت العامل الأساسي والرئيسي لإثراء حكام تلك الدول بشكل يفوق التصور، وذلك نتيجة لاستخدام مناصبهم العامة كحكام، في نهب ثروات شعوبهم تحت اسم التنمية والتطوير والاستثمار من أجل رفع الاقتصاد القومي ومستوى معيشة المواطن، ولكنه كان على العكس تماما إفقاراٌ للشعوب وزيادة معاناتها وتحميلهم أعباء وضرائب أكثر من أجل زيادة ثرواتهم واستثماراتهم الخاصة. تماما كما كان يحدث في فترة العصور الوسطى من الإقطاعيين وطبقة النبلاء من الحكام.

وقد رصدت شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل؛ مجموعة القضايا التي تم الكشف عنها عقب اندلاع الثورات الشعبية في الإقليم المتعلقة بنهب الأراضي والاستيلاء على الموارد العامة للدولة من قبل الحكام المخلوعين والقائمين على أنظمتهم من وزراء ومسئولين.

-        في تونس، مع اندلاع الثورة الشعبية التونسية في 18 ديسمبر 2010،  تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي، الذي قام بإضرام النار في جسده في 17 ديسمبر 2010 تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل الشرطة؛ كشفت لنا الأحداث التالية وبعد رحيل بن علي في 14 يناير، مدى استشراء الفساد في مؤسسات الدولة، وكمية الثروات التي جمعها بن علي بشكل غير مشروع وغير أخلاقي، حيث كان من بينها نهب أراضي الدولة أو الأصول العامة من قبل زوجته وعائلة الطرابلسي؛ والمنتفعين من نظامه، وكشفت العديد من القضايا ما تم من نهبه والاستيلاء عليه من عقارات وأراضي. وقد كشفت لجنة المكلفة بالتحقيق في عمليات الفساد والاختلاسات العديد من عمليات نهب الأرضي والاستيلاء عليها دون وجه حق من أصحابها، من قبل عائلة صهر الرئيس المخلوع. وقد أكدت ذلك العديد من وثائق ويكيلكس التي نشرت عن نظام بن علي في تونس الفاسد كما ذكرت[1]. كذلك وعلى سبيل المثال في منطقة المهدية غرب العاصمة التونسية يذكر مهدي بن حسن، استيلاء نائب المدير العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي على أرضه بالقوة، وعندما أقام ثلاث دعاوى قضائية منذ عام 1990 وحتى عام 1994 يذكر بأن المحكمة لم تنظر في سندات الملكية ثم أضعت بأنها أضاعت ملفه.[2]

-        أما في مصر، فأبرز القضايا الرئيسية التي طفت على السطح ضمن قضايا الفساد التي كانت في عهد النظام السابق للرئيس مبارك، هي جريمة نهب أراضي الدولة لصالح طبقة من رجال الأعمال والمستثمرين من الداخل والخارج، والتي تم الكشف عنها عقب سقوط نظام الرئيس مبارك بعد اندلاع ثورة 25 يناير. حيث تم اكتشاف نهب ملايين الأفدنة من أراضي الدولة وبيعها بأبخس الأثمان في مقابل عمولات وصفقات لعائلة الرئيس المخلوع[3]، تورط فيها نجليه وكبار مساعديه ومستشاريه ووزراءه[4]. العديد والعديد من قضايا مافيا الأراضي والاستيلاء عليها بشكل غير شرعي تمت تحت مشروع مبارك للخريجين[5]؛ وبالأخص في أراضي سيناء[6]. تلك الممارسات التي تمت على أكثر من ثلاث عقود بشكل ممنهج ومنظم؛ وانتفع منها بشكل أكبر عائلتي صهري الرئيس المخلوع.[7] ومازلت هناك العديد من قضايا نهب الأراضي التي يتم الكشف عنها على الرغم من عدم وجود حتى الآن، هيئة مكلفة بالكشف عن قضايا الفساد والإضرار بالمال العام. ولكن حجم القضايا التي تم الكشف عنها يوضح مدى التخريب والإفقار المتعمد من قبل النظام السابق للشعب المصري على مدار ثلاثة عقود واختلال منظومة العدالة الاجتماعية في مصر نتيجة عملية التوزيع غير العادل للأراضي. وأخرها وثيقة تم نشرها على موقع ويكليكس عن عمليات الإصلاح الاقتصادي التي كان يمارسها النظام السابق من خلال بيع الأرض مقابل الديون للبنوك حتى يتجنب صرف المزيد من الأموال لسداد الديون للبنوك.[8]

-        والحال ليس مختلفا في سوريا، فما زال الشعب السوري يعاني حتى الآن ويناضل من أجل استعادة حريته وكرامته من نظام الأسد الذي هو أيضا، دخل في منظومة الفساد ونهب الأراضي العامة لصالح عائلته وأصهاره والمنتفعين من حكمه. فبموجب قانون الاستملاك يتم نزع العديد من الملكيات الخاصة لصالح المنفعة العامة[9]، لكنه على أرض الواقع لا يتم إلا لمصلحة رجال الأعمال والمستثمرين من عائلة الرئيس، خاصة وأن القانون يقرر بأن من يقر بوجود النفع العام هو الوزير المختص أو الجهة الإدارية طالبة الاستملاك؛ أيضاً فساد الأمن العسكري ونهبه لأراضي  كما هو موضح في المقال بعنوان حدث في سوريا: مصادرة أراض لمستثمرين بحجج واهية حيث قرار رئيس الأمن العسكري بمصادرة جميع الأراضي التي تتجاوز سقف الملكية بموجب قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عام 58 ومساومة هؤلاء الأشخاص للحصول على المزيد من النهب.[10] كذلك استغلال قانون تحرير وتحديد الأراضي عام 1995، لتثبيت ملكية الأراضي عن طريق استغلال النفوذ، والاستيلاء على المزيد منها دون وجه حق.[11] وتعرض أصحاب الأراضي المثبتة ملكيتهم إلى ضغوطات من أجل التنازل عن أراضيهم إما برفع دعاوى قضائية ضدهم أو يصل الأمر إلى حد التهديد المباشر . وقد نشرت أيضاً ويكليكيس مجموعة من المراسلات السرية تتعلق بأنشطة أحد أقارب الرئيس الأسد، وفساد النظام الاقتصادي لصالح عائلته وأصهاره.[12]

-        أما عن الوضع في اليمن، فجرائم نهب الأراضي في اليمن أصبح مستفحلا مثل مصر، نتيجة لاستغلال النفوذ وسيطرة العائلات والقبلية على أراضي شاسعة خاصة في الجنوب، سواء كانوا من المؤيدين لنظام صالح، أو حتى المعارضين له؛ وقد اعترف تقرير عن لجنة دراسة نهب الأراضي بأنه تم الاستيلاء على الأراضي في خمس محافظات، وأنه ضم 15 مسئولا عسكريا وتنفيذية، وتجارا هم أبرز من سطوا على تلك الأراضي إما بالقوة أو بوثائق مزورة.[13] كما كشفت منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد عن عمليات إتلاف وإخفاء كم هائل من الوثائق والمستندات التي تدين الرئيس اليمني، متعلقة باتفاقيات النفط والغاز ووثائق ملكيات الأراضي التي أعتاد الرئيس توزيعها على شكل هبات ومنح لصالح شيوخ وقبائل لسكب ولائهم؛[14] وقد توقع تقرير سابق صدر في عام 2010 بأن قضية الاستيلاء على الأراضي دون وجه حق سوف تؤدي إلى حراك يمني جديد لأنها أصبحت تهدد السلم الاجتماعي[15] وهناك العديد من القضايا التي رصدتها الشبكة فيما يتعلق بنهب الأراضي والاستيلاء عليها بالقوة.

-        و في ليبيا، و نظرا لسوء الوضع، وما يجري الآن على الساحة الليبية، فضلا عن التعتيم والقمع الذي كان يمارس ضد الليبيين، فلا توجد قضايا منشورة أو بالأحرى لم يتوصل يتم التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي مارسها نظام القذافي فيما يتعلق بنهب الأراضي والاستيلاء على ثروات الشعب الليبي، ولكن رصدت الشبكة، بعض المقالات التي تناولت أوضاع الملكية و حيازة الأراضي في ليبيا في عهد القذافي، وبالأخص القانون رقم 10 لسنة 1427 الخاص بالإخلاء والاستيلاء على المنفعة الخاصة لصالح المجتمع، فالمادة 88 منه تتناول انتفاء المصلحة العامة واسترداد الملكية لأصحابها إذا انتفت المصلحة العامة.[16] كذلك قضية تملك السكان الأصليين لأراضيهم مثل الأمازيع والمشاكل التي يعانونها من عدم تمكنهم من ضمان حيازتهم لأراضيهم خاصة في منطقة جبل نفوسه، وخاصة منطقة كباو وسيطرة قبائل الصيعان عليها.[17]

-     أما في البحرين، فمازالت تعاني وشعبها من تفشي ظاهرة نهب الأراضي على الرغم من صغر مساحتها كدولة، وحتى الآن مازال شعبها يناضل من أجل التخلص من النظام الفاسد بالمملكة، وما أحدثه من خلل في المنظومة الاجتماعية نتيجة السمسرة والمتاجرة بالأراضي العامة ، على حساب أصحاب الأرض أنفسهم وهم الشعب، حيث يتم بيع الأراضي أو تأجيرها بأسعار زهيدة مخالفة لقيمتها الحقيقة؛ ناهيك عن أن الدولة تتعامل بشكل غير فعال في تقديم المسئولين للمحاكمات، حيث كشف مجلس النواب مؤخرا عن إحدى أكبر عملية فساد ونهب للأراضي في تاريخ البحرين بما قيمته حوالي 40 مليار دولار.[18] ولكن لم تبادر أية مؤسسة حكومية أو نيابية أو قضائية للحديث عن أية ملاحقة قضائية في تلك القضايا، وخصوصا لان المتورط الأساسي فيه هو الديوان الملكي والمستفيدين الأساسيين هم مسئولين كبار من الأسرة الحاكمة . لذا يبدو أن استهداف العناصر الأضعف من بين المشتبه بهم بالفساد هو استهداف للحلقة الأضعف من سلسلة الفساد التي تستنزف أراضي وأموال العامة، وذلك بغرض إقناع الرأي العام بجدية السلطات في محاربة الفساد وللتمويه وحرف الأنظار عن عمليات الفساد الكبرى.[19]

-     وعن الوضع في السودان، فهو ليس أقل حظاُ من بقية دول المنطقة بل هو أكثرهم تعقيدا، فجرائم نهب الأراضي في السودان تتم تحت مظلة المشاريع الاستثمارية الكبرى حيث رصدت الشبكة تقرير صدر في بداية عام 2011، عن نيابة مخالفات الأراضي بولاية الخرطوم، عن تزايد مضطرد في مخالفات الأراضي، ففي الوقت الذي بلغت فيه جملة بلاغات العام الماضي (765) أي بواقع ما يزيد قليلا عن بلاغين في اليوم، وصل عدد البلاغات في الربع الأول من العام الجاري (506) وهو ما يعادل (5) بلاغات في اليوم، والإثارة في هذه القضية ليست مقتصرة على ارتفاع المؤشر البياني بل تفوح من كل تفاصيلها في قصصها المعلقة بين الواقع والخيال، وفي كم من التناقضات يتعايش في رحمها بحميمية تغالط طبيعة الأشياء. كذلك مشروع الرهد الزراعي، حيث يعترض المزارعون على ما وصفوه بخداعهم من قبل الحكومة، حيث تم نزع الأراضي عن المزارعين بطريق غير مباشر، وأبعدوا عن أراضيهم في مقابل أرباح المشروع ولكن لم تتحقق أي نتائج من المشروع ولم يحصلوا على أية تعويضات أو استرداد لأراضيهم.[20] وغيرها من قضايا مشروع الجزيرة، ومصادرة أراضي الشمالية لاستكمال سد مروى، ناهيك عن الاستثمارات الأجنبية بتأجير الأراضي الزراعية لدول أخرى من أجل الزراعة ، ولكن هذا سيكون على حساب الفئات الضعيفة والمهمشة من الفلاحين اللذين سيضارون ولن يستطيعوا الحصول على تعويض ملائم من مصادرة أراضيهم لصالح المشاريع الاستثمارية الكبرى


 


[1]  أنظر الوثيقة: http://www.crikey.com.au/2010/12/08/wikileaks-update-corruption-in-tunisia-an-arab-force-and-the-party-of-the-decade/

http://wikileaks.ch/cable/2008/06/08TUNIS679.html               

http://wikileaks.ch/cable/2006/06/06TUNIS1622.html

http://wikileaks.ch/cable/2006/06/06TUNIS1630.html

http://wikileaks.ch/cable/2006/07/06TUNIS1672.html

http://wikileaks.ch/cable/2006/07/06TUNIS1673.html

http://wikileaks.ch/cable/2008/03/08TUNIS299.html

http://wikileaks.ch/cable/2009/06/09TUNIS372.html

http://wikileaks.ch/cable/2008/06/08TUNIS679.html

http://wikileaks.ch/cable/2009/07/09TUNIS516.html

[2]  http://www.aleqt.com/2011/02/07/article_501162.html

[3]  http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=425708&SecID=203&IssueID=167

[4]  أنظر وثيقة ويكيلكس بشأن فساد وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان: http://wikileaks.ch/cable/2010/02/10CAIRO203.html

[5]  http://www.shorouknews.com/contentData.aspx?id=402764

http://www.alwafd.org/index.php?option=com_content&view=article&id=49069&catid=102&Itemid=89#axzz1OPkQnSP6

[6]  أنظر وثيقة ويكيليكس، بشأن التنمية والتطوير في سيناء: http://wikileaks.ch/cable/2009/12/09CAIRO2249.html

[7]  http://www.alwafd.org/?option=com_content&view=article&id=15590#axzz1PGUPEN8G

http://www.alwafd.org/index.php?option=com_content&view=article&id=16921:%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-#axzz1T7WEuZFx

[8]  أنظر وثيقة ويكيلكس، الأرض مقابل الديون: http://wikileaks.ch/cable/2010/01/10CAIRO121.html

[9]  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=60072

http://www.champress.net/index.php?q=ar/Article/view/6747

[10]  http://www.armanc.org/modules.php?name=News&file=article&sid=1283

[11]  http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=59591

[12]  أنظر وثائق ويكليكس عن الفساد الاقتصادي في سوريا:

http://wikileaks.org/cable/2006/01/06DAMASCUS207.html

http://wikileaks.org/cable/2008/02/08DAMASCUS146.html

http://wikileaks.org/cable/2007/03/07DAMASCUS269.html

[13]  http://belaquood.net/news_details.php?sid=1436

[14]  http://www.aljazeera.net/NR/exeres/3DE0A585-22AD-44A5-95D7-DE009DEC9A58.htm

[15]  http://www.aljazeera.net/NR/exeres/B3B8B2FF-DE25-4FF8-9BBD-2FA492D53430.htm

[16]  file:///C:/Documents%20and%20Settings/Ahmed%20Mansour/Desktop/t22453-topic.htm

[17]  file:///C:/Documents%20and%20Settings/Ahmed%20Mansour/Desktop/v09dec10a.htm

[18]  أنظر التقرير النهائي للجنة التحقيق البرلمانية بشأن أملاك الدولة العامة والخاصة، (مجلس النواب)؛ 2010، http://www.nuwab.gov.bh/Files/agendapdf/malaheq2-4-22/amlak-2-4-t.pdf                       

[19]  http://abna.co/data.asp?lang=2&id=236435

[20]  http://www.hurriyatsudan.com/?p=20667


Back
 

All rights reserved to HIC-HLRN